كتاب عربي 21

قراءة في المشهد السياسي السوري

راميا محجازي
1300x600
1300x600
على عجلة يعود كيري للشرق الأوسط، هذه المرة برفقة وزير الدفاع هيغل، في مهمة محددة ومعلنة الأهداف وهي (تشكيل تحالف ضد داعش).

يبدو أن أوباما قد سلم كيري مهمة الوصول إلى حل سياسي للأزمة السورية، ريثما يأخذ موافقة الناتو، للمساعدة في ضرب تنظيم الدولة داخل الأراضي السورية و العراق.

إلى اليوم يعتبر الأسد العقبة الأصعب سياسيا في منطقة الشرق الأوسط، فها نحن نشهد أهم إنجازات كيري على الصعيد السياسي في العراق تدخل مرحلة التنفيذ، والمالكي خرج من المشهد السياسي بشكل نهائي، ومصر تشهد استقرارا خارجيا بعد أن نالت قياداتها الثقة، وتُسلم اليوم دور لاعب أساسي في المنطقة.

لم يبق عصيا على كيري سوى الأسد، عصيا عن التفاوض وعصيا عن الفهم، وما زال تحديا سياسيا بالنسبة له، ولا نذكر ذلك من قبيل المديح بالأسد أو وصفه بالدهاء السياسي؛ وإنما صعوبة التفاوض مع الأسد تكمن في بلاهته وحماقته التي لا يمكن أن تقود إلى وفاق سياسي، وأوباما يدرك تماما بأنه من غير الحكمة أن يأمن جانب الأسد وهو يخوض معركة بقائه.

ما يعرف عن كيري أنه يختلف عن كلينتون التي كانت تلتزم الحزم والسير ضمن صراط سياسي قانوني محدد، أما كيري فكثيرا ما تتدخل قناعاته ورؤيته للملفات التي يعمل عليها في أسلوب عمله ومفاوضاته، ومع شخصية كالأسد وجماعته ممن يستجدون غوثا من العصابات الكونية المتآمرة عليهم تارة، ويحذفون أوروبا من على خارطتهم تارة أخرى، نتوقع من كيري أن يكون أكثر قدرة على تطويع الأمور حسب الرغبة الأميركية.
     
من الخطأ التكهن فيما إذا كانت أميركا اليوم تسعى لإزاحة الأسد، أم أن مهمة كيري ستنحصر في تحديد سبل التعاون مع نظام الأسد ضمن أقصى الإمكانات للقضاء على تنظيم الدولة الذي تمدد على الأرض وطموحه أن يمتلك السماء، وخصوصا بعد سيطرته على مطار الطبقة وقاعدته الجوية الضخمة في الرقة الذي كان بمثابة انسحاب وتسليم من قبل الأسد له وكأن حال لسان الأسد يقول مهددا أوباما: "إما أن تُسلّم بالدعم و التعاون مع نظامي أو أن أغذي داعش حتى تنهش وتلتهم المنطقة بما عليها".  
     
عربيا: يتصدر المشهد السياسي المبادرة المصرية بقيادة السيسي، لحل الأزمة السورية، وحلحلة الأوضاع في المنطقة، وتكوين تكتل إقليمي ودولي عسكري لمواجهة الإرهاب المتمثل بتنظيم الدولة داعش، بعد استبعاد رأس النظام وذلك على عكس ما كان يتنظره الأسد وحليفته إيران التي كانت مبادرتها أكثر رفقا بمصير الأسد، ومع أن الدب الروسي يبدو ولو لوهلة بأنه مستعد للتخلي عن خادمه المطيع، ولكن الأمور ليست بهذه البساطة؛ فلا يمكن تجاهل العداء الروسي الأميركي، وما تشهده المنابر السياسية من اتهامات وعدائية بين القوتين استشاطت بعد أحداث أوكرانيا وشد الخناق الاقتصادي على حكومة بوتين، هذا مايدفعنا للاعتقاد بإمكانية أن يحفز هذا الخلاف بوتين لأجل خوض تحدٍ ضد الأسد، فيكون نوعا من المناكفة السياسية لأميركا أوعرضا لعضلات بوتين الذي يرفض إلى الآن الظهور خائر القوى، إثر تجديد العقوبات الاقتصادية على بلاده.  
       
الكثير من المحللين في الشأن السوري وجدوا في تصريح السيسي "بأن مصر لا تدعم النظام السوري أوالمعارضة السورية ولا تنحاز إلى أي منهما، وأن اهتمام مصر الوحيد ينصب على الحفاظ على وحدة الأراضي السورية وحمايتها من خطر التقسيم، وبأن مصر تعمل على التوصل إلى حل سلمي للوضع في سوريا".

تمهيدا لإعلان مبادرته التي أعلن لافروف مباركتها في خطوة سابقة عن إعلانها، ولأن إيران مازالت في الواجهة؛ مخطىء من يعتقد بـأن ما أفضى إلى تخليها عن المالكي، يمكن أن يفضي إلى تخليها عن الأسد، فالحسابات مختلفة والتخلي عن الأسد سيقود إلى سحب سطوتها وسلطتها من سوريا ولو بشكل مؤقت، ريثما تتخلص من العدو الأشرس داعش، ومن ثم تعود لتعقب الهلال الذي يستحوذ على أغلب أحلامها في المنطقة. 
 
من جهة أخرى، التحضيرات للحكومة الانتقالية تجري بعيدا عن قيادات المعارضة المشهورة، وقد ذكرنا سابقا بأنه تتم صياغة قرارات جديدة في أوسلو وتحضير شخصيات جديدة وليست بالبعيدة عن المشهد السياسي السوري، ولكن برؤى أكثر تقاربا مع ما يأمله المجتمع الدولي وبتوافق لما يعمل عليه كيري؛ والسبب بأن أميركا التي أعلن ديفيد كاميرون في تصريحه، بأنها "ستتكفل بالحرب على داعش" تحاول جاهدة الوصول إلى صيغ سياسية مرضية، ولا ترحب بطرح الأسماء التي يمكن أن تثير استياء الشارع السوري وتأجج الأوضاع أكثر، وخصوصا لأن الوصول للأهداف العسكرية لا بد أن يمهد بتسويات سياسية و إلا لن يحصد إلا نتائج عكسية.

ببساطة أوباما لن يفتح جبهات صراع أخرى في المنطقة، فالاتفاق على التعامل مع الأسد يبدو قد تحقق ونستدل عن ذلك من الجولات الاستطلاعية التي تقوم بها الطائرات الأميركية فوق الأراضي السورية؛ يبدو أن نظام الأسد سينزل من على الدبابة الإيرانية، ليدخل مرحلة جديدة في صراعه مع الشعب السوري، ولكن هذه المرة معتليا الجناح الأمريكي.
التعليقات (0)