ملفات وتقارير

حزُّ الرقاب سنة نبوية أم بدعة دموية؟

"تنظيم الدولة" اشتهر بمشاهد الذبح - أرشيفية
"تنظيم الدولة" اشتهر بمشاهد الذبح - أرشيفية

تكاثرت مقاطع الفيديو المنشورة على موقع اليوتيوب وغيره من مواقع التواصل الاجتماعي الأخرى، والتي يظهر فيها رجال ملثمون يقوم أحدهم بذبح شخص ما وحز رقبته بالسكين حتى يفارق الحياة، ثم وضع رأسه على جثته، كما ويظهر  في مقاطع أخرى رجال ملتحون يتباهون بأخذ صور لهم وهم يحملون رؤوسا مقطوعة.

يُعتقد على نطاق واسع أن تلك الأعمال (الذبح والنحر) الشائعة والمتداولة، ينفذها مقاتلون من تنظيم الدولة الإسلامية، ضمن خططهم الرامية إلى دبِّ الرعب في صفوف أعدائهم، عبر مشاهد نحر الأسرى وحز رقابهم، التي يتم توثيقها صوتا وصورة، ونشرها على مواقع التواصل الاجتماعي، ومواقع محسوبة على التنظيم، بحسب مراقبين وخبراء في شؤون التيارات الجهادية.
 
ويُشار في هذا السياق إلى أن الأردني أبا مصعب الزرقاوي (مؤسس التنظيم في بداياته) هو أول من قام بذبح أحد الرهائن الأمريكيين في العراق، ويدعى يوجيين أرمسترونغ، عام 2004، بحز رقبته بسكين، وقد قامت جماعة "التوحيد والجهاد" حينذاك بنشر الفيديو المصور لعملية الذبح على الانترنت.

في الوقت الذي يرى فيه تنظيم الدولة الإسلامية  مشروعية الذبح وحزَّ الرؤوس، واعتباره فعلا دينيا صحيحا، له أدلته وشواهده الشرعية بحسب فهمهم التأويلي لأدلة الشريعة، فإن كثيرا من العلماء والفقهاء والمكاتب الشرعية التابعة لفصائل جهادية مقاتلة في سوريا يرفضون تلك الممارسات، ويعتبرونها عملا مبتدعا لا أصل له في الشريعة، مع تركه انطباعات قبيحة وسيئة في نفوس المسلمين قبل الآخرين، بتصويرها الإسلام دينا دمويا يعظم مشاهد الذبح وحزّ الروؤس والتفاخر بقطعها.

وسط ذاك الجدل المحتدم بين تنظيم الدولة ورافضي تلك الأعمال والممارسات، ما هي الرؤية التي يصدر عنها التنظيم في ممارساته للذبح وحزّ الرؤوس، وتعمده لتصويرها ونشرها في الناس؟ وما هي الأدلة الشرعية التي يستند إليها في تسويغ أفعاله تلك، التي تُقدم باعتبارها إحياء لسنة مهجورة ألا وهي سنة نحر الكفار وفق كتابات منسوبة لأفراده وأنصاره؟ وفي المقابل لماذا يعارض كثير من العلماء وشرعيي الفصائل المقاتلة تلك الممارسات ويعتبرونها أفعالا دموية تشوه صورة الإسلام وتضر بسمعته؟ وكيف يناقشون رؤية التنظيم ويفندون أدلته وطريقة استدلاله؟

رؤية التنظيم وأدلته الشرعية

بسبب تعذر التواصل المباشر مع جهات موثوقة تتولى عرض رؤية تنظيم الدولة الإسلامية بأدلتها المسّوغة لأعمال الذبح وحزّ الرؤوس، فإن الرجوع إلى الكتابات (المؤصلة) لتلك الرؤية والمدافعة عنها والمهاجمة لمعارضيها يقوم مقام ذلك، وقد تيسر الوقوف على رسالتين تتبنيان رؤية التنظيم بعرضها للأدلة المسوغة لتلك الأفعال، وردها على (شبهات) الرافضين والمعارضين.

