مقابلات

مفكر: الدعوة لتغليب العامية في المغرب استعمارية

المفكر الإسلامي المغربي، أبو زيد المقرئ الإدريسي - عربي21
المفكر الإسلامي المغربي، أبو زيد المقرئ الإدريسي - عربي21
التعليم باستخدام اللغة العربية ساهم في إيصال المعرفة إلى الأوساط الشعبية

هناك مشروع لمعيرة اللغة الأمازيغية وهو مشروع معقول

خطورة اللغة الدارجة أنها تحول الإنسان إلى كائن حيواني ينفعل بحسه ويتحرك بغرائزه

استعمال الدارجة أداة للعلم والتعلم يقطع المغاربة عن امتدادهم الحضاري

قال المفكر الإسلامي المغربي، أبو زيد المقرئ الإدريسي، إن دعوات اعتماد العامية في التعليم المغربي مرده لخلفية استعمارية قديمة جديدة، تروم الإجهاز على اللغة العربية. 

وشدد الأستاذ الجامعي والقيادي الإسلامي البارز، في حواره مع "عربي21" على أن "تلهيج التعليم لم يكن يوماً مطلب الشعب، ولا فكرة النخبة، ولا قرار الدولة".
  
وأكد أبو زيد للصحيفة أن هناك مخططاً تقاطعت فيه مصالح الاستعمار مع خدمه في المغرب، لاستهداف اللغة العربية وإضعافها، بالحديث عن اعتماد اللهجة الدارجة في التدريس، وهو ما من شأنه تعبيد الطريق لمزيد من التغلغل اللغوي والثقافي الفرنسي في المغرب.
 
وعدّ أبو زيد وهو عضو في لجنة التعليم والثقافة والاتصال في مجلس النواب، "تلهيج التعليم" محاولة لإفساد الوعي الشعبي، والقضاء على كل إمكانيات التقدم الذي تتيحه اللغة العربية. 

وعن الجهات التي تقف وراء تلك الدعوات، قال أبوزيد إنها "جهات لا تريد مصلحة الوطن، وتسعى لتدميره حضارياً".
 
وفيما يلي نص المقابلة، التي أجريت على هامش مؤتمر اللغة العربية الثاني، الذي نظمه الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية في العاصمة المغربية الرباط، تخليداً لليوم العالمي للغة الضاد: 
 
في أي سياق في نظركم عرف المغرب دعوات لاعتماد التلهيج في التعليم؟
 
إن السياق الوحيد الذي تقام فيه هذه الدعوة، هو السياق الاستعماري، والتلهيج لم يكن يوماً مطلب الشعب، ولا فكرة النخبة، ولا قرار الدولة، وهؤلاء الثلاثة جميعاً يمارسون دارجتهم باقتناع، دون أن يروا فيها بديلاً لفصحاهم، وإنما هي جزء من مخططات استعمارية، تبناها في المغرب مستشرقون وقساوسة، وتصدى لهم علماء الأمة ومثقفوها وقادتها، وتمت مناقشتها من زوايا التخصص، وإثبات فشلها في تقديم العائد التربوي والحضاري والفكري والسياسي.
 
 
ما هي رهانات دعاة التلهيج في المغرب؟
 
الرهانات التي تحملها هاته الدعوة يمكن تقسيمها إلى ثلاثة، أولها التمكين للغة الاستعمارية المدللة، ويمكنكم العودة إلى آخر تصريح لمسؤول كبير في فرنسا، قال فيه إن "المغرب أصبح جنة اللغة الفرنسية"، وأن تكون اللغة الاستعمارية مدللة، في ساحة الصراع اللغوي الذي وضعت فيه الشعوب، من خلال إضعاف الفصحى، وتغليب الدارجة، كي تجد لغة المستعمر نفسها أمام منافس ضعيف، وبالتالي تحقق انتصاراً مسبقاً قبل دخول المنافسة، كما يسمى في المباريات الرياضية.

