كتاب عربي 21

حتى الصينيون يهيمون بحب اللون الأبيض غير المتوسط

جعفر عباس
1300x600
1300x600
أعلنت جامعة بجين أنه "ظلت موضة تغيير أسماء الدول والمدن، ممارسة أفريقية بحتة منذ ستينات القرن الماضي، فصارت تنجانيقا تنزانيا، وروديسيا الجنوبية والشمالية زامبيا وزيمبابوي على التوالي، وصارت داهومي بنين، ونياسلاند ملاوي، وصارت عاصمة موزمبيق مابوتو، بعد أن كانت لورنزو ماركيز، ثم صارت المدن الآسيوية تضيق بأسمائها القديمة فصارت بكين بجين وبومباي مومباي، وسيؤول سول، وحتى الزعيم الصيني ماو تسي تونغ، صار اسمه ماو تسي دونغ".

 المهم أن الجامعة أعلنت عن رغبتها في استضافة محاضر زائر لمدة أسبوع، ليحدث طلاب الاقتصاد فيها عن "الأسواق العالمية"، وأحجمت معظم الشخصيات الأكاديمية ذات الباع الطويل في هذا المجال عن قبول الدعوة بسبب الخوف من إنفلونزا الطيور، ولما سمع البريطاني ماثيو ريتشاردسن بالأمر، لم يتردد في تقديم طلبه، وتم قبوله على الفور، خاصة وأن اسمه كان مرتبطا بجامعة أوكسفورد العريقة.

وطار ريتشاردسن إلى بجين، ووقف أمام المئات من طلاب البكالوريوس والدراسات العليا، يلقي محاضرات حول التحولات الراهنة والمرتقبة في السوق العالمية، ثم عاد إلى وطنه قبل انقضاء المدة المقررة للمحاضرات، والسبب الأول في ذلك أنه كان سيتعرض للطرد من أوكسفورد إذا تأخر كثيرا في الصين، لأنه سبق أن نال إنذارا بالفصل من الجامعة بسبب التغيب المتكرر، والسبب الآخر هو أن جامعة بجين أبلغته بأنها تريد ان ترى "عرض أكتافه"، يعني قالت له: فِز، وحلّ عنا… عد من حيث أتيت! ومنحوه نحو 2500 دولارا نظير المحاضرات التي فرغ من إلقائها، وتذكرة العودة إلى بريطانيا!.

ريتشاردسن هذا يبلغ من العمر 23 سنة، ويدرس الهندسة في اوكسفورد ومعرفته بالأسواق العالمية مثل معرفة نانسي عجرم بنواقض الوضوء، وقد اعترف لصحيفة دايلي ميل البريطانية أنه لم يقرأ طوال حياته مقالا اقتصاديا واحدا!.

طيب، كيف تصرف خلال وجوده في بجين، ونجح في إلقاء محاضرات على مدى ثلاثة أيام؟ بسيطة: حمل معه كتابا بعنوان "مقدمة حول الأسواق المالية العالمية"، وعكف على قراءته عسى أن يفهم منه شيئا، ولكنه اكتشف أن الاقتصاد أكثر تعقيدا من الرياضيات والفيزياء اللتين يعشقهما ويحرز فيهما أعلى الدرجات، وهكذا اضطر إلى تقطيع أوراق الكتاب وتكبير صفحاته باستخدام جهاز التصوير(الفوتو كوبي)، وقدم محاضراته ممسكا بتلك الأوراق لتبدو وكأنها مذكرات خاصة به، وكان يحاضر بالانجليزية، بينما يتولى مترجم توصيل كلامه إلى الطلاب باللغة الصينية.

وكان ذلك الكتاب يتألف من 17 فصلا، استهلك ريتشاردسن منها 15 فصلا في 3 أيام، ولم يكن يعرف ماذا يفعل بعد أن يستهلك الفصلين المتبقيين في اليوم التالي، ولكن قلقه كان في غير موضعه، لأن المترجم ابلغ سلطات كلية الاقتصاد أن سعادة الأستاذ البريطاني، يبرطم بكلام غير مترابط، لا يحسن حتى قراءته من الورق المطبوع الذي يحمله، كما أن الطلاب اشتكوا لأساتذتهم بأن المحاضر الزائر لا يفهم معشار ما تفهمه فيفي عبده عن الأسواق العالمية، وهكذا تم طرد ريتشاردسن، وعاد الى جامعة اوكسفورد طالبا، ومعه مئات الدولارات بعد أن حقق حلم حياته بزيارة الصين بـ"بلاش"، وبالمناسبة فان ريتشاردسن هذا كان يشغل منصب نائب رئيس اتحاد طلاب جامعة اوكسفورد المرموقة، التي لا صلة لها بمحلات بيع الملابس ولوازم الزينة!!.

قرأت ذات مرة في صحيفة خليجية أن طبيبة أمراض نساء وولادة بريطانية ستنظم ورشة عمل في المستشفى الخليجي الذي تعمل به، ورنت الأجراس في رأسي: أين سمعت بذلك الاسم؟ وتذكرت أنني قرأت عنها عشرات المقالات في سياق محاكمتها وسحب ترخيصها الطبي كليا، بعد أن تسببت في كوارث صحية لأكثر من مائة مريضة في بلادها، مما أدى إلى وفاة بعضهن، ودخلت موقع المجلس الطبي البريطاني على الانترنت، وتأكدت من سلامة ذاكرتي، وكتبت رسالة إلى صحيفة تصدر في ذلك البلد الخليجي، وأرفقت بها الوثيقة التي تؤكد أنها ممنوعة من ممارسة الطب مدى الحياة، ولم تنشر الصحيفة الرسالة، ربما لأنها كانت "تطاولاً" على واحدة تنتمي إلى "النسل الشريف" في شجرة العائلة العولمية! 

وربما لأن فينا من يعتقد أن النسل الأبيض لا يأتيه الباطل من أي اتجاه!! ومن المفارقات أن اسم عائلة تلك الطبيبة ذات الدم الأزرق هو سافدج Savage  ومعناها القاموسي "متوحش، مفرط في القسوة"، ومن المفارقات أيضا أنها خسرت وظيفتها في المستشفى الخليجي بعد أن علم المجلس الطبي البريطاني بأمر عملها فيه وخاطب إدارة المستشفى، وعربدت الصحيفة التي رفضت نشر رسالتي "الموثقة" كرا وفرا وانثناءً، وهي تلطم الخد لغفلة القائمين على أمر الشؤون الصحية، بدرجة أنه يفوت عليهم الاستوثاق من أهلية الكوادر الطبية المستوردة، وعندها عرفت جانبا من المثل المصري القائل "اللي اختشوا ماتوا".
التعليقات (0)