قضايا وآراء

العمدة ومنطق الدَّوار

محمد جعفر
1300x600
1300x600
لعب دوار العمدة دورا مهما منذ العمل بنظام العمودية في العام 1805م في تسوية كثير من النزاعات القبلية والعائلية والشخصية بوصفه المكان الأساسي للتحكيم الاختياري بين أطراف النزاع في القرية المصرية الذي يعتمد في الأساس علي رشد العمدة وكبارته فهو في النهاية كبير القرية وصاحب الكلمة المسموعة لا سيما إذا ضم إلي مجلسه أهل الرأي العدل والإنصاف من أبناء القرية النابهين.

 مهما كانت المشكلة  كبيره ومعقده تحل طالما انتهت إلى الدوار الذي يجتمع فيه الأطراف في مجلس مهيب في حضور جمع من المحكمين العرفيين ويدلي كل طرف بما لديه ثم تختلي اللجنة للمداولة ثم يصدر حكمها في الواقعة محل النزاع فيسمع الجميع ويطيع بغض النظر عن بعض الضمانات العينية والملموسة التي تأخذها اللجنة علي المتنازعين ومن المدهش أن تري قري بكاملها لا تعرف باب القسم لان كل المشاكل تحل في الدوار. 

لكن يؤخذ علي الدوار أنه يتبني غالبا الحلول الوسط القائمة علي التراضي بدلا من تلك القائمة علي العدل ..لماذا؟؟ لأنه لا يوجد لديه وسائل إلزام كافية علي الأطراف ولو خلا الحل من التوافق والتراضي لرفضه الطرف الأقوى الأمر الذي لا تملك لجنة المحكمين حياله شيء فالأحكام الصادرة عن الدوار ليست ملزمه والدوار ليست لديه الوسائل الكافية لإخضاع الكافة سوي بعض الضمانات المعنوية القائمة علي استهجان المجتمع وتجريصة  للطرف الذي يأبي النزول علي حكم المحكمين طالما انه رضي بالتحكيم منذ البداية.

فلا تستطيع إذا جلسات التحكيم العرفي التي تكون عادة في دوار العمدة الحكم بعقوبات الموت أو الإيذاء الجسدي أو عقوبات سالبة للحرية (كالسجن)،  ولكنه يستطيع الحكم بإبعاد شخص ما عن مكان ما منعا للشر وإثارة الأوجاع واستذكارها كما يفضي الحكم غلبا إلي الجور علي كافة الأطراف تحقيقا للعدالة النسبية دون العدالة المطلقة.

وفي تقديري أن النائب المحترم محمد العمدة سلك منطق وطريقة وفلسفة الدوار في مبادرته التي أعلنها منذ أيام في وسائل الإعلام لا سيما انه عمده مارس هذا الدور الآف المرات في دواره بكوم امبو وهذا لا يقلل بالطبع من شأن حسن نية الرجل ولا من تاريخه النضالي المعروف للكافة في مواجهة ظلم السلطة وطغيانها إلا أن هذا هو ما تعوده الرجل.

وفكرة الحلول الوسط والتراضي قد تجدي نفعا إذا كانت المشكلة خاصة بالحقوق الشخصية أما إذا كانت الحقوق متعلقة بالأوطان والأرواح فالأمر يتعلق بالقواعد الآمرة لا المكملة وبالعدالة المطلقة التي ترجع الحقوق كاملة إلي أصحابها  لا النسبية التي تهدر الحقوق وتزهق علي أعوادها القيم وتصلب علي خشباتها المبادئ فالعمدة هنا استعار عرف محلي يصلح لتسوية النزاعات الشخصية لحل قضية لا يجوز معها إلا العدالة الكلية المطلقة .

المبادرة في خطوتها العريضة 

- محور المصالحة الوطنية والعـودة إلى المسار الديمقراطــي يري العمدة أن "المبادرة تقتضي التعامل مع فترة رئاسة السيسي كمرحلة انتقالية يتعاون فيها الجميع شعباً وأحزاباً وجيشاً وشرطة من خلال نوايا صادقة لرسم معالم الدولة التي ظهرت عيوبها ومشاكلها بعد سقوط مبارك" ويري أيضا أن هذا لا يعد اعترافا بالانقلاب بل بسلطة الأمر الواقع في مقابل رفع الحظر عن الإخوان المسلمين وسائر التيارات الإسلامية ووقف سير القضايا التي لفقت منذ30/6 وحتى الآن مع إطلاق كافة المعتقلين والمسجونين احتياطيا علي ذمة قضايا تتعلق بالأحداث التي تلت الانقلاب وإيجاد وسيلة لتعديل الدستور وإلغاء قانون التظاهر أو تعديله وكذلك تعديل قانون الانتخابات البرلمانية 

وأنا اسأل  ما هو  الفرق بين الاعتراف بسلطة الأمر الواقع وبين الاعتراف بالنظام؟؟

وهل يرك قائدة الانقلاب الحكم بعد الفترة الانتقالية ويسلموا أنفسهم للشعب كي يحاكمهم؟؟

وإذا رضوا بهكذا اتفاق فلماذا قتلوا هذا الشعب وحرقوا جثثه من الأساس؟؟

- أما فيما يتصل بحقوق الشهداء فقد جاءت صياغة العمدة إنشائية عشوائية لا تحمل أية بنود جادة لمحاسبة القتلة أو حتى آليات واضحة للحل هكذا  " ونقول أنه لابد من القصاص لجميع الشهداء الذين استشهدوا منذ 25 يناير وحتى الآن , ويتم ذلك من خلال تشكيل لجنة تقصى حقائق محايدة يرتضى بها ذويهم والأحزاب التى ينتمون إليها لتحدد المسئولين عن إراقة الدماء وتقديمهم للمحاكمة , فإذا لم تتم محاكمتهم فإن الشعب سوف يتمكن من تقديمهم للمحاكمة".

- المعروف أن الذي عقد الأمور وجعل الوصول إلي حل سياسي مع قادة الانقلاب شبه مستحيل هو الدماء التي سفكت والأجساد التي حرقت وفي تقديري أن أي مبادرة يحكم عليها بالنجاح أو الفشل بنجاحها أو فشلها في معالجة هذه القضية الحساسة وفي تقديري أيضا أن الحل الذي أوردته المبادرة  لم يرق إلي الحلول التي تطرح في المجالس العرفية فلو كان النائب محمد العمدة احد المحكمين في نزاع به دم وقال هذا الكلام لم يقبل منه ..لماذا؟؟  
لأنه حتى في المجالس العرفية لابد من تحديد القاتل والحكم عليه بالدية أو تقديم كفن أو احد التسويات القائمة علي رضي أولياء الدم أما أن ترد المبادرة علي هذا النحو الإنشائي فيما يخص الشهداء فهو أمر غير مقبول من كل منصف. 

باحث سياسي – مركز الديمقراطية ودعم حقوق الإنسان
التعليقات (1)
اسماعيل
الخميس، 04-09-2014 01:00 م
المبادرة اعتراف صريح بالا نقلاب واستجداء رضا الانقلابيين عن الاخوان والموافقة على ما يوافقون على اعطائه للاخوان والشهداء واسرهم من فتات ..المبادرة بهذا الشكل فى حال موافقة الاخوان عليها تلغى تاريخهم كله