مقالات مختارة

ما أحوجنا لتونس

فهد الخيطان
1300x600
1300x600
تونس الصغيرة، الجميلة والمسالمة هى القشة التي تتعلق بها الشعوب العربية، فإما أن تنتشلها من الفوضى والخراب العام، أو تغرق معها. تونس وحدها ماتبقى من زمن الربيع العربي الساحر.

اليوم يتوجه التونسيون إلى صناديق الاقتراع لانتخاب أول برلمان دائم بعد الثورة، بعد أن فرغوا من إنجاز دستور لامثيل له في العالم العربي، وتكريس تقاليد خلاقة لمرحلة انتقالية شديدة التعقيد، كادت أن تلحق تونس بقطار الفوضى الليبي والسوري واليمني والمصري. وبعد الانتخابات التشريعية هذه بشهر سيعود الشعب التونسي إلى صناديق الاقتراع لانتخاب رئيس للجمهورية.

حتى اليوم الأخير من الحملات الانتخابية لم يترك الإرهابيون تونس بحالها، حاولوا جاهدين تفجير المسار الديمقراطي، وإغراق تونس بالفوضى، لكنهم أخفقوا بفضل وعي التونسيين ونخبهم السياسية. لكن الخطر على الثورة في تونس لم يكن من الإرهابيين فقط؛ دول عديدة دخلت لعبة الاستقطاب السياسي، بالمال. فريق عربي دعم الإسلاميين، وآخر سعى جاهدا لإحياء نظام بن علي.

لكن النخبة التونسية قدمت درسا بليغا لكل النخب العربية،  فقد قاومت بشدة كل الإغراءات الخارجية، اختارت طريق التوافق الوطني لتجنيب تونس مصير ليبيا واليمن ومصر. 

الإسلاميون والعلمانيون تعلموا من تجربة مصر الكثير؛ الفوز في الانتخابات لايعني إقصاء الآخر،   وفي المراحل الانتقالية لابديل عن التوافق، صناديق الاقتراع ليست كل شيء.

قادت "الترويكا" الحزبية تونس في المرحلة الانتقالية، ومهما قيل عن أخطائها في السياسة والإدارة،   فالفضل يعود إليها في نقل تونس إلى بر الأمان.

لكن تونس ليست في مأمن بعد، الانتخابات خطوة تاريخية على طريق طويل، فهناك أخطار خارجية تحيط بها من كل الاتجاهات. يكفيها الجار الليبي الغارق في الفوضى الذي أصبح مصنعا يصدر الإرهاب للجيران، وأولهم تونس. وهناك دول عربية لن تتوقف عن محاولة نشر الفوضى في تونس لإفساد النموذج العربي الوحيد للتغيير. 

داخليا تواجه تونس تحديات التنمية الملحة، وحاجة التونسيين لجني ثمار الثورة تقدما ورفاها. وتكريس الديمقراطية نهجا أبديا في البلاد. ويبقى الإرهاب خطرا يهدد تونس، رغم النجاحات الأمنية، والتفاف جميع القوى وفي مقدمتها حزب النهضة حول الدولة للقضاء على الخلايا المسلحة،   واجتثاثها تماما من البنية الاجتماعية، وسد المنافذ الخارجية التي يتسلل منها الإرهابيون.

تشير التوقعات إلى أن حزب النهضة الإسلامي هو الأوفر حظا للفوز بكتلة وازنة في المجلس التشريعي، إلى جانب قائمة حزب نداء تونس الليبرالي، لكن القوى اليسارية والقومية والديمقراطية ستكون حاضرة وبقوة في البرلمان المقبل، بفضل دورها المؤثر في الحياة العامة، وبفضل قانون الانتخاب الذي يعتمد نظام القوائم "التمثيل النسبي".

بالمحصلة سيكون برلمانا تعدديا، كما المجلس التأسيسي الذي وضع الدستور والتشريعات الأساسية لتونس المستقبل.

ما أحوجنا جميعا في العالم العربي لتونس اليوم، فالبلد الذي أطلق شرارة التغيير قبل أربع سنوات،   وصنع اللحظة الفارقة في التاريخ العربي،  هو من يعوَّل عليه حاليا ليكون نقطة التحول في المسار الدامي لثورات الربيع العربي.

نجاح تونس في هذه المهمة سيزعج قلة من العرب؛ لكنه سيبعث الأمل في قلوب الملايين منهم.


(الغد الأردنية)
التعليقات (0)