حقوق وحريات

"خرج ولم يعد".. قصة العديد من المخطوفين في بغداد

تتهم الميليشيات الطائفية في العراق بالمسؤولية عن اختطاف المدنيين - أرشيفية
تتهم الميليشيات الطائفية في العراق بالمسؤولية عن اختطاف المدنيين - أرشيفية

عندما خرج لؤي صالح الجنابي (35 عاما) من منزله في منطقة الدوانم جنوب بغداد، لم يكن يعرف أنه سيترك خلفه أهله وأطفاله الثلاثة ويذهب إلى مصير مجهول. فالجنابي، الذي كان يعمل سائق أجرة في شوارع بغداد عندما خرج من بيته في إحدى الليالي كعادته لكسب الرزق، لم يرجع إليه حتى الآن.

يقول والد لؤي المكلوم، الذي يعيش أياما ولحظات يصفها بـ"القاسية": "بعد خروج ابني من المنزل قبل أسبوعين، بقينا نترقب عودته، وعندما خيم الليل وتأخر قدومه حاولنا الاتصال به أكثر من مرة، إلا أن هاتفه أصبح مغلقا، وهنا انتابنا شعور بأن مكروها قد حدث، ونازلة عظمية بانتظارنا جميعا".

يتابع لـ"عربي21": "بدأنا صباح اليوم التالي البحث عنه في كل مكان وشبر في بغداد، وفي مراكز الشرطة والمعتقلات، وحتى مشارح المستشفيات.. تفقدنا الجثث، لكننا لم نعثر له على أي أثر يدلنا عليه أو قد يكون بصيص أمل على معرفة مصيره".

يصف والد لؤي المتألم حجم المعاناة والمتاعب التي يمر فيها وهو يبحث عن فلذة كبده منذ أكثر من 15 يوما، قائلا: "لم أذق طعم الراحة والنوم لأن تفكيري دائما مشغول. فأنا أجلس في باحة المنزل وأتأمل قدومه أو أن أحصل على أي خبر يدلني على مكانه، أو أجد جثته إن كان مقتولا حتى أدفنها وأرتاح من هذا التعب النفسي والجسدي".

لكن لسوء الحظ لا تنتهي جميع قصص الاختفاء بهذه الطريقة، فالكثير ممن اختفوا مر عليهم وقت طويل، ليجد ذووهم في ما بعد مصيرهم جثةً متفسخةً ملقاةً على أرضية إحدى المشارح في الطب العدلي ببغداد، وعليها آثار تعذيب.

وهذه هي قصة الشاب عبد القادر أحمد، الذي خرج قبل عدة أشهر من منزله ولم يعد أيضا، حيث يروي شقيقه الأكبر أبو حسن تفاصيل خطف وقتل أخيه الذي كان يسكن حي العامل جنوب العاصمة، على يد قوة ميليشياوية ترتدي الزي العسكري وتستقل سيارات حديثة لا تحمل أرقاما.

يقول: "بعد خروج عبد القادر من البيت متوجها إلى مكان عمله في حي المنصور اعترضته مجموعة من الأشخاص يرتدون بزات عسكرية ويحملون هويات ومسدسات بصفه رسمية، اقتادوه إلى جهة غير معلومة بحسب شهود عيان من المنطقة، وبعد شهور وجدنا جثته في الطب العدلي وعليها آثار تعذيب في كل مكان من جسده.

وأضاف أبو حسن أن قصص الخطف تكررت كثيرا في الآونة الخيرة في شوارع العاصمة وحزامها، تقوم بها عصابات تسعى إلى تحقيق هدف من خلالها، وهو تعميق الشرخ الطائفي بين مكونات الشعب العراقي "سنة شيعة وطوائف أخرى"، أو جني الأموال مقابل مساومة أهالي المخطوفين الذين يجدون في اليوم التالي جثث أبنائهم وأحبائهم مرمية على قارعة الطريق، وعليها آثار تعذيب كمصير جثة عبد القادر.

لؤي وعبد القادر مجرد اسمين من قائمة طويلة من المفقودين في العراق منذ بداية احتلال البلد وحتى هذه اللحظة، فهناك آلاف الأسر العراقية تجهل مصير أبنائها، ولا توجد لديهم أي معلومات عن مكانهم، وفيما إذا كانوا ما يزالون على قيد الحياة أم غيبهم الموت.

وكانت قوة أمنية عراقية قد أعلنت قبل يومين عن تمكنها من مداهمة ما أسمته "أحد أوكار العصابات الإجرامية" في حي العطفية شمال بغداد، لتورطها بعمليات الخطف والابتزاز في معظم أحياء العاصمة، حيث تم إلقاء القبض على ثلاثة قادة بازرين في الدولة العراقية يشرفون شخصيا على قيادة تلك العصابات.

العصابة الأولى يقودها نائب في البرلمان العراقي ويدعى حسن سالم، مع أفراد حمايته. ويعد سالم أحد أهم قادة فرق الموت الشيعية التي ساهمت في إذكاء الفتنة الطائفية بين العراقيين.

والعصابة الثانية يقودها مقدم في وزارة الداخلية اسمه عمار مع اثنين من أبناء علي جبر صولاغ، الشقيق الأكبر لوزير النقل الحالي باقر جبر صولاغ. والابنان المعنيان هما مصطفى وكميل، وقد تم اعتقال أحدهما وهو مصطفى، بينما تمكن كميل الأصغر من الهرب.

أما العصابة الثالثة فيقودها رجل دين معروف في بغداد، اعترف أحد أفراد العصابة للأجهزة الأمنية عنه، دون الكشف عن اسمه.

إلى ذلك، طالبت "جهات سياسية" رفيعة قيادة عمليات بغداد بعرض المتورطين الحقيقيين في جرائم الخطف والابتزاز، التي تصاعدت خلال الأسابيع الماضية في بغداد بشكل مخيف، على الرأي العام، خصوصا بعد التأكد من تورط شخصيات بازرة في الدولة العراقية ووزارة الداخلية، وحذرت تلك الجهات من عرض بعض الاعترافات لأشخاص ومتهمين ثانويين لايمتّون لأفراد وقادة هذه العصابات المجرمة بصلة.
التعليقات (0)