ملفات وتقارير

"الشعور بالخذلان".. ومسار العمل العسكري في سورية

مقاتلون من الجيش السوري الحر (أرشيفية)
مقاتلون من الجيش السوري الحر (أرشيفية)
يبدو أن تصريحات قيادات الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية حول الدعم الموعود للجيش الحر لم تجد ما يدعمها على الأرض، وهو ما انعكس في سلسلة استقالات افتتحها وزير الدفاع في الحكومة المؤقتة وتبعه عدد من كبار الميدانيين للجيش الحر. لكن هل هذا هو السبب فقط؟ يبدو أن هناك أسبابا أخرى، ومنها توجه الولايات المتحدة لدعم مجموعات معينة دون المرور بالمجلس العسكري أو هيئة الأركان.

ورغم تكرار رئيس الائتلاف أحمد الجربا بأن الدول الكبرى وعدت "بسلاح نوعي" للثوار في سورية، إلا أن المعطيات لا تشير إلى تغير في السياسة الأمريكية الرافضة لوصول سلاح من قبل الدول الداعمة، متذرعة باحتمال وصول هذا السلاح إلى أيدي المتطرفين.

وكان لاضطرار المقاتلين للانسحاب المقاتلين من حمص القديمة المسبب الأكبر للشعور بالخذلان، بسبب عدم الحصار وعدم توفر الإمكانات لرفع هذا الحصار المطبق، ناهيك عن عجز الثوار عن وقف استهداف طائرات النظام السوري للمدنيين بالبراميل المتفجرة بسبب عدم توفر المضادات الجوية. إضافة إلى ذلك توجه دير الزور والمنطقة الشرقية عموما هجوما شرسا من جانب تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش) الذي يسعى لبسط سيطرته على المنطقة بعد الرقة.

وبدت أيضا جبهة الساحل تواجه الإحباط بعد تقدم سريع في آذار/ مارس الماضي، في بلدة كسب ومحيطها في جبل التركمان بريف اللاذقية الشمالي على الحدود مع تركيا.

وتحدث الملازم أول طارق أوسي، قائد كتيبة أحفاد الرسول التابعة للواء الأول، في ريف اللاذقية؛ عن "تراجع بسبب خذلان المجتمع الدولي"، إضافة إلى أن هناك "أناسا ادعوا بأنهم ثوار لكن كان ولا يزال لهم عبء كبير على الثورة" السورية.

وينشط "اللواء الأول" في محور الزويك – جبل دورين – النبي يونس، في محيط بلدة كسب.

ويقول الملازم أوسي لـ"عربي21": "الثورة تحتاج للسلاح النوعي لا للرجال (الأجانب)، لأن العالم بأسره عرف مدى شجاعة و بسالة أهل سورية" حسب تعبيره.

وأكد الملازم أوسي أنه مجموعاته لم يصل إليها أي دعم أمريكي، معبرا عن أمله في "أن يكون (الدعم) لجميع فصائل الجيش الحر"، حسب قوله لـ"عربي21".

وكانت محاولات سابقة لفتح جبهة الساحل العام الماضي قد تعرضت لانتكاسة بسبب نقص السلاح والذخيرة، وهي شكوى تكررت في مرات عديدة وفي مناطق مختلفة.

وفي سياق حالة "اليأس" هذه، جاءت استقالة وزير الدفاع في الحكومة المؤقتة أسعد مصطفى في أيار/ مايو الماضي. والسبت، أعلن تسعة من قادة الجبهات والمجالس العسكرية التابعة للجيش الحر استقالاتهم. والسبب واحد: عدم وصول الدعم الكافي.

وفي محاولة لتطمين الأطراف الدولية، أصدرت مجموعة من كبرى المجموعات المقاتلة في سورية، بينها الجبهة الإسلامية وجيش المجاهدين، الشهر الماضي؛ "ميثاق الشرف الثوري"، تعهدت فيه بالالتزام "دولة العدل والقانون والحرية" "وحقوق الإنسان"، وحماية النسيج "الاجتماعي المتنوع بكافة أطيافه العرقية والطائفية".

كما أعلنت أكثر من 50 كتيبة ومجموعة مقاتلة في جنوب سورية ميثاقا مشابها الأسبوع الماضي، أكدت فيه التزامها بمبادئ حقوق الإنسان.

لكن يبدو أن القادة في المجلس العسكري الذين يجدون أنفسهم في موضع المسؤولية أمام عناصرهم، والذين تُلقى عليهم اللائمة في أي تراجع ميداني؛ وجدوا أن لا طائل من استمرارهم في تحمل المسؤولية. وأضيف إلى الأسباب أمر آخر، وهو تذمر المجلس العسكري من تجاوز الولايات المتحدة للمجلس عبر التوجه لدعم فصائل بعينها بشكل مباشر.

وتعليقا على إعلان انسحاب القيادات الميدانية السبت، أوضح المقدم محمد العبود، أحد الموقعين على بيان الاستقالة، أن سبب الاستقالة يعود "لعدم وجود دور للمجلس العسكري الأعلى، فالدول المانحة تتجاوزه بشكل تام".

وأشار العبود الى ان الدول المانحة تقوم فضلا عن ذلك بإرسال المساعدات العسكرية بما فيها صواريخ "تاو" المضادة للدبابات الامريكية الصنع الى الفصائل التي يختارونها.

وأضاف لوكالة فرانس برس: "اننا نشكر الدول المانحة لمساعدتها لكنها غير كافية وقليلة جدا لنربح المعركة بواسطتها".

