ملفات وتقارير

وماذا عن الأسد.. سؤال روسي يربك حسابات الأمريكان

الأسد يفرق بين موسكو وواشنطن ـ عربي 21
الأسد يفرق بين موسكو وواشنطن ـ عربي 21
ترى الولايات المتحدة وروسيا في تنظيم الدولة عدوا مشتركا لكنهما تعجزان عن التغلب على الشكوك العميقة المتبادلة والاتفاق على كيفية معالجة هذا الخطر معا، ما يستبعد أي دور لموسكو في الحملة التي تقودها الولايات المتحدة على التنظيم.

ويقول المسؤولون إن الخلافات بين طرفي الحرب الباردة السابقين جلية. فموسكو تشك أن واشنطن عاقدة العزم على عزل حليفها الرئيس السوري بشار الأسد.

أما واشنطن فترفض بحث إمكانية العمل المشترك مادامت موسكو تصر على أن الضربات الأمريكية تحتاج لموافقة سوريا والأمم المتحدة.

ويقول مسؤولون أمريكيون إن المساعي الدبلوماسية من المحادثات بين كبار المسؤولين في الأمم المتحدة إلى الاتصالات غير الرسمية في موسكو فشلت في تبديد هذه الهواجس التي تردد صدى مشاكل أوسع نطاقا في العلاقات الأمريكية الروسية التي وصلت إلى أدنى مستوياتها منذ الحرب الباردة بسبب الأزمة في أوكرانيا.

وقال مسؤول رفيع المستوى في الإدارة الامريكية لرويترز مشترطا عدم نشر اسمه "العقبة الرئيسية أمام مشاركة روسيا هي موقف موسكو أن هذا لا يمكن أن يتم إلا بإذن من الحكومة السورية أو عن طريق الأمم المتحدة وهو أمر لا نقبله."

وأضاف "إذا كان الروس يعتقدون أنهم سيحققون نوعا من التغيير في السياسة الأمريكية فهذا لن يحدث."

ورغم أن روسيا لا تتعاطف مع متشددي تنظيم الدولة الذين استولوا على مساحات كبيرة من الأراضي العراقية والسورية ويتعرضون لضربات جوية في البلدين بقيادة أمريكية فإن علاقات موسكو مع سوريا تعرقل إجراء محادثات حول أي دور محتمل.

ويعقد غياب روسيا عن التحالف المناوئ لتنظيم الدولة حسابات واشنطن إذ يقلل من إمكانية تدخل الولايات المتحدة للتأثير على مدى تدفق السلاح الروسي على دمشق في الوقت الذي تمضي فيه الحملة الجوية على تنظيم الدولة قدما بضرب مواقعها في سوريا وكذلك تسليح قوات المعارضة السورية.

وتحاول موسكو تعزيز نفوذها الدبلوماسي والاقتصادي في الشرق الأوسط وهي تعد من موردي السلاح الرئيسيين لسوريا ما منح الأسد دعما حاسما خلال الحرب الأهلية المستمرة منذ ما يقرب من أربعة أعوام وعرقل محاولات غربية أوسع لمعاقبة الأسد بفرض عقوبات عليه لاستخدام القوة ضد المدنيين.

من ناحية أخرى تؤيد واشنطن مقاتلي المعارضة السورية المعتدلة الذين يسعون للإطاحة بالأسد ومن المرجح أن يلعبوا دورا محوريا في أي عملية برية مستقبلا داخل سوريا. وتتهم الحكومة الأمريكية الأسد بارتكاب انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان وتقول إنها لن تطلب الإذن من حكومة الأسد لشن ضرباتها الجوية في سوريا.

وفي حين أن ذلك يكاد يغلق كل أبواب التعاون العسكري في سوريا ضد الدولة الإسلامية فمازال المسؤولون الأمريكيون يرون إمكانية العمل معا في جبهة أخرى هي دعم المعركة التي تخوضها بغداد لدحر التنظيم في العراق.

لكن حتى في العراق يبدو العمل المشترك لأمريكا وروسيا مستبعدا.

وقال مسؤول كبير بوزارة الخارجية "للولايات المتحدة وروسيا مصلحة في هزيمة هذا النوع من التطرف العنيف الذي يمثله تنظيم الدولة."

 لم يتغير شيء

ويقول مسؤولون أمريكيون مطلعون اطلاعا مباشرا على مباحثات خاصة جرت بين موسكو وواشنطن في الأسابيع الأخيرة إن حساسية روسيا بشأن مصير الأسد برزت بشكل ملحوظ في هذه المحادثات.

وقال المسؤولون إنه بعد أن أعلن الرئيس باراك أوباما بدء الضربات الجوية على قوات تنظيم الدولة في العراق بدأ أعضاء في إدارته يلمحون لموسكو أن الدور على سوريا.

وقالوا إن وزير الخارجية جون كيري نقل هذه الرسالة إلى وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف في باريس يوم 15 أيلول/ سبتمبر الجاري على هامش مؤتمر عن العراق حضره الأعضاء الدائمون بمجلس الأمن الدولي ودول أوروبية وعربية وممثلون عن الاتحاد الاوروبي والجامعة العربية والأمم المتحدة. وتعهد الجميع بمساعدة حكومة بغداد.

