ملفات وتقارير

إيكونومست: لماذا ينضم غربيون لتنظيم الدولة بسوريا؟

يحاول الغرب صنع تحالف لمواجهة داعش - أرشيفية
يحاول الغرب صنع تحالف لمواجهة داعش - أرشيفية
لماذا يسافر الأوروبيون إلى سوريا وينضمون للدولة الإسلامية في العراق والشام؟ سؤال طرحته مجلة " إيكونومست" في عددها الأخير.

 وقالت إن آثار تدفق المقاتلين الأجانب على سوريا واضحة على الدولة الإسلامية في العراق والشام؛ التنظيم الذي يسيطر على مناطق واسعة في البلدين ويحكم مناطق يسكن فيها 6 مليون نسمة.
ويقوم مقاتلون بوضع صورهم على الفيديو ويوثقون لبطولاتهم وهم يحاولون جذب زملائهم الأجانب "ويعدون من يترك العيش في الغرب الفاسد أخلاقيا بالشهادة ونيل الجنة". و"يقومون بإرسال صور "سيلفي" عبر التويتر وهم يحملون رؤوس أعدائهم بعد تناولهم المشروبات الغازية التي تعطي الحيوية والنشاط مثل ريد بول، المتوفرة فقط للمقاتلين. 

عاصمة الخلافة

ويقول التقرير إن داعش عزز من سيطرته على مدينة الرقة- شرق سوريا- والتي انتزعها من المقاتلين الذين سيطروا عليها من قبل. 

"وأصبحت الرقة مركزا للجهاديين في العراق وسوريا، وأحضر مقاتلون من دول تمتد من أفغانستان للسويد زوجاتهم وأولادهم للمدينة وسكنوا في بيوت من هرب من أهلها".

ويقول "مالك" إن مقاتلا أوروبيا سُئل ماذا يفتقد وهو بعيد عن البلد، فأجاب "هنا عليك أن تحصل عليه من البقرة نفسها" أصعب من شرائه من تيسكو – محل تجاري-" ويقصد بهذا الحليب".

ولكن المواد الغذائية السريعة متوفرة بشكل كبير، حسب تغريدة كتبها مقاتل سويدي "وهناك وقت للراحة، أحيانا لأيام، مستخدما تلفونا ذكيا "كيك" عندما يعود لحياته الطبيعية، يغسل ملابسه، وينظف البيت، ويمارس تمارين رياضية ويتسوق".

وتضيف المجلة "بسبب الإنترنت والاتصالات لا يزال تدفق البضائع للبلد سهلا مع مستوى مقبول من التطور مقارنة مع مناطق أخرى في الشرق الأوسط، فلا تقارن مصاعب الحياة في سوريا بأفغانستان الجبلية، وفي العام الماضي ومن أجل جذب الآخرين للمجيء لسوريا قام المقاتلون بإرسال تغريدات مع هاشتاغ "جهاد خمسة نجوم". 

ورغم ذلك فلم يخش الجهاديون الغربيون من المشاركة في القتال وانضموا لعمليات ذبح من يرونهم كفارا بمن فيهم سنّة اعتبرهم المقاتلون متهاونين في الدين مثل الشيعة (مرتدون). ويساعد المقاتلون الأجانب في المعارك للسيطرة على السدود والقواعد العسكرية وحقول النفط، ويتطوع آخرون للقيام بعمليات انتحارية مثل تفجير السجن المركزي وهي العملية التي قام بها عبد الوحيد مجيد في شباط/ فبراير الماضي.

دور إعلامي

ولكن الأجانب يخدمون التنظيم بطرق أخرى، فهم يحرسون ويتواصلون مع الرهائن الأجانب. ويقول من تم الإفراج عنهم إن حراسا يتحدثون بالإنجليزية قاموا بحراستهم. ويمكن للجهاديين الأجانب إرسال رسائل بالبريد الإلكتروني لعائلات الرهائن بنفس اللغات التي يتحدثون فيها.

وتقول المجلة إن المقاتلين الأجانب يرحبون بل وينتهزون الفرصة للمشاركة في بناء الدولة الإسلامية الجديدة. وتقول "مجموعة صوفان" للاستخبارات والتي تتخذ من نيويورك مقرا لها أن عدد المقاتلين الأجانب في سوريا وصل بنهاية أيار/مايو إلى 12 ألف مقاتل من 81 دولة ومن بين هؤلاء 3 آلاف من الدول الغربية. وبعد ثلاثة أشهر زاد العدد خاصة بعد إعلان داعش في حزيران/ يونيو عن "الخلافة".

