ملفات وتقارير

التطرف.. حالة فكرية أم إفراز أزمات سياسية؟

تنظيم الدولة.. قد يكون نتاج فكر أو إفرازا لأزمات سياسية واجتماعية واقتصادية - الأناضول
تنظيم الدولة.. قد يكون نتاج فكر أو إفرازا لأزمات سياسية واجتماعية واقتصادية - الأناضول
عادت طبول التحذير من التطرف لتقرع من جديد، على وقع تمدد تنظيم الدولة الإسلامية، وما حققه من سيطرة تتنامى يوما بعد يوم على مدن وقرى ومناطق جديدة على امتداد الجغرافيا السورية والعراقية، وبحسب أندرس راسموسن الأمين العام لحلف (الناتو)، فإن "خطر التنظيم سيطال العالم دون استثناء"، محذرا من أنه "إذا لم نوقف تقدمهم فإنهم سيشكلون تهديدا ليس للعراق وحسب بل للعالم أجمع".

تحذيرات الزعماء والساسة الغربيين من خطر تنظيم الدولة الإسلامية، فتحت الباب على مصراعية للتحذير من خطر التطرف الإسلامي، ففي تصريحات صحفية قال رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون: "إن الأسباب الجذرية للتهديد الإرهابي في المملكة المتحدة هي التطرف الإسلامي"، وأضاف: "حتى لو تم حل مشكلة (داعش) يبقى "الخطر قائما فيمن ينشرون الفكر الإسلامي المتطرف".

ثمة تحركات ولقاءات سياسية إقليمية ودولية محمومة، تسعى لحشد الدول وتجميعها في تحالف دولي لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية، الذي بات بحسب تصريحات الساسة الغربيين والعرب يشكل خطرا داهما ليس على العراق فحسب، بل على العالم بأسره، وأنه سيصل إلى أوروبا بعد شهر وإلى أمريكا بعد شهرين وفق تصريحات العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبد العزيز.

أمام تلك الحالة من الحشد الإقليمي والدولي، وما يصاحبها من لقاءات وترتيبات ومخططات، ثمة أسئلة قلقة يتداولها الناس في مجالسهم ومنتدياتهم حول حقيقة التطرف الإسلامي الذي بات الكل يحذر منه، ويخشون من انتشاره في بلادهم؟ وهل هو خطر حقيقي أم تم تضخيمه لغايات وأغراض سياسية معينة؟  وتثور التساؤلات حول الأسباب والعوامل التي تضافرت لظهوره وبروزه؟ وهل هو نتاج حالة فكرية أم إفراز أزمات سياسية واجتماعية واقتصادية متراكمة؟ 

الإسلام دعا إلى الاعتدال وحذر من التطرف

من خلال ملاحظة التصريحات المحذرة من التطرف والإرهاب، فإن غالب المحذرين يلصقون التطرف بأشخاص واتجاهات من المسلمين باعتباره سلوكا بشريا، لكنهم يتحاشون الإساءة إلى الدين الإسلامي بإلصاق تلك الصفة به، فما هي حقيقة التطرف في ميزان الشرع؟، وما موقف الدين الإسلامي منه؟ 

أجاب الأكاديمي المصري مدرس العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر الدكتور اليماني الفخراني عن ذلك بقوله: "إن النصوص الإسلامية الأصلية تدعو إلى الاعتدال، وتحذر من التطرف، المعبر عنه بلسان الشرع بعدة ألفاظ منها "الغلو" و"التنطع" و"التشديد"، مبينا أن التطرف لغة يعني الوقوف في الطرف، بعيدا عن الوسط، وأصله في الحسيات، كالتطرف في الوقوف أو الجلوس أو المشي، ثم انتقل إلى المعنويات، كالتطرف في الدين أو الفكر أو السلوك.

