ملفات وتقارير

انتكاسات "الربيع العربي".. إبطاء أم حرف مسارات؟

قطار الربيع العربي.. هل يصل؟ - أرشيفية
قطار الربيع العربي.. هل يصل؟ - أرشيفية

قبل أن يحرق نفسه أمام مقر ولاية "سيدي بوزيد" لعدم الاستجابة لشكواه، صادرت الشرطة عربة الخضار والفواكه التي كان يتكسب بها رزقه، وقالت شرطية للشاب محمد البوعزيزي بالفرنسية بعد ما صفعته: "ارحل". وأصبحت الكلمة شعار الثورة ضد النظام التونسي، ثم أصبحت شعاراً لما جرى من انتفاضات أو هبّات أو ثورات في عدد من الدول العربية الأخرى.

واستطاعت الشعوب العربية خلع أربعة رؤساء أمضى أقلهم في الحكم ربع قرن.

وفي هذا السياق، أوضح  الأكاديمي والناشط السياسي الفلسطيني الدكتور أسعد عبد الرحمن لصحيفة "عربي21"، أنّ أهم الأسباب التي أدت إلى أحداث "الربيع العربي" هي "انكسار عامل الخوف عند الجماهير الواسعة بعد تراكمات الإحباط من غياب الديمقراطية، وحرمانها من حقوقها الأساسية وحرياتها الفردية، وانعدام العدل الاجتماعي".

غير أنّ الربيع العربي شهد عدة انتكاسات أبرزها الانقلاب العسكري في مصر على أول رئيس مدني منتخب، وتزايد الاضطرابات في كل من اليمن وتونس وليبيا، كما أن الثورة السورية قدمت حتى الآن أكثر من 100 ألف شهيد ولم تصل إلى محطتها النهائية بعد.

تلك الانتكاسات أغرت كثيرين بمهاجمة الربيع العربي، واعتباره شكلا من أشكال الفوضى. 

ويعتقد كتاب يُصنّفون في خانة "خصوم الربيع العربي"، مثل الكاتب والمحلل السياسي محمد حسنين هيكل -كما ورد في حواراته مع صحيفة الأهرام المصرية- أن "ما يشهده العالم العربي ليس ربيعاً عربياً وإنما (سايكس بيكو) جديد لتقسيم العالم العربي وتقاسم موارده ومواقعه ضمن ثلاثة مشاريع: الأول غربي (أوربي- أمريكي) والثاني إسرائيلي، والثالث تركي". 

واستبعد هيكل أن تنجح الثورات العربية، معللا ذلك بقوله: "الثورات لا تُصنع ويستحيل أن تنجح بهذا الأسلوب، باعتبارها فعلا لا يتم بطريقة تسليم المفتاح من قوى خارجية تطلب السيطرة ولا تريد إلا مصالحها فقط، ولا يصح أن يتصور أحد أنها بعد المصالح تريد تحرير شعب".

لكن الكاتب والمحلل السياسي الأردني ياسر الزعاترة، يرى أنّ "الجماهير اكتشفت ذاتها وقدرتها على الثورة والاحتجاج، وهي ستواصل مشوارها مهما طال الزمن". وأوضح أنّ الثمن "قد يكون كبيرا، لكن ثمن بقاء الأوضاع القديمة أكبر بكثير من ثمن التغيير، على الحاضر، والأهم على المستقبل".

وأكد الزعاترة لـ "عربي21"، أن الحراكات الشعبية في عدد من الدول العربية تعيش الكثير من التعثر والإشكالات، ولأسباب متنوعة.

لكنه حذّر من حالة اليأس رغم كل ما يحدث، بقوله: "من جهتنا لم نكن من أولئك القائلين بأن الأوضاع الجديدة ستمر بسلاسة ويسر"، لافتا إلى أن من دعموا الأنظمة السابقة "لن يسمحوا بالانقلاب على مصالحهم بسهولة، وسيعملون بكل ما أوتوا من جهد لكي يمنعوا تأثير التحولات الجديدة عليها".

وهو ما عبّر عنه الكاتب الصحفي والمحلل السياسي حلمي الأسمر، في تغريدة متفائلة، على "تويتر": "مستبشرٌ بمستقبل هذه الأمة، فالثورات ليست عملية "قلي بيض"، بل هي عملية مستمرة ومعمقة ومكلفة. لم أزل مؤمنا بثورات الربيع العربي، فهي أنبل ما حدث لنا خلال المائة سنة الماضية، رغم كل حملات التخريب".

واستدرك بقوله: "على سيرة البيض، إذا استطعت أن تفصل البيض عن مكونات قرص "العجة" مثلا فإنك تستطيع عندها أن تعيد الأمة إلى ما قبل الربيع".

ولفت الزعاترة في الحالة المصرية على وجه التحديد، إلى "تدخلات من شياطين الأرض هدفها الحيلولة دون انتصار الثورة ووصولها بر الأمان، وبالطبع لما يعنيه ذلك من عودة مصر إلى دورها وحضورها في المنطقة، الأمر الذي لا يؤثر فقط على حبيبة الغرب (الدولة العبرية)، بل سيؤثر أيضا على مستقبل المنطقة برمتها". 

وأشار إلى وجود "عدد من الدول العربية الغنية المعنية بإجهاض الثورة، ليس خوفا من مصر القوية القادرة على قيادة الركب العربي فقط، وإنما خوفا من تمدد الربيع العربي ووصوله إليهم في حال نجاح الثورة أيضا، وهؤلاء يملكون المال الذي يحرك الكثير من خيوط اللعبة".

ويقتبس عبد الرحمن من الكاتب الأمريكي توماس فريدمان، قوله:  "التخلص من هذا الميراث سيحتاج إلى ما هو أكثر من الإطاحة برؤوس هذه الأنظمة. سيحتاج إلى ثقافة التعددية والمواطنة. وحتى يتحقق هذا، ستظل القبيلة تخشى غيرها من القبائل في ليبيا، والطائفة تخشى غيرها من الطوائف فى سوريا والبحرين، وسيظل العلمانيون والمسيحيون على خوفهم من الإسلاميين في مصر وتونس، وستبقى فلسفة (الحكم أو الموت) منافسا شرسا لمبدأ (رجل واحد، صوت واحد)".
التعليقات (0)