حقوق وحريات

احتدام الجدل في موريتانيا بشأن الرق

ظاهرة الرق لا تزال منتشرة وبكثرة في أنحاء واسعة من موريتانيا - أرشيفية
ظاهرة الرق لا تزال منتشرة وبكثرة في أنحاء واسعة من موريتانيا - أرشيفية
تعيش موريتانيا منذ أسبوع على وقع جدل حاد بين الحقوقيين وبعض السياسيين المعارضين من جهة، وبين الحكومة والسياسيين الداعمين للنظام من جهة أخرى، على خلفية قرار القضاء إحالة عدد من النشطاء المدافعين عن العبيد والعبيد السابقين للسجن بعد احتجاجات بجنوب البلاد.

وقد أعاد اعتقال الحقوقيين موضوع العبودية بموريتانيا للواجهة من جديد، إذ ارتفعت أصوات تتهم الحكومة بمحاولة إسكات صوت المدافعين عن قضايا الرق في البلاد، فيما برزت مواقف أخرى ترى أن جهات سياسية معارضة وحقوقيين ممولين من الخارج باتوا يستغلون موضوع "العبودية الوهمي" لأغراض تحقيق مكاسب سياسية ومالية لا أكثر.

وقد غصت صفحات التواصل الاجتماعي بآلاف التدوينات والتغريدات من مدونين موريتانيين تتناول قصة العبودية بموريتانيا، وبدا واضحا انقسام الشارع الموريتاني حول هذه المسألة، ففي الوقت الذي أصرت فيه السلطات الرسمية على أن مسالة العبودية بموريتانيا باتت من الماضي وأن القوانين المجرمة للظاهرة واضحة، وشكل سنها وتنفيذها نهاية لعصر العبودية في البلاد، اعتبرت شخصيات سياسية وحقوقية أن القوانين المجرمة للعبودية في البلاد ظلت مجرد سطور على ورق، وأن الظاهرة عادت بقوة في مناطق من البلاد، خصوصا في الأرياف والمناطق البعيدة من المدن.

وقال حماه الله ولد مسعود من شريحة الأرقاء السابقين، إن الظاهرة لا تزال منتشرة وبكثرة في أنحاء واسعة من البلاد، وإن الحديث عن دولة موريتانية خالية من العبيد هدف بعيد المنال على ما يبدو، مضيفا، في حديث خاص لـ"عربي21"، إن مئات العبيد بل الآلاف لا زالوا يعملون بالسخرة لأسيادهم في مناطق من البلاد.

وقال مسعود إن "لكم أن تتصورا أن أشخاصا في هذا القرن لا زالوا يعملون في ظروف سيئة للغاية وبشكل مجاني لصالح آخرين، ولكم أن تتصوروا أن العبيد في هذا البلد لا يجوز لهم تناول الطعام مع أسيادهم ويحظر عليهم التعليم، إنهم مجرد مخلوقات لا حق لهم في العيش الكريم ولا في التعليم، بل عليهم العمل في رعي الدواب والحقول الزراعية حتى ينتجوا لأسيادهم مالا".

وفي الوقت الذي أحالت فيه السلطات الموريتانية الناشط بيرام ولد أعبيدي للسجن بمدينة روصو جنوب البلاد، اختارته مجلة "فورن بوليسي" الأمريكية السنوية من بين الشخصيات الأكثر تأثيراً في العالم للعام الحالي.
 
أربعة مسارات لتجاوز مسألة الرق

ويرى رئيس حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية محمد جميل ولد منصور أن إشكالية الرق في موريتانيا وما تثيره من جدل باتت تستلزم إيجاد حلول، ويلزم في حقها تحرير أربعة مسارات هي: تحرير الرؤية الإسلامية، وتحرير الخطاب الحقوقي، تحرير الموقف المجتمعي والتقليدي، وتحرير سلوك الدولة.

ويرى ولد منصور، في مقال نشره الأربعاء، أن الخطاب المجتمعي التقليدي "خطاب ينكر الحقائق ويتنكر للوقائع"، مشيرا إلى أولوية تحرير هذا الموقف من "منطق التبرير والتهوين"، مضيفا أنه على الشاكين في شرعية دعوة التحرير المترددين في الحكم على الرق في هذه البلاد "أن يعلموا أن التشكيك فيه ليس جديداً مع معاشر المعاصرين"، على حد قوله. 

بدوره يرى المحلل السياسي، الداه ولد سيد أحمد في حديث عبر الهاتف لـ"عربي21" أن مسألة الرق بموريتانيا باتت بحاجة لمعالجة سريعة، محذرا من أن التفاوت المجتمعي في البلد وتفاقمه مؤخرا يجعل البلد على كف عفريت ومعرضا لحرب أهلية بين فئات المجتمع، بحسب ما صرح. 

تهم للإعلام بإشعال الفتنة 

وقد بادرت اللجنة العليا لحقوق الإنسان في البلاد باتهام بعض المؤسسات الإعلامية الموريتانية بالسعي لإشعال فتنة بين مكونات الشعب، محذرة القنوات التلفزيونية والمحطات الإذاعية المحلية من الاستمرار في بث ما سمته الخطاب المتطرف والعنصري.

وبدورها، انتقدت نقابة الصحفيين الموريتانيين ما سمته الشحن الفئوي لبعض وسائل الإعلام المحلية، معتبرة أن بعض المحطات التلفزيونية والإذاعة المحلية فتحت منابرها أمام من سمتهم الغوغاء وأصحاب الدعاية المدمرة.

وقالت النقابة إن البلاد تمر بمرحلة حساسة تتطلب "المزيد من اليقظة والحذر، والعمل بحكمة وتبصر دون الانجراف وراء الدعايات المغرضة، أو التصامم عن المطالب الحقوقية المشروعة، للحقوقيين".

الصراع على مواقع التواصل الاجتماعي 

وقد انتقل الصراع أيضا إلى مواقع التواصل الاجتماعي، وتحولت مسألة الرق في البلاد إلى موضوع الأسبوع الرئيس بامتياز.

من جهته، كتب عبد الله ولد حرمة الله القيادي بالأغلبية الداعمة للرئيس الحالي على صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك إن "طفح الخطاب العنصري نتيجة حتمية لسيادة الانتحال في المشهد السياسي وهجر النخب الوازنة للمنابر".

بينما علق المدون محمد يحي ولد أبيه على صراع السلطة والنشطاء الحقوقيين قائلا إن "ضرب النساء وسحلهن على قارعة الطريق وأمام المارة يحدث فقط في موريتانيا وبأوامر من الرئيس عزيز" معتبرا من "المؤلم" قمع مناضلي حركة (إيرا) قرب روصو، على حد تعبيره. 
التعليقات (0)