كتاب عربي 21

مقامة موجهة إلى أصحاب الفخامة

جعفر عباس
1300x600
1300x600
ما زلنا نستمتع بأجواء الربيع، رغم ما يقال عن أنه تحول إلى صقيع، يحرم معظمنا من مجرد التجوال، الذي يجر قد يجر علينا الوبال، ولكن الأمر المهم، هو أن المارد خرج من القمقم، فمهما غزا الغاز البذيء العيون، وتكاثر العسس والعيون، فقد صارت لنا كلمة، ترسل الرعدة في أوصال الطغاة الذين ليس في قلوبهم رحمة، ففي مصر، التي سعى شبابها للحاق بالعصر، لم تعد فيفي عبده الهرم الرابع، ولم يعد المواطن إمعة وتابع، فمن كانوا نجوم الأمس، في عصر النخاسة والرجس، أفسحوا مرغمين الساحة العامة، لأبطال مغمورين من "العامة"، ولم يعد الأمر يتعلق بمن سيفوز بالكرسي، ولا قضية عبد الفتاح ومرسي، بل بثورة لم تصل ذروة عنفوانها، ولم يخمد بركانها، فما زالت وستظل تقذف الحمم، لتكنس الطفيليين والمتسلقين و"الرِمم"، لتبقى القاهرة منورة بأهلها، ويعم الرخاء واديها وسهلها.

ورِحم بنغازي ما زال شديد الخصوبة، وستقف قريبا على أقدام راسخة كما فعلت كوبا، التي ظلت تتناهشها الذئاب، وتنبح في سماواتها وشواطئها الكلاب، التي دربها العم سام، على مدى نحو ستين عام، وصمدت وقاومت وصابرت، وشمرت الساعد وكافحت وثابرت، حتى صارت رقما ذا حيثية، تحترمها الشعوب السمراء والبيضاء واللاتينية، وطال الزمن أم قصر، ومهما المدفع هدر والصاروخ زأر، سيأتي بناة الفجر الجديد، شوامخ القامات وصناديد، ليصلحوا ما أفسده عصر القذافي، وممارسي العنف الأهوج الجزافي، فأربعون ونيف عاما في ظل الكتاب الأخضر، انقرض فيها اليابس والأخضر، لن تنمحي ضربة لازب، ولن تنطلي على الليبيين خدعة الفجر الكاذب، فكما راح معمر، الذي يا ما عربد وزمجر، بعد جهاد دءوب طويل، فإن إعادة بناء ما دمره موكول إلى جيل شريف ونبيل، لم يتمرس بعد في حيل السياسة، وليس مشغولا بمن يجلس على كرسي الرئاسة، بل سيكون معنيّا بالبناء والتعمير، ويحارب التقسيم والتشطير، ليأتي قادة من أبناء وبنات الريف والحواري، يحرصون على ألا ينتهي بهم الأمر في أنبوب "مجاري"، وبهذا يعم الرخاء كل زنقة وبيت، وتمتلئ الخزائن بعائدات الغاز والزيت.

وفي سوريا، فالمواطن ذبيحة، على يد وحش من الشبيحة، والناس والمباني تلال من الهلاهيل، بفعل تساقط القذائف والبراميل، فمن الواضح أن الأسد، الذي سيعلق قريبا من حبل من مسد، يريد تغيير الشعب، ويسعى لإفناء أهل حماة وحمص وحلب، ثم يأتي ببدائل لهم من جنوب لبنان، وأبناء العمومة الجدد من آل ساسان، فقد راحت الأمة العربية الواحدة، ذات الرسالة الخالدة، وحلت محلها قرداحة الصغيرة، مسقط راس الأسديين ومن تابعهم من ذوي القلوب الضريرة، ولكن التاريخ يقول، إن حياة الشعوب دورات وفصول، وقريبا ستدول دولة الأسد النعامة، ويسترد السوريون العزة والكرامة.

وستظل ساقية الثورة تدور، وسيفهم الغافلون من الطغاة أن الكلمة ليست صيغة المؤنث من "ثور"، فالكثير من الكراسي صارت مخلخلة، وشعوبنا لن تكتفي بالململة، فعلى سبيل المثال لا الحصر، فإن من يسكن في الخرطوم في القصر، أدرك أن بلاده ليست مقبلة على ربيع ناعم، بل على خريف مدمر وقاتم، فدعا مؤخرا خصومه إلى طاولة حوار، على أمل أن يسندوا معه ما تبقى للوطن من سور وجدار، ولو أصدق النيّة، فقد يسترد ما تبقى من السودان التماسك والهوية، وتختفي ظاهرة تناسل وتكاثر حركات "التحرير"، التي كان طبيعيا أن تتكرس لانعدام حرية الشكوى والتعبير، وتحوُّل البلاد إلى سجن كبير، يتناقر فيه الفرزدق وجرير، ليس بالشعر العذب والكلمات، ولكن بالمدافع والراجمات.

وبشراكم يا عرب المشرق والمغرب، فحكامنا يراقبون الملعب، ويعقدون اجتماعات قمة، ولحسن حظهم مات ذو الرمة، وإلا لما أصدروا بيانا أو تصريحا، إلا وأشبعهم قدحا وتجريحا، ويا قادتنا البواسل، كفوا عن القمم والتواصل، واركنوا إلى الراحة والدعة، ولا تتخذوا من إصدار البيانات الجوفاء صنعة، وتذكروا أن كونكم رعاة بتيجان وعمائم، لا يعني أن شعوبكم بهائم، أرخوا قبضتكم على الأمور قليلا، حتى لا يأتي عليكم يوم لا يجدي فيه الوعيد فتيلا، فالشعوب التي تحسبونها قاصرة بلغت الرشد، ووعيها اتسع وساعدها اشتد، ومن يتعرض طويلا للإذلال، يصبح أكثر سخونة من حمم الزلزال، فإذا انفجر، لا تقولوا: هذا فعل غجر وتتر، وتذكروا أن الظلم مهما طال فليلته قصيرة، ولا يمنع انبلاج الفجر استخدام كل أصناف الذخيرة، التي ظللتم تكدسونها لمحاربة عدو افتراضي، لأن معظمكم من فصيلة "الفاضي يعمل قاضي".
0
التعليقات (0)