وكان رئيس الأركان في الجيش الحر اللواء عبد الإله البشير قد حذر قبل يومين من أن توجه الولايات المتحدة لتسليم أسلحة لمجموعات مختارة من المقاتلين دون المرور بقيادة الأركان أو المجلس العسكري سيؤدي إلى بروز "زعماء حرب" على الطريقة الصومالية أو الأفغانية.

وقال لوكالة رويترز: "إن توفير الدعم للكتائب بشكل فردي يمكن أن يحول قادة تلك الكتائب إلى زعماء فصائل وسيكون من الصعب السيطرة عليهم في المستقبل". وتابع أن ذلك من شأنه أن يحول سورية إلى أفغانستان أو الصومال.

وردت وزارة الخارجية الأمريكية على شكاوى البشير بالقول إن المساعدات العسكرية يجري توزيعها على "جماعات معتدلة منتقاة.. بالتنسيق مع" المجلس العسكري الأعلى.

ويطالب الثوار دوما الدول الغربية الصديقة بإرسال اسلحة متطورة ليتمكنوا من مواجهة قوات النظام السوري التي تتلقى دعما من إيران وروسيا وحزب الله الشيعي اللبناني.

ولفت العبود الى ان المقاتلين "يواجهون في ان واحد القوات النظامية وتنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام" المتشدد والذي يشارك في عمليات عسكرية واسعة في العراق وسورية. واشار الى ان المعارضة "لم تحصل على المساعدة التي نحتاجها من البلدان التي تقول انها تدعم مطالبنا من أجل الديموقراطية والدولة المدنية".

وكان السفير الأمريكي في سورية روبرت فورد قد تقدم باستقالته في أيار/ مايو الماضي، مبررا ذلك بوصوله إلى حالة لا يستطيع معها الدفاع عن سياسية الولايات المتحدة في سورية.

وفي مقال نشره الأربعاء في صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، دعا فورد بلاده وحلفائها إلى "تسريع تزويد المعارضين المعتدلين في سورية بالسلاح؛ من أجل مكافحة تزايد قوة الجماعات المتطرفة، ولكي يصبح من الممكن إجلاس الأطراف المتصارعة على طاولة الحوار". وأكد على "ضرورة حصول الجيش السوري الحر على معدات عسكرية أكثر، تتضمن صواريخ أرض جو، لكي يتمكن من مواجهة الغارات الجوية للجيش النظامي".

من جهته، أشاد قائد قوات الصفوة في الجيش السوري الحر، العقيد عبد الجبار العكيدي: "بشجاعة فورد في التعبير عن معاناة الشعب السوري واحتياجات المعارضة".

وأضاف العكيدي خلال مؤتمر صحفي جمعه وقيادات معارضة أخرى عبر سكايب مع صحفيين في واشنطن الأربعاء: "فورد لم يكن يستطيع التعبير عن رأيه من قبل لكونه كان يعمل مع الإدارة الأمريكية، لكنه فعل ذلك حالما قدم استقالته".

وطالب العقيد عبد الجبار العكيدي الولايات المتحدة والمجتمع الدولي بـ"تحمل المسؤولية الاخلاقية الملقاة على عاتقهم" وتزويد المعارضة السورية "بالأسلحة الثقيلة وتعزيز قدراتها للتصدي للنظام المجرم الذي يرفض أي تسوية أو حل سلمي". وأشار إلى أن المعارضة السورية ترغب في تكوين "شراكة مع الغرب والولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب وصنع السلام في العالم".

وأكد جبار أن طلب المعارضة السورية للسلاح لا يعني بأي حال من الاحوال طلباً للتدخل العسكري، وقال: "نحن لا نريد تحميلهم العبء العسكري، لا نريد تدخلهم عسكرياً على الأرض، كل ما نريده هو أسلحة تمكننا من قتال النظام والإرهاب".

واتهم العكيدي واشنطن بعدم الجدية في تزويد الجيش الحر بالاسلحة، قائلا: "هي تتحجج بقلقها من وقوع الأسلحة في الأيدي الخطأ، لكننا تعهدنا لهم وقدمنا لهم كل الضمانات على أن هذه الاسلحة ستظل في أيدي اناس لا يؤمنون بالقتل ولا بالطائفية ولا يريدون غير الحرية والديمقراطية".

من جهته، أكد العقيد عفيف سليمان، قائد مجلس ادلب العسكري في الجيش السوري الحر، على قدرة قوات الجيش الحر لمقارعة التطرف في سورية حال امتلاكها الأسلحة المطلوبة.

وقال خلال المؤتمر الصحفي ذاته: "النظام العراقي فشل في محاربة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) بكل ما يمتلكه من معدات حديثة، ونحن استطعنا اخراجهم من مناطقنا بما نمتلكه من أسلحة بسيطة، لكننا لن نستطيع إخراجهم من سورية كلياً بدون الأسلحة الثقيلة".

وأكد سليمان أن ازمة التطرف لا تهدد سورية فحسب، بل المنطقة كلها والولايات المتحدة كذلك. ودعا الشعب الأمريكي إلى إقناع إدارة الرئيس أوباما بتزويد المعارضة السورية بالدعم العسكري المطلوب، قائلا: "إذا لم تقنعوا الإدارة الأمريكية بتزويدنا بالأسلحة فلن نتمكن من دحر الإرهاب".

ولفت إلى أن الولايات المتحدة بدأت، مؤخراً، مدهم بـ"اليسير جداً" من الأسلحة الخفيفة والمتوسطة وبعض الذخائر "مما لا يكفي لتسليح فصيل واحد في الجيش الحر لخوض معركة واحدة".
التعليقات (0)