الرسالة الأولى بعنوان: "إسعاد الأخيار في إحياء سنة نحر الكفار" لكاتبها أبي البراء النجدي، والثانية: ما كتبه الشيخ حسين بن محمود (من أنصار تنظيم الدولة الإسلامية) عن موضوع قطع الرؤوس، الذي دافع فيه عن تلك الممارسات، ورد على الرافضين لها.
 
قدم أبو البراء النجدي في رسالته الرؤية التي يصدر عنها ممارسو أعمال الذبح والنحر، فبعد إيراده للآيات القرآنية المتحدثة عن إلقاء الرعب في قلوب الكفار، قال معقبا ومؤسسا للرؤية الكلية الحاكمة لتلك الممارسات والموجهة لأصحابها: "فالله جل وعلا أمرنا بإرعاب العدو بكل سبيل مشروع حتى يهابوا جانبنا، ولا يفكروا بقتل إخواننا أو اغتصاب أخواتنا، ونحر الكافر المحارب يرعب العدو أيما إرعاب، وقد يسبب في انسحابه وهزيمته".
 
وفي مقام الاستدلال على مشروعية تلك الأعمال، أورد أبو البراء النجدي عدة آيات قرآنية، ساقها تحت عنوان "الأدلة من القرآن على مشروعية نحر أهل الكفران"، تربع قوله تعالى:{فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ..}على رأس تلك الأدلة، فبعد نقله لكلام ابن كثير وأبي بكر الجزائري والكاساني في تفسير الآية قال: "وهذه الآية صريحة الدلالة في جواز نحر الكفار قبل أو بعد أسرهم وهذا ما فهمه العلماء من هذه الآية" ليتساءل بعدها قائلا: "فليت شعري بماذا يضرب عنق الكفار؟! هل بالسيف والسكين والرمح أم بالحرير والقماش"؟!

ثم أورد جملة نصوص من السنة استدل بها على "مشروعية نحر أعداء الملة"، مستدلا بما رواه ابن الأثير وابن اسحاق وغيرهم من أصحاب السير من قوله عليه الصلاة والسلام حينما آذاه نفر من قريش: "أتسمعون يا معشر قريش، والذي نفس محمد بيده جئتكم بالذبح".

واستدل على مشروعية ذلك براويات تدل على إقرار النبي عليه الصلاة والسلام لأعمال الذبح والنحر، كرواية الطبراني عن فيروز الديلمي قال "أتيت النبي صلى الله عليه وسلم برأس الأسود العنسي"، وما رواه البيهقي في سرية أبي حدرد أنه جاء النبي عليه السلام برأس رفاعة بن قيس يحمله معه، "ولم ينهه رسول الله عن ذلك"، واستدل بفعل عبد الله بن مسعود في قتل أبي جهل، وإحضار رأسه للنبي عليه الصلاة والسلام.

قطع رؤوس الكفار يرهب الأعداء ويرعبهم

أما الشيخ حسين بن محمود (المناصر لتنظيم الدولة الإسلامية) فقد أورد تلك الروايات الذاكرة لقطع الرؤوس ونقلها، ثم استدل بالآيات القرآنية المتحدثة عن "ضرب الرقاب"، ليخلص إلى القول: "أما قطع رؤوس الكفار من اليهود والنصارى والنصيرية والرافضة المرتدين الذين يفعلون بالمسلمين الأفاعيل، فهؤلاء يجب إرهابهم وزرع الرعب في قلوبهم، فتُقطع رؤوسهم ولا كرامة..".
وبحسب بن محمود فإن "قطع الرؤوس من سنة الصحابة رضي الله عنهم، وقد أمر الله تعالى في كتابه بضرب أعناق الكفار وحث المسلمين على ذلك، فقال سبحانه:{فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ..}ثم نقل عن القرطبي والبغوي والزمخشري تفسيراتهم للآية، والتي منها قول الزمخشري:"في هذه العبارة من الغلظة والشدة ما ليس في لفظ القتل، لما فيه من تصوير القتل بأشنع صورة وهو حز العنق وإطارة العضو الذي هو رأس البدن وعلوه وأوجّه أعضائه".

