صحافة دولية

فورين بوليسي: إيران تسعى للتقارب مع تركيا وأمريكا

الرئيس الإيراني حسن روحاني (يمين) والمرشد الأعلى آية الله خامنئي - أرشيفية
الرئيس الإيراني حسن روحاني (يمين) والمرشد الأعلى آية الله خامنئي - أرشيفية
إلى أين ستذهب إيران بعد الاتفاق النووي، هل ستركز على توثيق علاقاتها مع الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، أم تتجه نجو مجموعة "البريك" التي تضم روسيا والصين والبرازيل والهند؟

 وفي محاولة للإجابة عن هذه الأسئلة، وتوجهات السياسة الإيرانية، يرى بول روجرز الباحث في مجموعة أوكسفورد للبحث في مقال له بـ"فورين بوليسي" الأمريكية، أن إيران بعد الاتفاق النووي ستتحرر من القيود التي فرضت على سياساتها الخارجية بسبب العقوبات، وستجد أمامها متسعا من الوقت للتحرر من القيود، ومن قلقها حول وضعها الأقليمي، وستبحث عن طرق أخرى لتأكيد مصالحها. وكل توجه سيؤثر في موقفها من الأزمة السورية.  

ويرى روجرز أن أهم ملف ستعمل عليه إدارة الرئيس الإيراني حسن روحاني هو توطيد علاقاتها مع تركيا.

ويلاحظ روجرز هنا أن انتخاب روحاني في آب/أغسطس العام الماضي أدى إلى تحسن جوهري في العلاقات الأمريكية- الإيرانية، وهذا يعود إلى نتائج الانتخابات، ولأن الإدارة الأمريكية بقيادة باراك أوباما لديها موقف أكثر إيجابية من إيران.

وهذا لا يعني وجود أية ضمانات بأن تؤدي الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2016 إلى حكومة متعاطفة مع إيران، وهذا سيلعب دورا مهما في السياسة الخارجية التي سينتهجها روحاني. 

ويظل منظور التوصل لاتفاق حول البرنامج النووي هو أحسن ما يمكن أن تحققه إدارة روحاني، وسيترك بالتالي أثرا واضحا في السياسة الخارجية الإيرانية. 

ولاحظ الكاتب أن فترة حكم محمود أحمدي نجاد (2005-2013) زاوجت في سياستها الخارجية بين اللغة النارية، وبين توطيد علاقاتها مع الكثير من الدول حول جنوب العالم، بما في ذلك دول أمريكا اللاتينية ذات التوجه اليساري، وعدد آخر من دول ما بعد الصحراء الإفريقية، وأقامت كذلك علاقات وطيدة مع روسيا والصين في الوقت الذي حددت فيه علاقاتها مع الدول الغربية. 

وكانت هذه التوجهات مقبولة لقطاع واسع من "الشارع الإيراني"، لكنها كانت متناقضة مع العناصر التي تربط الشباب الإيراني بالثقافة الغربية والموضوع النووي، فيما يتعلق بآثار العقوبات التي فرضها الغرب على إيران. 

ومع أن هذه العقوبات كانت سببا في فوز روحاني، وفي دفعه لطاولة المفاوضات، إلا أنها كانت فاعلة؛ وذلك بسبب سوء الإدارة للاقتصاد في عهد نجاد.

ولهذا فأي تحسن في إدارة الاقتصاد تقوم به حكومة روحاني فسيترك أثرا جيدا، خاصة إن قرن بتخفيف للعقوبات؛ مما سيساعد الحكومة الإيرانية على الاستفادة من الوعود الاقتصادية القادمة.

ومن أهم العوامل التي يجب أخذها بعين الاعتبار أن موقف إيران في المنطقة قد تضرر بشكل كبير؛ بسبب دعمها لنظام بشار الأسد. فقد تعاملت إيران إبان حكم أحمدي نجاد مع الاسد كحليف قوي وضروري، ومقرونا بدعمها لحكومة نوري المالكي في العراق. وأدى تدهور الأوضاع في سورية وانزلاق الوضع للحرب الأهلية في العراق إلى إلقاء اللوم على إيران. 