ولعل هذا ما يفسر الفعل الفوري الذي انطلق على الساحة المغربية، لشخصيات كبيرة في الفكر والثقافة، بتأسيس الائتلاف الوطني للغة العربية، يمثل إجماعاً للأمة بشأن هاته الدعوة، الذي خرج على شكل بيان شديد اللهجة، تضمن العديد من المقترحات البحثية والقضايا العلمية، والسعي لحماية البلاد من الانحياز اللغوي الذي تحظى به اللغة الاستعمارية في بلادنا، عبر طرح الأسئلة الحقيقية. 

وكان من أبرز ما جاء فيه، هو أن التعليم باستخدام اللغة العربية ساهم في إيصال المعرفة إلى الأوساط الشعبية، ورفع مستوى الوعي، ومحاربة الهدر المدرسي لدى الطبقات الهشة، كما أن التلهيج هو إفساد للوعي الشعبي، ومحاولة للقضاء على كل إمكانيات التقدم الذي تتيحه اللغة العربية.
 
هناك من يقول إن الدعوة لاعتماد اللغة العامية في التدريس هي مجرد قفزة في الهواء،  ما يطرح تساؤلاً حول مبررات تخوفكم منها؟

 
هناك بعض المؤشرات المقلقة في الساحة السياسية، ومن الدولة العميقة، يمكن أن تؤسس لإرهاص أن هناك شيئاً ما يجري الإعداد له في هذا الباب، وتجربتي في البرلمان علمتني أن حسن الظن موجود في العلم والمعرفة والثقافة، أما السياسة فليس فيها إلا سوء الظن، وأن الخطأ يوجد في المعرفة، أما السياسة فتوجد فيها الخطيئة.
 
هذه المؤشرات المقلقة تبدأ من الحجم الذي أعطي للشخص الذي دعا للتدريس بالدارجة، والموقع الذي حظي به، إلى جانب تعيينه في المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، وتنظيم الندوة في مكان له رمزية، ثم الندوة التي عقدت بين هذا الغر الجاهل وأحد مفكري البلاد، التي أخرجت بالشكل الذي يوحي بأن هناك انقساماً في المجتمع بين من يتبنون طرح التلهيج ومن يدعمون الفصحى، وجرى الترويج إلى أنه يمكن أن ندرج بالدارجة.

هذه المؤشرات بالنسبة لي مرعبة، خصوصاً في بلد لم تنضج فيه الديمقراطية، بحيث تبنى السياسة على القرارات والخطابات والمواقف الرسمية، ويطلب منا أن نطبّع مع هذه الاختيارات الملتبسة، وهذه الردة.
 
هل من مؤشرات أخرى رصدتموها على مستوى الممارسة؟
 
الآن هذه السياسة بدأت من خلال بعض الخدمات العامة، مثل المجيب الآلي لشركات الاتصال، والإشهارات التي أصبحت لا تقدم إلا بالدارجة، وحتى وزارة الداخلية، الممثل الحقيقي للدولة العميقة، قامت بالإشهار لانتخابات 2011 بالدارجة.

أنا أتخوف أن يصل هذا المشروع لمرحلة من النكوص أسوأ من تهميش اللغة العربية وحصارها.
 
ما موقع الأمازيغية في كل هذا، ومن يقف في نظركم وراء استهداف اللغتين الرسميتين للبلد؟
 
نحن أمام مشروع لمعيرة اللغة الأمازيغية، أي جمع شتات اللغة الأمازيغية لتصبح لغة واحدة معتمدة، ورغم الملاحظات التي يمكن أن تقدم على هذا العمل، فإنه مشروع معقول. 

في المقابل نسعى لتفتيت اللغة العربية، وهنا أستحضر تصريحاً لوزير الثقافة، وهو المثقف والوزير، في حواره مع إحدى الصحف الوطنية، عندما استنكر أن تطغى اللهجة البيضاوية على التلفزيون المغربي، فكيف سيكون الوضع إذا ما اعتمدنا دعوة التلهيج، وأصبحت الدارجة هي لغة التعليم والثقافة والإعلام، فهناك رغبة في التفتيت الحضاري والمعرفي.