وبحسب الدكتور الفخراني، فإن التطرف في الدين يقابله الوسطية فيه، والإسلام منهج وسطي في كل شيء، في التصور والاعتقاد، والتعبد والسلوك، والأخلاق والسلوك، والمعاملة والتشريع، وهذا المنهج هو الذي سماه الله "الصراط المستقيم"، المتميز عن طرق أتباع الديانات والفلسفات الأخرى من "المغضوب عليهم"، ومن "الضالين" الذين لا تخلو مناهجهم من غلو وتفريط.

وفي جوابه عن سؤال "عربي 21" حول الأسباب المنتجة لحالة التطرف أو "الغلو" الديني؟ قال الدكتور الفخراني: "ثمة أسباب تعود للمتطرفين أنفسهم، كالجهل بالدين وعدم فهم نصوصه فهما صحيحا، وأسباب تعود للبيئة الداخلية كالظلم والاستبداد، وأخرى للبيئة الخارجية كالعدوان والاحتلال الخارجي وإظهار العداوة للمسلمين. 

التطرف نتاج توأمة العوامل المادية والفكرية

من جانبه وفي السياق ذاته رأى الدكتور جمال شلبي أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الهاشمية الأردنية أن التطرف نتاج حالة توأمة بين الظروف المادية (الاقتصادية والسياسية والاجتماعية)، وبين الأفكار والعقائد والأيدلوجيا. 

ولفت الدكتور شلبي إلى أن الأنظمة السياسية العربية بسياساتها الاستبدادية والقمعية ساهمت في إنتاج وظهور حالة التطرف، لأن انسداد الأفق السياسي، ومصادرة الحريات، وممارسة القمع، تحمل الناس على ممارسة التطرف والعنف كردة فعل على تلك الممارسات. 

وأوضح الدكتور شلبي لـ"عربي 21" أن تخوف العالم الغربي من التطرف في العالم الإسلامي كان موجودا قبل ظهور تنظيم الدولة الإسلامية، وقد يكون ظهور التنظيم الأخير أجج مخاوف العالم العربي السابقة، وأذكى  هواجسه القديمة، مشيرا إلى أن تنظيم القاعدة هو نتاج السياسات الغربية الظالمة في المنطقة، وكذلك هو حال تنظيم الدولة الإسلامية. 

وحول إمكانية واحتمالية توظيف تنظيم الدولة الإسلامية من أجل تحقيق أجندات معينة، وتمرير سياسات معدة مسبقا، أكد أستاذ العلوم السياسية شلبي أن أمريكا كما تمكنت في السابق من استثمار حالة المجاهدين الأفغان وتوظيفها في صراعها مع الاتحاد السوفيتي، فإنها قادرة على توظيف تنظيم الدولة واستثماره سياسيا لتحقيق استراتيجاتها في المنطقة.

مواجهة التطرف بمنظومة ثقافية تنتصر لمفاهيم الدولة الحديثة

كيف يمكن مقاربة ظاهرة التطرف من زاوية سوسيولوجية؟ يرى الدكتور موسى شتيوي مدير مركز الدراسات الاستراتيجية بالجامعة الأردنية أن ظاهرة التطرف أكثر تعقيدا من اختزالها في تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، فالتطرف موجود في العالم العربي منذ عقود طويلة، لافتا إلى قصور التفسير الذي يرجع الظاهرة إلى سبب واحد، لأنها نتاج تفاعلات لعوامل متعددة ومختلفة.

وبحسب أستاذ علم الاجتماع شتيوي، فإن ثمة عوامل سياسية داخلية وخارجية، كالاستبداد والاستعمار والاحتلال الصهيوني لفلسطين، ساهمت في تهيئة المناخات لنشوء حالات تطرف في بعض الأحيان، منبها في الوقت نفسه على أنه لا يستطيع تجاهل عامل مهم أسماه "ثقافة التطرف" وهو ما يشكل أرضية خصبة لمشروعية هذا الفكر. 

