ملفات وتقارير

سايمون جنكنز يقرأ فلسفة الميادين من القاهرة لكييف

رأى الكاتب أن متظاهري أوكرانيا كانوا محظوظين ببرلمان ديمقراطي - الأناضول
رأى الكاتب أن متظاهري أوكرانيا كانوا محظوظين ببرلمان ديمقراطي - الأناضول
يرى المعلق المعروف في صحيفة "الغارديان" سايمون جنكنز أن تجمع الجماهير في الميادين رد فعل بدائي، يدل على فشل المؤسسات السياسية، وفشل في القانون والنظام العام، وقد تستطيع الجماهير في الميادين إسقاط نظام فاسد، ولكنها لا تستطيع بناء نظام ديمقراطي.

ويقول إنه كان يشاهد فيلم "الميدان" لجيهان نجم عن الثورة في ميدان التحرير 2011، عندما صرخ أحمد "انتصرت الثورة"، وفي نفس الوقت سمع نفس العبارة حية من الراديو في ميدان كييف.

وأضاف جنكنز: "الميادين مشهورة بكونها مسارح سياسية فعالة، وهذا العام شهدنا الإعادة الثانية للثورة الأوكرانية، والثالثة لمصر، ومشاهد التلفزيون الغربي يشجعهم جميعا. ننتشي عندما نرى الشباب يلقون بالحجارة في وجه السلطة، فبالنسبة للناس الذين لم يتعلموا من التاريخ، تبدو مشاهد النار والأعلام الملطخة بالدم والجماجم المتهشمة والميليشيات مشاهد من مسرحية البؤساء، وبالنسبة للمجتمعين في الميادين ينتابهم الشعور بأنهم يتصدرون مسرح التاريخ، وهذا شعور أجمل من الذهاب إلى مراكز الاقتراع".

ويعلق: "هكذا ينضم ميدان التحرير والميدان في كييف إلى ميدان تقسيم في إسطنبول، وميدان أزادي في طهران، وميدان تيانامين في بيجين، وميدان ونكسلوس في براغ، وسينتاغما في أثينا، والطرف الأغر في لندن، وعشرات الميادين حول العالم التي أصبحت تعتبر رموزا للسياسة الثورية الحديثة؛ حيث يجتمع الناس بالآلاف في منتديات مقدسة، يدعون العالم إلى مشاهدة آخر محاكمة لنظام متسلط، وأحيانا يكسبون".

واستطرد: "لو كنت ديكتاتوريا لقمت ببناء أسواق في كل هذه الميادين، كما حاول أن يفعل أردوغان العام الماضي في حديقة غازي في تقسيم، وكنت على الأقل سأتعلم من تجربة ميدان تيانامين، وهي أنه اذا تجمعت الجماهير في ميدان، فمن الصعب جدا فضها بدون وحشية؛ مما يتسبب بسمعة سيئة أكثر من ارتكاب عدة مذابح في مناطق مختلفة من البلاد".

ولهذا السبب، يضيف "يقال إن فلاديمير بوتين وبّخ فيكتور يانوكوفيتش؛ لفشله في فض الحشود في الميدان بأي قدر من العنف، فمن الصعب تخيل بوتين يسمح باحتلال الساحة الحمراء في موسكو".

ويشير الكاتب هنا إلى انشغال الفلاسفة والمفكرين بخروج الجماهير بقوله إن هذه التجمعات فتنت الفلاسفة على مر العصور؛ فيقول دوركايم إن الجموع تعبر عما أسماه "الغليان الجماعي"، أما فرويد فيعتبر أنهم ينفسون عن "اضطرابات تاريخية عميقة"، وحتى هذه الأيام لا ترتعش الأنظمة من مواجهة الملايين على "تويتر" و"فيس بوك"، ولو كان "للسياسة الافتراضية مفعول فلن يفارق سياسي مكتبه" بحسب قوله.

واستدرك جنكنز بأن "ما تستطيع وسائل التواصل الاجتماعي فعله هو شيء قديم؛ وهو تجميع الناس في الميادين، حيث يُعرِّض الناس أنفسهم للأذى لطرح مطالبهم".