المؤشرات كلها تذهب في أن هذا القرار تقف وراءه جهات لا تريد مصلحة الوطن، وتسعى لتدميره حضارياً، وأن هذا القرار هو كارثة وقرار بئيس، وهنا لا نتحدث عن استعمال الدارجة في مجالاتها، وإنما عن إقحامها في غير مواضعها، لتصبح لغة التدريس والثقافة والإعلام والتعليم.
 
ما صحة ما يُدفع به من صعوبات في تعلم اللغة العربية؟
 
من بين الأمثلة على سهولة تعلم اللغة العربية، حتى من قبل الأميين، حيث إن جيشاً من المغاربة يمثلون رعيلاً مباركاً، وهم أميون حرموا من التعليم، داوموا الحضور في المساجد لقراءة حزب الفجر وحزب الغروب، وبعد ثلاثين أو خمسة وثلاثين عاماً حفظوا القرآن الكريم، وأصبح وعيهم وخطابهم وتصرفهم ينطلق من وعي ثقافي أصيل.

أعطيكم مثالاً آخر فردياً، لحاج أمّي لم يدرس في الكتاّب دقيقة، وعمره الآن 90 سنة، وقد ألّف كتابين بالفصحى، بلغة عربية رفيعة، وهو يحاضر هذه الأيام بالفصحى، هذا الرجل أدمن فقط الاستماع لإذاعة "بي بي سي" العربية لأربعين سنة، ومنها تعلم الفصحى، ولم يكن وقتها لا تلفاز ولا فضائيات. 

ولذا فإننا حين ندعو إلى دعم مكانة اللغة العربية، فإنما ندعو إلى تحويل أمة بكاملها إلى أعلام، تنطلق من لغتها وهويتها وحضارتها.
 
كيف تفندون دعوات التدريس بالعامية تلك على المستوى البيداغوجي؟
 
هناك ثلاثة مستويات، المستوى البيداغوجي، حيث إن المفروض من التلميذ الذي يلج المدرسة أن يتعلم شيئاً جديداً، يقوده إلى اكتشاف عالم أرحب، والعالم اليوم لا يقف عند ما ذكرناه فقط، وستكون أداة اللغة مركزية في هذه الأمور. 

المشكلة أن من دعوا إلى الدارجة تعللوا بالهدر المدرسي، لن يوقف الهدر المدرسي أن يأتي التلميذ إلى المدرسة ليتعلم اللغة التي تركها في الشارع وفي البيت وفي الدوار وفي البيدر وفي كل مكان. 

أما المآل البيداغوجي لتضييق رؤية التلميذ للعالم من خلال الدارجة، فهو تقليص وتضييق المجال الواسع الذي تتيحه اللغة العربية، وتحجيم الأفق الذي تتيحه إمكاناتها، وسنحرم أنفسنا من التعرف على العالم، وندخل في حالة نكوص تدريجي، يشد الكائن البشري نحو التجربة المباشرة، ويدفع الإنسان نحو حالة انفعالية غير مضبوطة.

النقطة الثانية تتعلق بخطورة الإشهار بالدارجة، حيث يتحول الإنسان إلى كائن حيواني ينفعل بحسه، ويتحرك بغرائزه، ويصبح عبداً للآلة الرأسمالية الاستعمارية.

وعلى المستوى الحضاري، فإن التخلص من العربية واستعمال الدارجة أداة للعلم والتعلم يضيع على المغاربة كل التراث الضخم الموجود في اللغة العربية، ويقطع المغاربة عن امتدادهم الحضاري، وكل ما أنتجه الفلاسفة والشعراء والأدباء والعلماء، ليبدؤوا من جديد بلا ذاكرة ولا حضارة ولا امتداد ولا تاريخ، وهذا هو المنكر.
التعليقات (0)