وقال المسؤولون إن كيري عرض في ذلك الاجتماع تأكيدات بأن الولايات المتحدة لن تستهدف الأسد أو قواته مباشرة. وناقش الاثنان في اجتماع بالأمم المتحدة يوم الأربعاء المسألة من جديد وذلك في أعقاب بدء الضربات الجوية في سوريا.

وقال مسؤول أمريكي كبير "لم يغير الاجتماع شيئا".

وفي مؤتمر صحفي بالأمم المتحدة يوم الجمعة شكك لافروف بشرعية الحملة الجوية، وقال "نحن نحارب الإرهاب باتساق وعلى الدوام لا عندما يعلن أحد تحالفا فقط".

وتحذر موسكو منذ مدة طويلة من النتائج العكسية المحتملة للدعم الأمريكي لقوات المعارضة المناهضة للأسد في الحرب السورية. وزادت هذه المخاوف بسبب خطط توسيع التدريب الأمريكي للمعارضة وتسليحها.

مساع وراء الكواليس

وعلى الرغم من ذلك فمن الممكن أن تستفيد روسيا من أي نجاح تحرزه أمريكا في حربها على تنظيم الدولة التي انضم إليها مقاتلون من منطقة شمال القوقاز ذات الغالبية المسلمة وهي منطقة يشن فيها متشددون هجمات يومية لإقامة دولة إسلامية.

ويرجع العنف في تلك المنطقة إلى حربين خاضتهما موسكو مع انفصاليين في الشيشان بعد سقوط الاتحاد السوفيتي وربما يشكل هؤلاء المقاتلون خطرا أمنيا على روسيا إذا عادوا إلى شمال القوقاز.

ومن بين الأفراد والجماعات التي أعلنت وزارة الخارجية الامريكية في 24 أيلول/ سبتمبر أنهم إرهابيون أو يسهلون أعمال الإرهاب جماعة جيش المهاجرين والأنصار وهو جماعة متشددة شيشانية.

واعتبر هذا الوصف مفيدا لموسكو إذ أنه يمكن واشنطن من تجميد أصول ومنع تحويلات مالية.

لكن المسؤولين الأمريكيين يقولون إن واشنطن لم تقدم لموسكو طلبا خاصا للانضمام إلى التحالف أو العمل معا لمحاربة تنظيم الدولة. ولم تعرض روسيا شيئا من هذا القبيل. لكن المسؤولين يسلمون بأهمية أي دور محتمل لموسكو في أي حملة تتم في الشرق الأوسط.

وقال المسؤول الكبير بإدارة أوباما "ما من شك أن روسيا لاعب رئيسي في سوريا وفي العراق ومن المحتم أنها ستكون طرفا في أي وضع نتعامل معه" رغم أن نوع الدور الذي يمكن أن تؤديه لم يتضح بعد.

وقال مصدر مطلع إن مجموعة من خبراء السياسات الخارجية الأمريكيين والروس الذين يقدمون المشورة بانتظام لحكوماتهم عقدوا اجتماعا خاصا في موسكو الأسبوع الماضي سعيا لإيجاد أرضية مشتركة في الحرب على تنظيم الدولة.

وقال المصدر إن الوفد الروسي الذي ضم مسؤولين سابقين مازالوا على صلة وثيقة بالكرملين أبدى اهتمامه بالتعاون في مكافحة الإرهاب بما في ذلك تبادل معلومات الاستخبارات. لكن المحادثات صادفت ارتيابا كبيرا من الطرفين فلم يتفقا على أي شيء ملموس.

وفي موسكو قال فيودور لوكيانوف رئيس تحرير مطبوعة روسيا في الشؤون الدولية إن من المرجح أن يقتصر الدور الروسي في محاربة تنظيم الدولة على مساعدة الحكومتين العراقية والسورية. وتزود موسكو قوات الأمن في البلدين بالسلاح.

وقال لوكيانوف الذي يرأس لجنة استشارية للشؤون الخارجية بالكرملين "روسيا ليس لديها أي رغبة أو أي خطة أو اهتمام بأن تكون جزءا من أي حملة تقودها الولايات المتحدة."

وأضاف قائلا "وجهة النظر الروسية هي أن كل هذه الفوضى نتجت إلى حد كبير عن السياسة المتهورة والطائشة في غزو العراق."

وقال مسؤولون أمريكيون إن واشنطن أسعدها تصويت روسيا بالموافقة يوم الأربعاء على قرار تدعمه الولايات المتحدة يحث الحكومات على المساعدة في وقف تدفق المقاتلين الأجانب على الجماعات الجهادية.

لكن ماثيو روجانسكي الخبير في الشؤون الروسية بمركز ويلسون للأبحاث في واشنطن قال إن خطاب أوباما في الأمم المتحدة في اليوم نفسه الذي حذر فيه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من مغبة "العدوان" على أوكرانيا ربما يكون قد محا الأثر الطيب. وأضاف "من وجهة النظر الروسية كل شيء مترابط".

وقال جيمس جولدجاير المتخصص في شؤون الكرملين بالجامعة الأمريكية في واشنطن إن العقبات التي تحول دون التعاون الأمريكي الروسي ضد تنظيم الدولة أضخم فيما يبدو من أن يتم التغلب عليها قريبا لكن التغيير قد يحدث إذا شعرت موسكو بخطر على أمنها.

وأضاف "في الوقت الحالي يتمثل أكبر مشاغل روسيا في الحفاظ على النفوذ القليل الذي تبقى لها في الشرق الأوسط. وهذا يعني سوريا."
التعليقات (0)