كتاب عربي 21

اكتب ما يُملَى عليك: "عاوزين البلد تستقر"

تامر أبو عرب
1300x600
1300x600
1-
وكأنه توجيه مكتوب وصل إلى كل مقدمي البرامج وكتاب الأعمدة والسياسيين في مصر، قولوا للناس إن الاستقرار أهم من الخبز والحرية، أقنعوهم بأن الاستقرار غاية وليس وسيلة، ذكّروهم بأيام مبارك حين كانت البلد مستقرة، صحيح أنها كانت مستقرة في القاع، لكنها كانت مستقرة على أي حال وهذا يكفي.

لن تجلس أمام فضائية دون أن تسمع كلمة الاستقرار والترغيب فيه عدة مرات ولن تقرأ صحيفة دون أن تكون الكلمة حاضرة على غالبية صفحاتها بدءًا من الصفحة الأولى وصولا إلى الرياضة والحوادث والفن، الأمر ليس مصادفة بالتأكيد، هناك حملة منهجية لجعل الاستقرار هو الهدف الأول والأوحد للمصريين متقدما على مطالبهم المتمثلة في العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية.

وعليه يصبح اعتصام العمال لرفع أجورهم المتدنية تهديدا للاستقرار، ويكون تنظيم وقفة للمطالبة بالإفراج عن شباب يعتقلهم النظام منذ شهور دون تهمة نشرًا للفوضى، وتصير الشكوى من اختلاط مياه الشرب بالمجاري أو انقطاع الكهرباء أو سوء حالة المستشفيات مؤامرة ينفذها الإخوان لتشويه النظام.

مضطرون دوما للدخول في معارك طويلة لنثبت أن الشمس تشرق من جهة الشرق، وأن المحيطات أكبر من البحار، وأن التحرك للخروج من بركة طين أفضل من الاستقرار فيها.

لا نكره الاستقرار ولا نبتغي الفوضى، لكن بينما نتطلع إلى الاستقرار القائم على الحق والعدل والرفاهية، يتطلعون هم إلى الاستقرار ولو كان قائما على الظلم والجوع والتخلف، وإذا كان استقرارهم مقترنًا بظلم الناس فسنحارب الاستقرار والظلم معا.

2-

تنقسم شبه الجزيرة الكورية إلى دولتين مستقرتين لا تعرفان الثورات الشعبية ولا الاضطرابات والقلاقل، لكن شتان بين الاستقرارين.

في كوريا الجنوبية لا احتجاجات كبيرة ولا ثورات ولا قلاقل، لأنه ببساطة لا مشاكل في السياسة ولا الاقتصاد، فاقتصاد البلاد يحتل المرتبة 14 عالميا من حيث الناتج المحلي الإجمالي، وهي واحدة من الدول الأسرع نموا، ففي 2010 كانت كوريا الجنوبية سادس أكبر مصدر وعاشر أكبر مستورد في العالم، ويبلغ متوسط نصيب الفرد من الدخل القومي فيها 20 ألف دولار سنويًا.

تحولت كوريا الجنوبية إلى دولة ليبرالية بامتياز وبدأت مسيرة التحول الديمقراطي فيها منذ عقود عقب التخلص من الديكتاتوريات العسكرية، فأصبحت لديها مؤسسات ديمقراطية مستقرة، وحكومات محلية تتمتع بحكم شبه ذاتي، والنظام السياسي السائد في كوريا الجنوبية هو النظام الجمهوري الديمقراطي، وينص الدستور الكوري بمادة واضحة على الفصل بين السلطات واستقلال السلطة التشريعية والقضائية، لكن هناك صفة مميزة تحملها كوريا الجنوبية في بنيتها السياسية، وهو أن العنصر الأساسي للنظام الرئاسي هو البرلمان.

ويقوم الدستور الجنوبي على احترام حريات المواطنين في سلامة الجسد والعمل والتنقل بل ورفاهيتهم، وفي الدستور باب كامل يتحدث عن رفاهية المواطنين بل يجعلها مسؤولية الدولة.