 ويقول الخبراء إن سوريا جذبت إليها أعدادا أكثر من أي نزاع منذ الجهاد الأفغاني ومرورا بالغزو الأمريكي للعراق عام 2003.

وتشير المجلة للدور الذي يلعبه الجهاديون القادمون من بريطانيا حيث سلط الضوء عليهم بعد ظهور ملثم إلى جانب الصحافي الأمريكي جيمس فولي ويتحدث بلهجة أهل لندن. وتذكر المجلة بلندن التي كانت في التسعينات من القرن الماضي ملجأ للإسلاميين الهاربين من دولهم. و"لا تزال لندن مركز جذب للجهاديين من كل أنحاء أوروبا" كما يقول توماس هيغهامر من مؤسسة أبحاث الدفاع النرويجية، مضيفا أن "مجتمع المتشددين في بريطانيا لا يزال يستكشف الأفكار والوسائل".

دور بريطاني

وفي الوقت الذي يشكل فيه المقاتلون العرب في سوريا غالبية المقاتلين، يعتبر المقاتلون القادمون من بريطانيا غالبية الأوروبيين. لكن المقاتلين من بلجيكا والدانمارك تظل نسبتهم أعلى مقارنة بحجم السكان في بلادهم. كما أن فرنسا التي أقرت قيودا وتشريعات على المتطرفين سافر عدد من أبنائها للجهاد في سوريا.

وترى المجلة أن احد أسباب بروز البريطانيين هو سهولة التواصل باللغة الإنكليزية خاصة في الدول التي تحاول الدولة الإسلامية التأثير عليها. فقد اختار التنظيم لشريط قتل فولي عنوان "رسالة إلى أمريكا" وأصدرت الدولة عددين من مجلتها الأنيقة "دابق" والناطقة بالإنكليزية، واسم المجلة على منطقة في سوريا.

مقاتلات

وتشير المجلة للرجال الذين يقاتلون في سوريا حيث قالت إن معظمهم ممن هم تحت سن الـ 40.

 وتلاحظ أن مشاركة النساء في سوريا هي الأكبر مقارنة مع حروب أخرى، وتبلغ نسبة الفتيات المسافرات الغربيات 10-15% وذلك حسب تقديرات بيتر نيومان، من المركز الدولي لدراسات التطرف والتشدد في كلية كينغز- لندن. ويقدر عدد من سافرن بحوالي 30، بعضهن للزواج وأخريات للمشاركة في الفرق العسكرية المكونة من النساء ويقاتلن تحت راية داعش ممن يستخدمن في فرق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ويراقبن النساء وطريقة لبسهن وتصرفاتهن في الساحات العامة.

داعش ليس التنظيم الوحيد الذي يتدفق إليه الجهاديون الغربيون، ولكنه الأكثر جذبا نظرا للدعاية والأيديولوجية التي تريد نشر الخلافة في كل أنحاء العالم وتريد تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية وبسبب نجاحاته العسكرية.

وفي سلسلة مكونة من 6 حلقات قامت قناة "فايس" وهي شبكة تلفزيونية على الإنترنت حيث استضافتها الدولة الإسلامية، ظهرت شرطة داعش وهي تقوم بتعليم السوريين، وتدير المحاكم الشرعية وتثقيف الأطفال وترفيهم.

 الدوافع

وعن دوافع الذين يذهبون للقتال في سوريا فهي متنوعة تنوع جوازات سفرهم. ففي الأيام الأولى للحرب في سوريا ذهب الأجانب لمساعدة إخوانهم أو للقتال إلى جانبهم، استجابة لموقف الدول الحكومات الغربية التي قالت إنه يجب وقف نظام الأسد وحكومته. أطباء مثل عباس خان، الطبيب البريطاني الذي سافر للمناطق التابعة للمقاتلين في حلب حيث اعتقل ومات في زنازين النظام.