فقد حملتها القوى الإقليمية الأخرى مثل السعودية ومصر إيران المسؤولية عن العنف، وقمع الغالبية السنية في سورية. فيما لا تحمل دول أخرى خارج المنطقة إيران مسؤولية هذا العنف، بل نشر الحرب في لبنان. 

ويرى روجرز أن انتصار روحاني كان مثيرا للإعجاب من ناحية أنه حاز غالبية مطلقة في الجولة الأولى من الانتخابات ضد أربعة من المنافسين المحافظين له، وبنسبة مشاركة في التصويت وصلت إلى 72%، وكانت هذه النسبة كافية لمنحه سلطة واسعة، لكن السلطات والقرار يظل في يد المرشد الأعلى للثورة الإسلامية آية الله علي خامنئي. وكان على الأخير أن يعي شعبية روحاني الذي حاول الابتعاد قد الإمكان عن استخدامها في تأكيد قوة أتباعه. 

ويضيف الكاتب أن الانتصار الذي حققه روحاني أعطاه  تفويضا للتفاوض مع الولايات المتحدة، إلا أن العناصر المحافظة تعيد تجميع صفوفها، ومن أهم مظاهر اهتمام هذه العناصر هي انتخاب مجلس الخبراء، وهو المؤسسة التي تقوم بانتخاب المرشد الأعلى للثورة الإسلامية الذي سيتم في أيلول/ سبتمبر القادم. وتخشى هذه العناصر من أن تؤدي سياسات حكومة روحاني إلى الإضرار بها أكثر بعد التراجع الذي أصاب صفوفهم العام الماضي.

وقام هذا الفريق بإقناع المرشد الأعلى لتوسيع فريق التفاوض الإيراني في جنيف، ليضم عناصر متشددة أكثر، ووضعه تحت إشراف المجلسين أو البرلمان، وسيتسيده المحافظون. 

لكن نائب وزير الخارجية سيد عباس أراشي أكد أن فرق التفاوض خاضعة لإشراف للمجلس الأعلى للأمن القومي لا للمجلس، وهناك تقارير تقول إن أعضاء جددا ضُموا إلى الفرق. 

وهذا يعني أن حكومة روحاني ستجد نفسها مجبرة على تشكيل سياسات تستجيب للمطالب المحلية في أقرب وقت. وسيكون التركيز بلا شك على القضايا النووية ورفع العقوبات.

وبسياسات تجمع بين إدارة جيدة للاقتصاد قد تؤدي إلى تحسن للاقتصاد وزيادة شعبية الحكومة السياسية. في ضوء هذه السياسات، فستتمكن حكومة روحاني من تطوير سياستها الخارجية بما يتناسب مع اعتقاد الإيرانيين بقوتهم وأهميتهم وموقعهم من العالم. 

ففكرة إيران عن نفسها وعظمتها في التاريخ تتجاوز -كما يقول الكاتب الدين- كون إيران مركز الشيعة في العالم. فعدد سكان إيران هو 80 مليون نسمة، وهو أقل من مصر البالغة عدد سكانها 85 مليون نسمة، وتركيا 81 مليون نسمة.

وفي الوقت الذي تعاني فيه مصر من مشاكلها الداخلية، واقتصاد ضعيف لا يعتمد على تجارة النفط والغاز. وبالمقارنة فتركيا تظل أقوى بدرجات من إيران فيما يتعلق بالاقتصاد، رغم أنها تفتقد الاحتياطات النفطية. 

ومنذ الثورة المضادة، تعتمد مصر على السعودية التي تعتبر منافس إيران في الخليج والشرق الأوسط.

 ويقول الكاتب إن إيران تعاني من كم هائل من المشاكل الاقتصادية، لكن لديها الإمكانيات الكبيرة لتطوير الاقتصاد؛ فهي تحتوي على 10% من احتياط البترول العالمي، و15% من احتياطي الغاز الطبيعي، وهي تشارك في هذا مع قطر؛ لأن الاحتياط موجود تحت مياه الخليج، ولم تظهر أية مشاكل في تحديد الحدود بين البلدين، خاصة أن العلاقات جيدة بين البلدين على الرغم من المواقف المختلفة فيما يتعلق بسورية. 