ورغم قوة الجماهير لكنها -على حد تعبيره- "عادة ما تكون فوضوية، وعادة ما تكون دوافعهم سلبية متمثلة في معارضة من هم في السلطة، والجماهير تخرب وقليلا ما تبني".

وزاد: "الناشطون هذه الأيام هم الطلاب، وعادة ما يتحدرون من طبقة الحرفيين في المدن، ويدعون أنهم يمتلكون شرعية قوة الشارع"، مستدركا بأن الناس من الطبقات الأخرى أو المناطق الأخرى في البلاد لا تستطيع مساءلتهم؛ ولذلك لم تتكرر احتجاجات ميدان تيانامين في مناطق أخرى في الصين بحسب رأي المراقبين.

وينقل جنكنز ما قاله الفيلسوف المعروف إلياس كانيتي -مؤلف كتاب "الجماهير والسلطة"- من أن "أي حشد يحتاج إلى اتجاه، وإلا سيتناقص حجمه ثم يموت".

"وقد عكس وثائقي ثورة ميدان التحرير سذاجة المتظاهرين مع أنهم شجعان؛ فهم كانوا يملكون قوة احتلال الميدان، ولكن هذا لم يكن سوى قوة للرفض، ويبدو أنهم يتأرجحون من هذا الاتجاه إلى ذاك عن طريق قوى خارج سيطرتهم، وبالذات الإخوان المسلمين الذين يمتازون بحسن التنظيم. فهم من استطاع إخراج ما زعموا أنها أكبر مظاهرة في التاريخ، ولكن كل ما استطاعوا فعله هو الهتاف "السلطة للشعب"؛ أي أنه لم يتغير شيء منذ "الباستيل". وكما قال أحد الآباء لابنه: "أتظن أن خيمة وبطانية ستحل كل مشاكلك؟".

 وفي هذا السياق، "يطلق الرومانسيون أحيانا تعبير "حكمة الجماهير" ويبررون أننا معا أذكى من كل على حدة. ويتجاهل هؤلا إمكانية المستبدين من التأثير في الجماهير لتحقيق مآربهم، وينسون الهيستريا والوحشية التي تقدر عليها الجماهير المبرمجة، فحتى التجمعات العفوية غير مأمونة؛ فهي هدية للمشاغبين كما هي للمتطلعين للديمقراطية.

"وقليلا ما تمتاز التجمعات الجماهيرية بحسن التقدير، وهذا ما أثبته المتظاهرون في كييف الأسبوع الماضي، عندما ذهب وسطاء من الاتحاد الأوروبي وتفاوضوا مع الحكومة والمعارضة، وعرضوا على الميدان صفقة لحل الأزمة، وإجراء انتقال سلس للسلطة، ولكن الجماهير المحتشدة رفضت رفضا باتا".

ومع ذلك تظل "أوكرانيا محظوظة بأن لديها برلمانا ديمقراطيا منتخبا ممثلا لكل الشعب، وهو الآن يمر بتجربة حقيقية، ولكن كما حصل في مصر، فالحقيقة أن زعيما منتخبا تم إسقاطه عن طريق الغوغاء، وقد يكون ذلك الرئيس في أوكرانيا فاسدا وألعوبة في يد روسيا، ولكنه كان يلبس أسمال الشرعية الانتخابية وإن كانت بالية، وهذا ما لا يمتلكه معارضوه ولن ينسى مؤيدوه ذلك".

وفي النهاية؛ "ليست الحشود في الميدان طقسا للتطهر الديمقراطي، إنها أكثر رد بدائي يقوم به الإنسان على التهديد، ويقترح انهيار المؤسسات، وفشل النظام والقانون، حزب مغتصب للسلطة، صلة وقيادة.

أي أن أي حشد "يستطيع إنهاء نظام ضعيف ويغمر الدولة في الظلام، ومن النادر ما يعيد الضوء للديمقراطية.. كل ثورة تمنح أملا بأيام جميلة، لكن التاريخ هو الشكاك، فقبل شهر اجتمع حشد آخر في ميدان التحرير في تعبير ساخر، محتفلا بعودة العسكر للسلطة بعد ثلاثة سنوات من الفوضى. في بعض الأحيان حتى الجماهير تحن للنظام".
0
التعليقات (0)

خبر عاجل