كتاب عربي 21

ثمرة الوعي والجهود المتواصلة

إسماعيل ياشا
1300x600
1300x600
لم يبق لإجراء الجولة الأولى للانتخابات الرئاسية في تركيا إلا أربعة أيام، واستطلاعات الرأي المختلفة كلها تشير إلى أن رئيس الوزراء ومرشح حزب العدالة والتنمية رجب طيب أردوغان سيعلن فوزه صباح الحادي عشر من الشهر الجاري أمام منافسيه مرشح حزبي الشعب الجمهوري أكمل الدين إحسان أوغلو ومرشح حزب السلام والديمقراطي صلاح الدين دميرتاش.

الناخبون سيدلون يوم الأحد القادم بأصواتهم لانتخاب رئيس الجمهورية التركي الجديد، وستنتهي عميلة التصويت مساء ذلك اليوم نفسه، ولكن النتائج التي ستظهر بعد فرز الأصوات ستكون ثمرة جهود متواصلة وواعية بدأت قبل سنوات لتشق طريق أعلى منصب في البلاد أمام رجل قيل له آنذاك: "انتهت حياتك السياسية ولن تكون بعد الآن حتى عمدة حي"!.

التجربة الديمقراطية في تركيا مرت منذ الانتقال إلى التعددية الحزبية في عام 1945 بمراحل وأزمات عديدة وشهدت انقلابات وتدخلات عسكرية متنوعة أسهمت في نضجها وارتفاع مستوى الوعي لدى الناخبين. وهذا الوعي الذي تشكل بتجارب مُرة لعب دورا محوريا في النجاح الذي حققه حزب العدالة والتنمية بقيادة أردوغان خلال أكثر من عشر سنوات، وكذلك سهَّل للحكومة تجاوزَ العقبات التي وضعت أمام تعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان. وكان الوعي نفسه كفيلا بالحيلولة دون وقوع الشعب التركي في الكمائن التي نصبت لإسقاط الحكومة وفرض الوصاية على الإرادة الشعبية.

الأزمة السياسية التي اندلعت مع تدخل الجيش السافر في الشؤون السياسية والإطاحة بحكومة أربكان الائتلافية بعد اجتماع مجلس الأمن القومي في 28 شباط / فبراير 1997، وكذلك الأزمة الاقتصادية التي تفجرت بعد مشادة حادة وقعت بين رئيس الجمهورية أحمد نجدت سيزر ورئيس الوزراء بولنت أجاويد في اجتماع مجلس الأمن القومي في 19 يناير / كانون الثاني 2001، دفعت شريحة عريضة من المجتمع التركي إلى التفكير في ضرورة الإصلاح السياسي الجذري والحد من تدخل الجيش في الشؤون السياسية. ومع انشقاق أردوغان ورفاقه من تيار أربكان، بعد الشعور بضرورة التجديد واستحالة ذلك في صفوف تيار أربكان، ليؤسسوا حزب العدالة والتنمية في 14 أغسطس / آب 2001، ووقوف تلك الشريحة إلى جانب هذا الحزب الجديد فُتِحت صفحة بيضاء في الديمقراطية التركية وبدأت مرحلة جديدة في الصراع مع الانقلابيين. وفي هذه المرحلة الجديدة، أسهمت أطراف عديدة في إنجاح الجهود المبذولة لتعزيز الديمقراطية والحد من تدخل الجيش وارتفاع مستوى الوعي لدى الشعب التركي، وإن تخلت بعض تلك الأطراف عن هذا الدور وأرادت أن تفرض وصايتها على إرادة الشعب، مثل بعض الليبراليين وجماعة كولن، إلا أن دورها السابق في تشكيل الوعي الديمقراطي الرافض لكل أشكال الوصاية لا يمكن إنكاره.

وبفضل هذا الوعي، بعد توفيق الله سبحانه وتعالى، تجاوزت حكومة أردوغان أزمات عديدة وأحبطت مؤامرات حيكت لإسقاطها، مثل أحداث ميدان "تقسيم" الأخيرة ومحاولة الانقلاب على الحكومة من خلال افتعال قضايا الفساد، ولم يقع الشعب التركي في فخ الدعاية السوداء المكثفة التي اعتبرها نوعا من أنواع الاستخفاف بالعقول، بل ولقَّن هؤلاء الذين يحاولون أن يضحكوا عليه، درسا قاسيا لا ينسى، عبر صناديق الاقتراع.

استطلاع الرأي الأخير الذي أجرته شركة "آنار" للدراسات يشير إلى فوز أردوغان في الانتخابات الرئاسية بالحصول على 55.7 بالمائة من أصوات الناخبين، ويعطي المرشح الثاني أكمل الدين إحسان أوغلو 36.4 بالمائة والمرشح الثالث صلاح الدين دميرتاش 7.9 بالمائة. وكانت نتائج استطلاعات الرأي السابقة تظهر أن إحسان أوغلو سوف يحصل في الانتخابات الرئاسية على أكثر من 38 بالمائة. وهذا يعني أن هناك تراجعا في شعبيته، وقد يستمر هذا التراجع حتى يوم الأحد بسبب حالة اليأس والإحباط التي يشعر بها كثير من مؤيدي حزبي الشعب الجمهوري والحركة القومية. 

وفي المقابل، تؤكد استطلاعات الرأي أن أردوغان سوف يحصل في هذه الانتخابات على نسبة من أصوات مؤيدي الأحزاب الأخرى. وهناك تمرد واضح في صفوف أعضاء بعض الأحزاب والجماعات التي أعلنت دعمها لمرشح المعارضة أكمل الدين إحسان أوغلو، مثل حزب الاتحاد الكبير وجماعة "يني آسيا" التي تصنف ضمن الجماعات المنتسبة لرسائل النور. ومما لا شك فيه أن كل هذه النتائج والمواقف وظاهرة التمرد على قرار القيادة لم تأت من فراغ، بل هي ثمرة للجهود المتواصلة التي بذلها أردوغان وفريقه بالإضافة إلى ذلك الوعي الديمقراطي العالي الذي اكتسبه الشعب التركي.
التعليقات (0)