ويتساءل الكاتب هنا عن وجهة إيران: هل ستكون أوروبا أم آسيا؟ يجيب إن إيران على الرغم من مخاوفها من الباكستان، ومن طالبان، ترغب في تحسين علاقاتها مع إسلام أباد، ولديها علاقات جيدة مع شمال- غرب أفغانستانن وليس مع طالبان. وتقوم إيران بتصدير الغاز للباكستان، وما يزال مشروع مد خطوط الغاز من إيران- الباكستان- الهند قائما. 

وستواصل إيران تعزيز علاقاتها مع أفغانستان؛ حيث زادت من مساعداتها خاصة لمشاريع في شمال- غرب البلاد. 

أما الهند والصين فهما مستوردتان مهمتان للنفط والغاز الإيرانيين. وأثبتت الصين فائدة لإيران من جهتين؛ الأولى: استثمار طويل الأمد في حقوق النفط والغاز، وثمنت طهران دور الصين حتى عندما كانت العلاقات مع الولايات المتحدة في أدنى مستوياتها. 

أما الفائدة الثانية فقد كانت الصين المزود الرئيسي لمجموعة من الأسلحة المختار، خاصة تلك المضادة للقوارب الحربية، وستواصل إيران تعزيز علاقاتها مع الصين، لكنها لن تتحاشى علاقات جيدة مع الهند؛ باعتبار الأخيرة تمثل عامل موازنة مفيد ضد الباكستان.

ويقول الكاتب إن العلاقات مع جنوب آسيا وجنوب شرق آسيا ستظل مهمة، لكن الأولوية ستعطى لتحسين العلاقات مع تركيا التي ظهرت من خلال اجتماع وزيري خارجية البلدين محمد جواد ظريف، ونظيره التركي أحمد داوود أوغلو في طهران العام الماضي. 

وبعيدا عن خلافات البلدين حول الملف السوري، إلا أن البلدين يتمتعان بعلاقات جيدة في مجالات أخرى، وما تزال طهران تثمن الدور التركي لنزع فتيل الازمة الإيرانية النووية مع الغرب، فقد توسعت التجارة بين البلدين بشكل كبير خلال العقد الماضي. 

ومن المحتمل قيام إيران بالبحث عن طرق لتوطيد علاقاتها مع تركيا، حيث سيشكل البلدان قوس تأثير يربط أوروبا وآسيا. 

وسيكون الموقف التركي إيجابيا؛ لأنه سيفيد في أهمية تركيا ومحاولاتها الانضمام للاتحاد الأوروبي. وهذا يعني أن حكومة روحاني ستكون لها مصلحة إضافية لتخفيف الحرب في سورية. وربما كان القوس التركي- الإيراني أهم لطهران من الهلال الشيعي أو محور طهران- بغداد – دمشق والضاحية الجنوبية في بيروت. 

وتظل المنافسة بين إيران والسعودية قائمة ومهمة للحرب بالوكالة الدائرة في سورية، لكن العلاقات الشخصية لروحاني مع الدبلوماسيين السعوديين في الماضي، بالإضافة إلى حاجة إيران إلى رؤية نهاية للحرب في سورية تعني احتمال حدوث تقدم في العلاقات. 

ويقول إن تحسين علاقات إيران مع الولايات المتحدة تظل أولوية لحكومة روحاني الذي يعترف بمخاطر تغير الإدارة في أقل من 3 أعوام؛ مما يعني أهمية للعلاقات مع أوروبا، لكن حكومة روحاني لا تعمل على تأكيد هذه العلاقات، حيث تظل تركيا والصين والهند أهم، ستظل مهمة طالما ظل روحاني في السلطة، ومن بين هذه تظل تركيا الأهم.
التعليقات (0)