كتاب عربي 21

التوافق المستراب

نور الدين العلوي
1300x600
1300x600
على مشارف الانتخابات التي ستبني تونس الجديدة خرج مجلس شورى حزب النهضة على الناس باقتراح ظاهره طيبة إخوانية وباطنه عذاب وهو أن يتم الاتفاق قبل الانتخابات الرئاسية على شخصية وطنية ترشح بإجماع وتكون تقريبا رئيسا قبل الذهاب إلى الصندوق. فيما يشبه تأكيدا واضحا على أن الحزب غير معني بالترشيح للمنصب. لماذا هذا المقترح ولماذا يصدر عن النهضة بالذات؟ 

قراءات مختلفة

البعض قرأ الاقتراح ضمن سياق شيطنة فقال بأن الأمر لا يعدو دفع الراغبين في الترشح إلى تنافس قاتل على عتبات حزب النهضة فكتلتها التصويتية قادرة على إيصال من تشاء إلى كرسي الرئاسة . والتوافق في حقيقته سيكون رضا النهضة على المرشح الذي تريد بعد أن يؤدي طقوس الولاء للحزب ويقبل الإملاءات لاحقا. وإذا تنافس المتنافسون خف عنها إثم إغضاب الغاضبين إذ يكونون قد صفوا بعضهم فيما الحزب يتابع بصمت.

البعض الآخر رأى أن الحزب الذي اقترح و طلاب المنصب لا يؤمنون فعلا بالديمقراطية ولا بحق الشعب في الاختيار والمسؤولية لذلك يسمحون لأنفسهم بصفقات سياسية قبل انتخابية يأخذ فيها الحزبيون والزعماء البلد إلى حيث يتفقون وهو ليس بالضرورة ما يصلح للناس خاصة لجهة التصالح مع النظام القديم الذي عاد الآن كجزء من المشهد بعد إلغاء قانون العزل السياسي. انه اقتراح لمواصلة إدارة البلد فوقيا ضمن نظام تبادل منافع بين المتنفذين واللوبيات.

 أما ماكينة التبرير الحزبية فتسوق للأمر على أنه بحث عن المشترك بين أبناء الشعب الواحد لتجنيب البلد شحناء الانتخاب وما بعده. خاصة وأن التجربة بينت أن المنهزمين لا يقبلون النتيجة ولذلك يجب استيعابهم في المسار الانتقالي إلى حين مع التأكيد الدائم على أن البلد لا يحكم إلا بالتوافق دون ذكر الأطراف المتوافقة ولا مواضيع الاتفاق التي قد تختفى خلف الرئيس ومصالحه وحلفائه وكل مخالف مزايد جالس على ربوة الجهل بما يحيط بالتجربة المتفردة.

ماكها تورد إبل الديمقراطية.

التوافق التونسي مغشوش لأنه قام منذ بدايته بين غير المتكافئين ولا يزال يدار بسوء نية سياسية جلية.
   
إن الاتفاق مهما كانت طبيعة الشخصية المنتقاة هو عملية تفريغ للعملية الانتخابية بما هي شكل العملية الديمقراطية ومضمونها الصلب من كل مضمون سياسي تغييري يرجع للناس الثقة في الصندوق وفي حرية الاختيار وتحمل المسؤولية. إن الاتفاق قبل الانتخاب في جوهره يكشف غياب الثقة في الشارع وفي قدرة الناس على الاختيار وهناك تبريرات ممجوجة على أن العوام ليسوا ثوارا. وهو تبرير يأخذ وقائع محددة كقاعدة تحليل دائم مغفلا أن الثورات ليست نشاطا جماعيا بل هي فعل عدد ضمن سياق والقلة تقود الكثرة، ولذلك فان حجة الشعب الجبان والجاهل مردودة على التبريريين وقد كشف العامة قدرة على الفرز بين الثوري والدعي فغالبهم انتظر فخاب فغير ولاءه والذين كذبوا عليهم أكثر خسروا الأكثر. إنه امتحان مغشوش فان يذهب الناخب للصندوق وهو يعرف الفائز سيذكره بانتخابات 99 بالمئة وينسيه كل أمل في التغيير الحقيقي.