حز الرقاب عمل بدعي لا دليل عليه

على الجانب الآخر يرفض علماء وفقهاء وشرعيون كل الاستدلالات التي يوردها شرعيو تنظيم الدولة الإسلامية، ويرونها غير ناهضة للدلالة على القضية موضع النظر والبحث، فالدكتور جمال أبو حسان أستاذ التفسير وعلوم القرآن في جامعة العلوم الإسلامية الأردنية اعترض على الاستدلال بقوله تعالى (فضرب الرقاب) على مشروعية النحر وحز الرقاب، لأن الآية تتحدث عن ضرب الرقاب في أرض المعركة أولا، ولم تتحدث من قريب ولا بعيد عن النحر وحز الرقاب، ويلفت إلى ضرورة الانتباه إلى دقة الاستخدام القرآني لمفرداته، فالضرب يختلف اختلافا كليا عن النحر والحز، ومن العبث التسوية بين مفردة وأخرى.

وينبه الدكتور أبو حسان في حديثه لـ"عربي 21" إلى أن من الأخطاء المنهجية في تفسير القرآن التعلق بكلام أحد المفسرين لأنه يخدم رؤية معينة، مع عدم وجود دلالة واضحة وظاهرة في الآيات نفسها على المعنى المطلوب، فلفظ الذبح أو حز الرقاب في حق الآدميين لم يرد في القرآن مطلقا، والذي ورد هو "ضرب الرقاب" الذي يفيد القتل.

لكن ما هي الطريقة الشرعية في معاملة الأسرى الذين استحقوا القتل؟ يشرح عميد كلية الشريعة في جامعة جرش الأردنية الدكتور حسن شموط الأحكام المتعلقة بذلك بقوله: "شرع الإسلام أن يكون التعامل مع الأسرى بالعدل والإحسان، وبما يتناسب مع إنسانيتهم واحترام آدميتهم، من تقديم المأوى والطعام المناسب، والرفق بهم وعدم تعذيبهم وإيذائهم، قال تعالى: {ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتميا وأسيرا}.

يتابع الدكتور شموط: "فإن اختار الحاكم المسلم قتل الأسير لمصلحة تقتضيه فيجب عليه قتله بأيسر طريقة ممكنة، وأقلها تعذيبا وإيلاما، ثم ينقل عن السرخسي في "شرح السير الكبير" قوله: "وإن رأى الإمام قتل الأسارى فينبغي له أن لا يعذبهم بالعطش والجوع، ولكنه يقتلهم قتلا كريما". وجاء في الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح، وليحد أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته".

وبحسب الدكتور شموط فإن الرسول عليه الصلاة والسلام فرق بين القتل وبين الذبح، فجعل الذبح للدواب، والقتل للإنسان، وينقل عن ابن تيمية قوله: "ففي هذا الحديث أن الإحسان واجب على كل حال، حتى في حال إزهاق النفوس، ناطقها وبهيمتها، فعلمه أن يحسن القتلة للآدميين، والذبيحة للبهائم"، فالواجب على الحاكم أن يأمر بقتل الأسير المستحق للقتل بأي وسيلة فيها إحسان وينتفي فيها التعذيب والإيلام، ولا يجوز نحره بالسكين، لأن مثل هذا الفعل يتضمن إيذاء وتعذيبا له.

وفي جوابه عن سؤال "عربي 21" بخصوص ثبوت الروايات التي يستدل بها القائلون بمشروعية الذبح وحز الرقاب، قال الدكتور شموط: "لم يثبت لدينا دليل صحيح صريح على جواز نحر الكافر، بل غاية ما يستدل به من أقوال على جواز نقل رأس الكافر، إنما يقصد به بعد قتله لا قبله (فقد تنقل الرؤوس بعد قطعها في أرض المعركة)، بل نص الفقهاء أن قطع الرأس بعد الموت يعتبر تمثيلا بالجثة، والتمثيل بالجثث منهي عنه.