وحول مدى تأثير الظروف الاقتصادية وما يصاحبها من مشاكل الفقر والبطالة والجهل، في نشوء وشيوع حالة التطرف، قال شتيوي لـ"عربي 21" إن الظروف الاقتصادية عامل مؤثر في ذلك ومعالجتها جزء من الحل، لكن ما يمكن أن يشكل حلولا ناجعة يتمثل في التوجه الجاد لإعادة بناء منظومة ثقافية شاملة تتماشى مع مفاهيم الدولة الحديثة، التي تتأسس على قيم الحرية والعدالة والمواطنة والمساواة. 

لكن ما هي المناخات والبيئات التي يمكن أن يظهر فيها التطرف بشكل سافر أكثر من غيرها؟ بحسب الدكتور شتيوي فإن انتشار التطرف وشيوع العنف، كان أظهر وأكثر في البلاد التي فشلت في احتضان كل مكوناتها العرقية والمذهبية والدينية وفق مفاهيم الدولة الحديثة كالمواطنة والمساواة وسيادة القانون.

فكر التطرف "الإسلامي" ناتج عن سوء فهم للإسلام 

ثمة مقولة متداولة في سياق تحليل أسباب ظاهرة التطرف، يذهب أصحابها إلى القول بأن التطرف صفة ذاتية ملازمة لاتجاهات دينية، ولا تنفك عنها بحال، وليس ثمة أية علاقة لها بالمؤثرات والعوامل الخارجية، ويستدعون حالة الخوارج كمثال على ذلك وهي الحالة القابلة للتكرار في كل زمان وفق مقولاتهم.

في تعقيبه ومناقشته لتلك المقولة أوضح الدكتور عبد المجيد دية، أستاذ مشارك في قسم الفقه وأصوله بجامعة الزرقاء الأهلية الأردنية، أن تلك الحالة المتمثلة بظهور الخوارج بما يحملونه من فكر متطرف غالٍ، نتجت عن سوء فهم للإسلام ومبادئه وأصوله، كقولهم بتكفير مرتكب الكبيرة، وتساهلهم في استحلال دماء المسلمين المعصومة. 

وحول إمكانية تكرار تلك الحالة في زماننا، قال الدكتور دية لـ"عربي 21" إن حالة الخوارج قابلة للتكرار من حيث الأفكار والمفاهيم في زماننا، فثمة من يوجد بيننا ممن يكفرون مرتكب الكبيرة، ويكفرون المسلمين بسبب عملهم في الوظائف الحكومية، ولا يصلون خلف أئمة المساجد لأنهم يتقاضون رواتبهم من مؤسسات تابعة للطاغوت. 

وتابع الدكتور دية حديثه قائلا: فكما أن تلك الأفكار والعقائد ملازمة للفكر الخارجي، فإن هناك حالات تطرف نتجت عن الظلم والاستبداد والطغيان الذي توقعه الأنظمة على الناس، فحينما يُعتدى على الأعراض وتنتهك أمام الزوج والأب والأخ، ويسب الدين والرب، ويقول الجلاد للمعتقل أحضر ربك لأضعه معك في الزنزانة، فكل ذلك ولد بلا شك تطرفا شديدا كردة فعل على تلك الممارسات الاستبدادية والقمعية.

وحذر دية من أن شيوع نموذج الذبح وقطع الرؤوس، والاعتداء على أرواح الناس بغير حق، وترويع الآمنين، وتهجير غير المسلمين من ديارهم التي ولدوا ونشأوا فيها، يقدم صورة مشوهة لدولة الإسلام والخلافة، ويحمل المسلمين قبل غيرهم على النفور منها، وتمني زوالها. 

بحسب الدكتور دية، فإن مواجهة التطرف ومعالجة آفاته، تكمن في إشاعة الوعي الصحيح، ونشر المفاهيم الشرعية والدينية القويمة، وفي الوقت نفسه تفكيك المنظومة العقائدية والمنهجية التي تستند إليها جماعات التطرف، من الغلو في التكفير واستحلال دماء المسلمين المعصومة بالدعاوى المجردة، مثنيا على البيانات والرسائل الأخيرة التي أصدرها الشيخ أبو محمد المقدسي وأبو قتادة الفلسطيني. 
    
التعليقات (0)