لماذا يفعل حزب النهضة بنا هذا الفعل الشائن ؟ 

لقد خاض النهضويون نقاشهم الداخلي واختاروا الحل الذي يلائمهم و يحميهم من ضعفهم وهوانهم على الناس في الداخل والخارج. هم أول من جرب أن من يدعونهم للتوافق لا يتفقون معهم ولو كانوا لقبلوا مقترحات الحكومة الوطنية بعد 23 أكتوبر . نفس هؤلاء الفرقاء بمن فيهم الذين تحالفوا مع النهضة في الحكومة ابتزوها بما يكفي لإسقاطها فمع من تتحالف ؟ 

يعيش النهضويون رعب الاستئصال من فرقاء الداخل كما من القوى الدولية وهم  يتحركون تحت ضغط الصور القادمة من ميدان رابعة لذلك فان حساباتهم الحزبية تستبق الحسابات الوطنية وخصومهم يعرفون هذا الضعف لذلك يبتزونهم حتى آخر نبض. والمقترح التوافقي ينقذ النهضة من مصير الإخوان كما يوفر فرصة للانتهازيين ليتسلقوا خوف النهضة على أولادها فيصل احدهم القصر بوعد التأمين من الإقصاء. وهنا ينكسر مسار الديمقراطية ويتحول الأمر إلى سلسلة من الصفقات التي لا تنتهي إلا لتجدد مع كل موسم انتخابي . 
متي ينتهي ابتزاز الإسلاميين ؟ 

السؤال موجه لطرفين :

المبتزون الذين يقاولون مع القوى الخارجية لإقصاء الطرف الإسلامي وهؤلاء غير معنيين بالديمقراطية منذ شرعوا لأنفسهم الكلام باسمها وحدهم و منهجوا الإقصاء الجسدي والفكري والسياسي للمخالف. هؤلاء هم الجريمة الأولى التي ضيعت التجربة لأكثر من ثلث قرن.

النهضويون الذين يفكرون أولا في إنقاذ أنفسهم بأنفسهم دون الذوبان في شعب صوت لهم بأمل في تغير حقيقي لقد تصرفوا كحزب معزول وأحيانا كطائفة دينية ولم يمكن انفتاحهم أكثر من وعد بمنعة لمن يسالمهم. وسيكون اقتراحهم بشخصية توافقية مواصلة لنفس مسار المن على الآخرين من موقع القوة العددية لتدعيم موقع حماية الجسد الحزبي أولا وهذه هي الجريمة الثانية التي ستجد دوما في الجريمة الأولى حجة استمرارها. سيقول النهضويون وهم على حق عندما يتوقف إقصاؤنا سنندمج. وسيقول لهم الاستئصاليون عندما تندمجون سنتوقف عن إقصائكم. من يبدأ أولا ؟ المرشح التوافقي ليس البداية، البداية هي العودة إلى الشارع وتحمل مسؤولية السلطة.

العودة تعني عرض المشروع على الناس و تحمل رأيهم في الصندوق ثم تحمل مسؤولية القيادة عند الثقة ودفع المسار إلى نهايته بأسلوب القانون المدعوم بشرعية الصندوق ...والدولة وحدها تملك احتكار العنف ...

التوافق خارج / قبل الصندوق الانتخابي هو تفاوض غير ديمقراطي بين أطراف غير ديمقراطية لم تؤمن بها يوما كما لم تؤمن يوما بأن ثورة حصلت في البلد وأنها يمكن أن تفتح على تغيير حقيقي يؤسس لتجربة فريدة فعلا. سيطيب للجميع دوما الحديث عن فرادة التجربة وهو في الحقيقة شكر الذات على إنقاذ نفسها بتضييع التجربة الفريدة. 
التعليقات (0)