ونظرا لتحول الحرب الأهلية، ودمويتها واتخاذها بعدا طائفيا، وزاد عدد القتلى من المدنيين حيث وصل إلى 190 ألف سوري. وهو ما فتح المجال أمام العناصر المتطرفة للدخول في الثورة السورية. فلم يعد القتال من أجل تحرير سوريا أو بلاد الشام من النظام السوري، بل لم يعد أحد يستمع لمن رفض تحويل بلاده لساحة قتال دولية بناء على رؤية ان سوريا-بلاد الشام- لا تخص أهلها فقط فبحسب شيراز مهر من المركز الدولي لمكافحة التشدد "ليس من حقهم" الرفض فالإسلام وحده هو من يطبق الشريعة حسب مقاتل أوروبي والذي قال إنه ترك بلاده لشعوره أنها ليست إسلامية بما فيه الكفاية. ويقول إنه جاء "لتعليم السوريين لا قطع رؤوسهم".

وتشير المجلة إلى أن داعش هي الرد الأكثر تطرفا على ما جرى للعالم الإسلامي في القرون الماضية مع صعود القوى الغربية الذي قاد لإلغاء الخلافة الإسلامية. لا أحد يجادل من المسلمين ان ما تقوم به من أفعال هي جرائم، ولكن التنظيم يحاول تقديم رؤيته من خلال النصوص الدينية مثل فرض الجزية على غير المسلمين.

 الملل

وفي محاولة للبحث عن الدوافع التي تجذب الشباب لداعش، تقول المجلة إن الفقر ليس سببا كاف لتفسير الظاهرة، فناصر المثنى (أبو المثنى) 20 عاما، من ويلز هو من عائلة متوسطة، وحصل على قبول لدراسة الطب من أربع جامعات. كما لا يمكن ربط الظاهرة بفشل الاندماج في المجتمع، فصور محمد حميد الرحمن، وهو بريطاني آخر قتل قبل فترة تظهر شابا يتابع الموضة في حياته وقص شعره بطريقة "شيك" وكان يعمل في فرع محل الألبسة المعروف "بريماك" في المدينة الساحلية "بورتسموث" ويدير والده مطعما للمأكولات الهندية. وكذا لا يمكن ربط الظاهرة بالتدين، فقبل سفرهما إلى سوريا طلب كل من يوسف سراوار ومحمد أحمد كتب لتعليم الإسلام للمبتدئين من مكتبة أمازون الإلكترونية. ويقول مهر إن معلومات بعض المقاتلين الغربيين عن الإسلام ضعيفة. 

وعليه فالتفسير الأقرب لدوافع الشبان هو أنهم يحاولون البحث عن مهرب من جو البيت وتأكيد هويتهم. ويرى رفائيل بانتوشي من المعهد الملكي للدراسات المتحدة في لندن إن بعضهم دفع للسفر "لعدم وجود شيء مهم في حياتهم. وتقترح صور المقاتلين وهم يلعبون سنوكر ويتناولون الحلوى ويرشقون الماء على بعضهم تقترح أن الجهاد على خلاف رحلات الطلاب ليس بدون مرح. 

فالبنسبة للشبان الذين يعملون في وظائف بلا مستقبل في مدن مملة، ففكرة الإخوة والمجد والبندقية مثيرة. ويلحظ أن معظم الجهاديين القادمين من بلجيكا جاءوا من أكثر المدن رتابة والتي تركز فيها المتشددون لتجنيد الشبان.

تجنيد سهل

لم يعد الجهاديون العاملون في شبكات التجنيد بحاجة للبحث عن مركز مثل مسجد، كما فعل أبو حمزة المصري في مسجد فينزبري بارك، شمال لندن. وهذا لا يمنع من اتخاذ بعض المتشددين الحذر حيث يلتقون في جماعات صغيرة ويعرفون من يلتقون حيث يعقدون اجتماعاتهم في مرآب سيارة أو شقق حيث من الصعب اكتشاف نشاطاتهم. ويمكن للجهادي الأوروبي العثور على كل ما يريده من خلال الإنترنت، فيسبوك والتويتر وهم ليسوا بحاجة للدخول في غرف حوار تحتاج لمعلومات شخصية.

 ويسهل على الجهادي الوصول إلى سوريا عبر تركيا رغم قيام الدولة التركية بتشديد الرقابة على الحدود في الآونة الأخيرة، بعضهم يقرر السفر بدون معارف. وكل ما يحتاجه هو تذكرة لمطار إسطنبول ومنه يسافر في رحلة داخلية لواحدة من المدن الحدودية مع سوريا حيث يبلغ طول الحدود 822 كم.