سيد المرسلين أرسل بالرحمة وليس بالذبح

 كيف ينظر العلماء الشرعيون إلى الرؤية التي ينطلق منها تنظيم الدولة الإسلامية المعظمة والمقدمة لشعار (جئتكم بالذبح)؟ انطلق الدكتور عامر الحافي أستاذ أصول الدين في جامعة آل البيت الأردنية في جوابه بتأكيده على أن القرآن الكريم جعل عنوان بعثة الرسول عليه الصلاة والسلام قوله تعالى: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}، فلم يرسله ذباحا ولا قتّالا، وإنما كان عليه الصلاة والسلام يسعى بكل ما أتاه الله من طاقة وجهد لهداية الخلق ودلالتهم على الحق.

واعترض الدكتور الحافي على الاستدلال بالحديث "جئتكم بالذبح" فهو بالإضافة لما فيه من إشكالات إسنادية، فإن فيه إشكالات عويصة في عدم توافقه مع سيرة النبي عليه الصلاة والسلام، بما يمكن أن يقال معها قد وقع الخلف بين أقواله وأفعاله، فالرسول عليه الصلاة والسلام لو كان يشتهي قتل الكفار وقطف رؤوسهم، لفعل ذلك حينما جاءه ملك الجبال حين آذاه أهل الطائف، الذي عرض عليه أن يطبق عليهم الأخشبين، لكنه برحمته بالخلق المتأصلة في نفسه تمنى غير ذلك، ورجا مولاه أن يخرج من أصلابهم من يوحد الله ويعبده.

ويورد الدكتور الحافي واقعة أخرى تجعل المرء يتشكك في أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال ذلك القول على الوجه الذي يجعله شعارا وعنوانا عاما لرسالته (فقد يكون إن سلم من الإشكالات الحديثية خاص بنفر من قريش)، سلوكه عليه الصلاة والسلام يوم فتح مكة، حينما أظهر تسامحه ورحمته بمشركي قريش وعفا عنهم، ولو كان متعطشا للدماء والذبح وحز الرؤوس لفعل ذلك، لكنه برحمته وعفوه عنهم وهم على شركهم، رغبهم في اعتناق الإسلام ليدخلوا فيه عن قناعة ورضا.

ورفض الدكتور الحافي في إجابته عن أسئلة "عربي 21" المنطق الثاوي في رؤية تنظيم الدولة الإسلامية بأن نحر الكفار وحز رقابهم يحقق مصلحة إلقاء الرعب في قلوبهم، لأن هذا الفعل لم يقدم عليه المسلمون طوال مراحل تاريخهم، وعبر الفتوحات الإسلامية ووقائع الغزو المتكاثرة لم يثبت أن المسلمين لجأوا إلى تلك الأفعال تحت عنوان "إلقاء الرعب في قلوب الكفار"، متسائلا: فهل متأخرو المسلمين أهدى سبيلا من أسلافهم المتقدمين؟

وفي السياق ذاته أكد الدكتور حسن شموط أن الإسلام حث على إحداث الرعب في صفوف الكفار، لكن في الوقت نفسه أوجب أن يكون ذلك بالطرق الشرعية، فقد نهى الإسلام عن قتل النساء والصبيان وتحريق الأشجار، وهدم الصوامع، ومعلوم أن مثل هذه الأمور تحدث الرعب في قلوب المشركين، لكن نهى عنها الإسلام، كما أننا لو نظرنا إلى المصالح والمفاسد، لوجدنا أن في حز الرؤوس مفاسد كثيرة، من التنفير من الدين والصد عنه، وتكثير الأعداء وتأليبهم على المسلمين بحسب الدكتور شموط.  
 
التعليقات (1)
مولود
السبت، 10-08-2019 05:20 ص
نرفض. تماتا أعمال. داعش