مقالات مختارة

مصر مقاومة للتغيير.. ولكن الربيع العربي لم ينته بعد

جيمي كارتر
1300x600
1300x600
شهدت مصر وليبيا وتونس اضطرابات سياسية دراماتيكية، وقد دعي مركز كارتر - المنظمة غير الربحية التي أترأسها وتعمل للدفاع عن حقوق الإنسان ودعم الديمقراطية وتخفيف المعاناة في كل أنحاء العالم- للمشاركة ومراقبة عملية التحول من الشمولية إلى الديمقراطية في كل هذه الدول. ولا نزال نرى أن هناك مواطنين لا يزالون يكافحون لتحسين ظروفهم المعيشية وتشكيل مستقبلهم، وبمناظير ورؤى مختلفة.

وكانت مصر أقل الدول تكيفا مع التغيير، وهي تعيش الآن مرحلة تراجع نحو الحكم العسكري الفعلي..وربما نظام اكثر تقييدا من ذلك الذي كان يقوده حسني مبارك أو الأنظمة السابقة.


لقد راقب مركز كارتر، انتخابات معقولة، برلمانية ورئاسية عام 2012. وقد انتصر في الانتخابات (البرلمانية) حزب "الحرية والعدالة" المرتبط بالإخوان المسلمين، فيما فاز مرشح الحزب محمد مرسي بالرئاسة.

لكن المحكمة الدستورية المصرية ألغت الانتخابات البرلمانية، وبدلا من الدعوة لانتخابات جديدة، عندما ظهر أن مرسي لن يكون قادرا على الحكم في ظل هذه الظروف، تدخل الجيش بدعم من الرأي العام الذي أصبح الاستقرار أولويته.

وقد تم قمع المعارضة وتقييدها للمواطنين والصحافيين على حد سواء، خصوصا خلال عملية الاقتراع على الدستور الجديد في الشهر الماضي؛ وهو الدستور الذي حدد من دور الشريعة الإسلامية ومنح مساواة أكثر بين الجنسين وأكد على الحرية الفردية؛ إلا أنه أعطى الجيش سلطة نهائية، وجعله على ما يبدو محصنا من  القيود الدستورية، وبموجبه سيكون بمقدور الجنرالات التحكم بميزانياتهم، واختيار وزير دفاعهم والاحتفاظ بحق تقديم المدنيين للمحاكم العسكرية. كما تم منح وزارة الداخلية والنظام القضائي مزايا مماثلة.

كان دورنا في ليبيا هو مراقبة انتخابات مرحلة ما بعد القذافي في تموز/ يوليو 2012، ومن المتوقع مراقبة انتخاب أعضاء لجنة الدستور، الذين سيقومون بكتابة مسودة الدستور الجديد. إن الحكومة الانتقالية التي  يتوقع ان تبقى في الحكم حتى نهاية هذا العام، ضعيفة ولا تسيطر أو تدير كل أنحاء البلاد، خاصة في مناطق الشرق والصحراء الجنوبية والتي تتحكم فيها الميليشيات المسلحة، وهو أمر يهدد الأمن الوطني للبلاد، كما يهدد منابع النفط التي تمثل المصدر الرئيسي للدخل القومي.

 وخلال الانتخابات الليبية القادمة، من المتوقع أن يتم تقسيم النواب على مناطق البلاد، وسيعطي دورا استثنائيا للمناطق ذات الكثافة السكانية القليلة والمهمشة، وهو دور مساو لما أعطاه الآباء المؤسسون لأمريكا للولايات الصغيرة في الولايات المتحدة في النظام الانتخابي الذي تعودنا على التعايش معه.

وقد راقبنا أيضا الانتخابات في مرحلة ما بعد ثورة 2011 في تونس، وراقب فريقنا عن قرب إجراءات إعداد الدستور، وشاركنا بآرائنا وتعليقاتنا كلما طلب منا هذا، خاصة فيما يتعلق باللغة المطلوبة في الدستور وقانون الإنتخابات.

إننا متفائلون بالنسبة لمستقبل تونس، حيث كان التدخل الأجنبي في أقل مستوياته، وكان هناك اختلاف واضح بينه وبين مصر وليبيا. فقد بقي الجيش بعيدا عن العملية السياسية، وكانت هناك مشاركة واسعة للأحزاب الدينية، وحصلت عملية تنظيم للعملية الانتقالية الهشة، ولكن الواعدة بنفس الوقت.

وقد تم الحفاظ على السلام في البلاد على الرغم من عمليتي الاغتيال الكبيرتين اللتان أشعلتا الأزمة السياسية- مقتل الناشطين شكري بلعيد ومحمد براهمي. ويبدو أن الشعب التونسي مصمم على تحقيق الاستقرار والازدهار.

وقد يؤدي النجاح في تونس إلى تقديم نموذج قوي للإصلاح الدستوري في كل المنطقة وبشكل مباشر في الجارة ليبيا. أما في مصر، فإن الوضع يبدو مقاوما للتغيير، بعد استبعاد جزء كبير من الناخبين من العملية السياسية. 

ويمكن لمنظمات الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية مساعدة هذه الدول، ولكن يجب احترام سيادة كل واحدة منها؛ حيث يناضل شعوب هذه البلاد للبحث عن توازن بين النظام والعدل، العلماني والديني، الحرية والإنصاف، والشمولية والقيود.
إن الدعم المالي والتقني لإجراء انتخابات ناجحة في ليبيا وتونس، يمكن أن يساعد أيضا في التأكد من أن المبادئ الديمقراطية متضمنة في الدساتير الجديدة وتم احترامها.

ونعرف من التجارب المتكررة في هذه الدول وغيرها، إن دور المراقبين الحيادي ضروري؛ وإن الترحيب بهم إشارة عن الالتزام بالحرية والديمقراطية. كما أن المواطنين الذين يلتزمون بنفس المبادئ، يقدرون وجود المراقبين الأجانب، إذا كانوا مدعوين وليسو مفروضين عليهم.

إن الهدف العاجل الآن في هذه الدول الثلاث هو منع المزيد من نزف الدماء، مع وجود هدف طويل المدى بتحقيق إجماع شرعي وطني، يعمل عل بناء ديمقراطية متطورة قابلة للحياة وتحترم المبادئ الرئيسية لحقوق الإنسان.
إن كل المواطنين المستعدين للالتزام بحكم القانون، بما في ذلك النساء والشباب والأقليات والطوائف الدينية – يجب معاملتهم على قدم المساواة. وهناك حاجة لمؤسسات قوية، وليس رجال أقوياء، كما ظهر في الدول الأخرى التي تسود فيها الديمقراطية.
 
وفي الوقت الحالي، فإن مصر على ما يبدو ليست قادرة على الالتزام بالحد الأدنى من المعايير الديمقراطية، أما تونس فإنها على الطريق، بينما لا يمكن إصدار حكم بخصوص ليبيا حتى الآن.

(من منشورات مركز كارتر)
التعليقات (0)