صحافة دولية

صحافي بريطاني: إسرائيل تخسر الحرب الإعلامية في غزة

 الوسائل الإعلامية الجديدة غيّرت طريقة نقل الأخبار كما في مذبحة الشجاعية - الأناضول
الوسائل الإعلامية الجديدة غيّرت طريقة نقل الأخبار كما في مذبحة الشجاعية - الأناضول
نشر موقع القناة الرابعة الإخباري البريطانية في قسم المدونات، مقالا للصحفي بول ماسون حول الدور الذي تلعبه مواقع التواصل الإجتماعي في حرب غزة، وكيف غيرت هذه الوسيلة الإعلامية الجديدة الطريقة التي يتم فيها تناقل ونشر الأخبار ويضرب على ذلك مثالا مذبحة الشجاعية.
 
فيقول: "أول ما سمعت عن مقتل العشرات من المدنيين في الشجاعية صباح الأحد، كان عن طريق تويتر، حيث قرأت تغريدة لناشط يقول إن الجثث تملأ الشوراع، وبعدها تغريدة للصحفي الفلسطيني محمد عمر يقول إن إسرائيل لا تسمح لطواقم الإسعاف بالوصول إلى الجرحى، وأن عشرات الجثث ملقاة بالشوارع، ثم بدأت التغريدات من الصحفيين الغربيين المرافقين لطواقم الإسعاف تنقل نفس الصورة".

ويشير إلى أن ردة فعل جيش الاحتلال الإسرائيلي على الأخبار التي تفيد بسقوط أعداد كبيرة من المدنيين كان من خلال ثلاثة تغريدات تقول إن لحماس منصات صواريخ وغرف قيادة في الشجاعية وأنهم حذروا المدنيين منذ أيام بمغادرة المنطقة، وأن "حماس" أطلقت 140 صاروخا منذ 8 تموز/ يوليو.
ويعلق قائلا إنه "لم يكن هناك شيء في التغريدات الثلاث يبرر قتل عشرات المدنيين وإن أي شخص يتابع ما يحصل في غزة سيكون قد رأى خلال ذلك الوقت عشرات الصور التي التقطها أشخاص مستقلون تبين مقتل المدنيين وتدمير البيوت والبنية التحتية المدنية". 

ويضيف أن "حادث الشجاعية يعكس هوية من يكسب حرب الإعلام الاجتماعي في غزة، كما أنه يعكس تغيرا ضخما في التوازن بين الإعلام الإجتماعي، وقنوات الإعلام الهرمي التقليدي، الذي كنا نعتمد عليه في فهم الحروب". 

ويقول إن الإعلام الإجتماعي يمتلك قوة في مجالات ثلاثة "الأول هو أن ينقل للناس الحقيقة أو رواية منها في استقلال عما تعرضه قنوات التلفزة. والثاني وهو بنفس الأهمية، هو تمكن الصحفيين الميدانيين من بث أخبارهم مباشرة ودون المرور على التحرير، والثالث هو إمكانية هذا الإعلام من الوصول إلى الوعي الإنساني بقوة أكبر من الإعلام التقليدي".  

ويتابع بأن الخاصية الأولى "لو كانت في مجتمع فيه تغطية إعلامية متوازنة وغير منحازة فلن تكون أمرا عظيما، ولكن أمريكا مثلا ليست واحدة من هذه البلدان، فالإعلام فيها منحاز بشكل كبير للرواية الإسرائيلية، وبحسب تغريدة لزميلي مات فري فإن الـ"سي إن إن" في مقابلاتها لنتنياهو لم تفتح عليه نار الأسئلة، ولكنها أعطته "حماما دافئا وتدليكا للظهر"، وغيره استخدم صورا مجازية أقل تحفظا لوصف المقابلة". 

ويضيف أنه الآن ولأول مرة في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي يستطيع الشعب الأمريكي أن يعتمد على مصادر أخرى من الواقع، وكما تشير كل الدراسات فإن جيل الشباب يعتبر تويتر مصدرا للأخبار ومن خلال شبكة التواصل الإجتماعي يستطيع الشخص الحصول على معلومات وصور ذات تأثير أكبر من أي تلفزيون، وكانت هذه الصور عندما أفاق الأمريكان صباح الأحد هي صور الأطفال الفلسطينيين القتلى. حتى أن نتنياهو اشتكى من أن حماس تستغل هذه الصور لتشويه صورة إسرائيل، ثم نشرت إسرائيل في صفحة نتنياهو على تويتر رسما يظهر ما تدعي إسرائيل شبكة أنفاق تحت الشجاعية. 