في كوريا الشمالية لا احتجاجات كبيرة ولا ثورات ولا قلاقل أيضا، الفارق أن ذلك لا يرجع إلى شعور الناس بالرفاهية أو ارتفاع مستوى الدخول أو انفتاح الحياة السياسية كما في الجنوب، لكن الأمر مرتبط بالأساس بحكم البلاد بقبضة حديدية لا تعرف الرحمة ولا التسامح مع المعارضين، حتى أن تقارير منظمة العفو الدولية تؤكد وجود نحو 200 ألف من السجناء السياسيين وعائلاتهم في معسكرات الاعتقال في ظروف قاسية لا يمكن تخيلها.

يحكم كوريا الشمالية نظام وحشي استمر لثلاثة أجيال، يفرض قيودا صارمة على حرية تكوين الجمعيات والتعبير والتنقل، ويتبني سياسة الاعتقال التعسفي والتعذيب والإعدام بالشبهة، حتى أن الرئيس الكوري الشمالي الحالي كيم جونج أون أعدم زوج عمته كيم كيونج بأن وضعه في قفص مع 120 كلبا تم تجويعهم لثلاثة أيام بعدما اتهمه بمحاولة الاستيلاء على الحكم، وحتى أن عقوبة الإعدام قد تطال أي كوري شمالي إذا استمع لراديو كوريا الجنوبية.

الثقافة والفن والموسيقى والنحت موجودة في كوريا الشمالية فقط لتأليه الحاكم ومديحه، لذلك فإن جزءا كبيرا من الشعب يعبد رئيسه بالمعنى الحرفي للكلمة خاصة الزعيم الأسبق كيم إيل سونغ وبدرجة أقل كيم جونغ إيل والد الرئيس الحالي كيم جونج أون، أما الجزء الآخر من الشعب فليس راضيا عما يحدث ويتمنى لو عاش في الجارة الجنوبية حيث الرفاهية والانفتاح لكن خوفه من مصير المعارضين السابقين يدفعه للصمت.

لا يملك المواطنون حرية التنقل حتى داخل بلدهم إلا بإذن الحكومة، كما لا يمكن لأي مواطن. وحينما يحل الليل تقطع الكهرباء عن جميع المدن إلا مباني الحكومة، وتقوم الدولة بقتل أي مولود يولد بعيب خلقي ولو كان بسيطا، ومتوسط دخل الفرد في كوريا الجنوبية أعلى 20 مرة من متوسط دخل نظيره في الشمال، والمعدل المتوسط للعمر في كوريا الجنوبية أعلى بـ22 سنة منه في كوريا الشمالية.

3-

حدود صغيرة تفصل بين الكوريتين على الخريطة، لكن سنوات ضوئية تفصل بينهما في كل شيء آخر.

قد يقوم الاستقرار على الاكتفاء والعدل والرفاهية وقد يقوم على الاستبداد والظلم والانسداد، لكن يبقى الاستقرار الأول حقيقيا وآدميا، ويبقى الثاني زائفا ومؤقتا وينتظر لحظة الانفجار.

فاختاروا من بين الأقواس.
التعليقات (5)
نواف متعب الحربي
الأحد، 06-03-2016 01:43 م
أكتب مايملى علي
عبدالعزيز
الإثنين، 02-03-2015 07:21 م
فشل
الحرية لمصر
الأربعاء، 10-09-2014 10:19 ص
الاستقرار مع العبيد
عبدالحميد عواجه
الخميس، 04-09-2014 01:35 م
شتان بين الكوريتين وشتان بين الاستقرارين شتان بين استقرار تحت حكم عسكرى متسلط لا يصلح الا لحكم الحيوانات واستقرار تحت رايه ديموقراطية تحترم الانسان والحيوان معا
أيمن فؤاد
الخميس، 04-09-2014 11:07 ص
إنه إستقرار .. الراقدون تحت التراب