 ورحلات كهذه تعرف حسب البعض "بجهاد إكسبرس". حال وصول المتطوعين يذهبوا لبيوت آمنة في انتظار تهريبهم إلى داخل سوريا. وقد ينجح البعض منهم بالمرور عبر نقاط العبور التركية مستخدما أوراق سفر سورية مزورة. 

ومعظم هؤلاء القادمين خاصة من بريطانيا لا خبرة له قتالية ولم يحمل سلاحا في حياته، وعندما يدخلون سوريا يتلقون تدريبات في معسكرات للمقاتلين. وبحسب الكثيرين منهم فهم يشعرون بالراحة كونهم في بلد مسلم وإن لم يكن مسلما بما فيه الكفاية. ويؤكد معظمهم أنهم لا يخططون لنقل تجربتهم لمكان آخر. يقول جهادي أوروبي "أشعر بالسعادة هنا وراحة البال".

خيبة أمل

لكن هناك من ذهب لقتال الأسد واكتشف أنه أخطأ في قراره كما يقول نيومان، ويشعرون بالقلق مما يرونه اقتتالا بين الفصائل وقتل المسلمين "ليس من أجل هذا جئنا". ومن هنا فالعودة للبلد ليست سهلة، خاصة أن السلطات الغربية تعرف من سافر ويمكنها التعرف عليهم عندما يعودون. فقد أخبر أحد المقاتلين نيومان إنه لن يمانع من الدخول في برنامج مكافحة التشدد ومراقبة السلطات الأمنية لو كان باستطاعته العودة للبلاد ويتجنب إقامة طويلة في السجن. هذا على اعتبار ما اقترحه في 24 آب/أغسطس عمدة لندن، بوريس جونسون من أن سافر لمناطق الحرب بدون إخبار السلطات فسيواجه تهمة الإرهاب.

العودة

وتظل عودة المقاتلين هي أخشى ما تخشاه الحكومات الغربية. وفي الوقت الحالي ركز معظم من ذهب منهم وقتل مثل الأمريكي دوغلاس ماكين على القتال في الساحة السورية أو العراقية وليس بلده الأصلي. وهذا لا يمنع قيام أفراد عادوا للتصرف بطريقة فردية مثلما فعل قتلة الجندي البريطاني لي ريغبي العام الماضي في لندن. والفرنسي- الجزائري مهدي نموش الذي اعتقل بشبهة قيامه بالهجوم على متحف يهودي في بروكسل بداية العام الحالي. ولا يمكن للسلطات الأمنية التوصل لعمليات كهذه بسهولة أو حتى وقفها.

كيف ترد

 حتى هذا الوقت تراوح رد الحكومات الغربية على مشاركة مواطنيها في سوريا. فقد قامت الولايات المتحدة بملاحقة اي شخص يشبته بسفره للقتال. ويمكن للولايات المتحدة عمل هذا كما يقول هيغهامر لأن المسلمين في أمريكا عددهم قليل مقارنة بعددهم في أوروبا. ولهذا تميز موقف الحكومات الأوروبية بالحذر، مما مكن بعض مواطنيها للسفر بسهولة. ففي حالة فرضها عقوبات قاسية فإنها قد تمنع البعض، وفي حالة لاحقت وحاكمت البعض وسجنتهم فقد تؤدي لزيادة عددهم، خاصة أن السجون أصبحت مركز لتجنيد المسلمين.

ومن ناحية أخرى أثبتت برامج مكافحة التشدد التي تديرها السعودية والسويد أنها ليست ناجعة بشكل كامل وأنتجت ثمارا مزيجة. وفي بريطانيا نجحت الدولة لحد ما في برنامجها لمكافحة الإرهاب وحرف الشباب عن التطرف، من خلال برامج تشارك فيه الشرطة والخدمات الاجتماعية والسلطات المحلية والتي استفادت من الوسائل التي أبعدت الشباب عن الانضمام للعصابات.

ويرى نيومان ان الحكومة يجب ان تمنح كل اعترف بخطأ مخرجا خاصة أن ليس كل من سيعود يداه ملوثة بالدماء. ويمكن من خلال المدخل اللين استخدام الشباب العائدين الذين اكتشفوا عبثية ما فعلوا لتثبيط عزيمة الشبان الذين يفكرون بالسفر. وبالمجمل فلا أحد يعرف إن كان الجهاديون من الغرب ممن يقاتلون في صفوف الدولة الإسلامية سيصبحون قتلة الغد في شوارع لندن وباريس ونيويورك.
التعليقات (0)