ويعلق الكاتب على نشر تلك الرسومات قائلا: "إنه بالنسبة لجيل فطم على الصور الآنية الحقيقية فإن رسوما تعكس ما تتصور أنه الحقيقة لن تمر عليه بسهولة، ولا تبدو سوى دعاية  مهما امتلكت من أدلة".

ويقول إن منظمة العفو الدولية قالت إن "الصواريخ العشوائية" التي تطلقها "حماس" تشكل جريمة حرب، ولكن مع حلول ظهر الأحد كان أي متابع لأحداث غزة على التويتر قد جمع ما يكفي من الأدلة ليوجه نفس السؤال بخصوص الشجاعية.  

وهذا يعكس مدى القوة التي وضعها الإعلام الإجتماعي في يد الناس وأخذها من يد الحكومات.

أما الخاصية الثانية، فيقول إنه خلال الحرب على غزة عام 2009 كان هناك عدد أقل من القنوات الرئيسية وكثير من تلك القنوات لم تستخدم "تويتر"، ولكن الآن فإن على معظم المراسلين التغريد كجزء من وظيفتهم، ولكن التغريد والطريقة التقليدية في نشر الخبر مختلفان تماما.

فالتقارير الإخبارية تمر في عملية تحرير ويحذف منها ما لا يتماشى مع السياسة التحريرية، كما أنه يتم مقارنة الحقائق مع الحقائق والإدعاءات الأخرى، كما أن المنتج والمراسل وفريق التصوير والمترجم يقومون بعملية الفلترة الأولى، فمثلا للصحيفة الواحدة سيكون هناك عدة مراسلين يغردون كل على حدة بدلا من أن تخرجها ماكنة التحرير شيئا واحدا.

ويشير إلى أن النقطة المهمة هنا هي أن التحرير في الإعلام الإجتماعي يتم بآلية أخرى، حيث تتم مقارنة الحقائق عن طريق العقل الجمعي الذي شكله هذا الإعلام، ويضرب مثالا على ذلك أنه لما استطاع صحفيون إسرائيليون ذوي علاقات جيدة بدحض زعم "حماس" أنها أسرت جنديا، وعندما فعلوا ذلك بدأ المراسلون في غزة من التشكيك في رواية "حماس". 

أما الخاصية الثالثة للإعلام الإجتماعي -بحسب الكاتب- فهي قوة الإقناع والتأثير على العقل الباطن، فعندما يحصل شيء مثل أحداث الشجاعية فإنها تغرق صفحة الشخص على مواقع التواصل، وهذا ما شهدته أنا على جهاز الأيفون في ويلز، وعن طريق توصيل رديء بالإنترنت لم يكن كافيا لاستخدامه لتحديث مدونات بسيطة، ولكن الصور بقيت تتوالي، ولذلك لعدة أيام شاهدت الكثير من صور القتلى في غزة، مدنيين ومقاتلين مختلطة مع صور ضحايا الطائرة الماليزية.

صحيح أن هذه الصور قد تقلل من حساسية الشخص، إلا أنها تعني أن قضيتها تبقى حية في ذهنه. 
ولعل أشهر صورة حربية كانت صورة الفتاة الفيتنامية (فان ثي كيم فوك) والتي أظهرت جسدها المشوه من "النابالم" (وهو سائل هلامي يلتصق بالجلد، وهو قابل للاشتعال، ويستخدم في الحروب) الذي استخدمته القوات الأمريكية عام 1972 في حرب الفيتنام.

وفي تسجيل صوتي تم الإفراج عنه من البيت الأبيض، يسمع صوت الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون يقول لرئيس أركانه: "أنا أتساءل إن كانت مزورة" فيجيبه رئيس الأركان قائلا: "قد تكون كذلك". ولكن الآن أي شخص يرغب في قصف المدنيين أو يغامر بإصابة المدنيين يستطيع أن يميز بسرعة بين المزور والحقيقي، على حد قول الكاتب. 
التعليقات (0)