كتاب عربي 21

"الجبهة الإسلامية": التكيّف مع مشهد سوري متغيّر

1300x600
1300x600
منذ انطلاق فعاليات الثورة السورية قبل نحو ثلاث سنوات وتحولها من الاحتجاجات السلمية إلى المواجهات العسكرية، هيمنت الجدالات والنقاشات لدى مختلف القوى والفعاليات والحركات المنخرطة في مسار الثورة السورية حول هوية الثورة وطبائع الدولة المستقبلية بين المدنيّة والإسلاميّة، ففي الوقت الذي تبنت فيه المعارضة السياسية في الخارج ممثلة بالمجلس الوطني ثم الائتلاف الوطني مشروعا سياسيا يؤكد على مدنيّة الدولة  ونهجها الديمقراطي التعددي كانت معظم الحركات والفصائل الداخلية المسلحة تتحول نحو الأسلمة وتشدد على دولة تطبيق الشريعة.

 ويبدو أن الضغوطات الخارجية الإقليمية والدولية التي مورست على قوى المعارضة لدفعها نحو مزيد من الاعتدال بحسب المواصفات الليبرالية الغربية جاءت بنتائج معاكسة تماما، فالجيش الحر الذي طالما اعتبر ممثلا عسكريا معتدلا للمعارضة السياسية الخارجية بات مشتتا ولا يتمتع بالقبول لدى معظم الفصائل المسلحة الفاعلة في الداخل وأصبحت هيئة أركانه العسكرية بقيادة اللواء سليم إدريس  ضعيفة جدا عقب خروج كبرى الفصائل العسكرية  من العمل تحت مظلته، ففي الوقت الذي انشغلت فيه القوى الدولية والإقليمية بالتحضير لعقد مؤتمر جنيف2  الذي تقرر عقده في 22 يناير القادم  أعلنت سبع فصائل إسلاميّة مسلحة  عن تأسيس كيان جديد باسم "الجبهة الإسلامية" وهي تضم: حركة أحرار الشام، وألوية صقور الشام، وجيش الإسلام، ولواء التوحيد، ولواء الحق، وكتائب أنصار الشام، والجبهة الإسلاميّة الكردية في 22 تشرين الثاني/ نوفمبر 2013.

بحسب البيان التأسيسي للجبهة الإسلامية  فهو كيان يسعى إلى " تكوين سياسي عسكري اجتماعي مستقل يهدف إلى إسقاط النظام وبناء دولة إسلامية راشدة"، الأمر الذي ينطوي على تطور بالغ الخطورة يقطع الصلة التنظيمية مع مسمى الجيش والحر وهيئة أركانه على الصعيد العسكري من جهة، ويتضمن   سحب الثقة من الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة في سورية على الصعيد السياسي من جهة أخرى، ولعل التطورات العميقة التي طرأت على المشهد السياسي الدولي والعسكري الميداني المحلي دفعت كبرى الفصائل المسلحة على حسم خياراتها الإيديولوجية والسياسية باتجاه الاندماج وتجاوز خلافاتها لمواجهة تقدم قوات النظام المدعومة بتحالف دولي وإقليمي صلب ممثلا بروسيا وإيران وحزب الله، والتصدي للنفوذ المتنامي للجماعات المقاتلة المرتبطة بتنظيم القاعدة كتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) وجبهة النصرة لأهل الشام.

لعل السؤال الأبرز الذي يشغل المتابعين والمهتمين بالشأن السوري هو: هل سيتمكن الكيان الاندماجي الجديد من التماسك والصمود أمام التحديات والعقبات؟ أم أن مصيره لن يختلف عن مصير كيانات اندماجية سابقة تفككت وتلاشت كما حدث مع  "جبهة تحرير سورية الإسلاميّة"  التي تأسست بتاريخ 12 أيلول/ سبتمبر 2012، وضمت حينها أكثر من 20 فصيلا إسلاميا مسلحا، ثم "الجبهة الإسلامية السوريّة" التي تشكلت بتاريخ 22 كانون الأول/ ديسمبر 2012، وضمت حينها أكثر من 10 فصائل إسلامية مسلحة. أعتقد بأن مبررات ولادة "الجبهة الإسلامية" الجديدة تؤشر على تماسكها ووحدتها واندماجها على المدى القريب لكن مصيرها على المدى المتوسط والبعيد محفوف بالشكوك، فقد جاءت الولادة على خلفية أسباب وشروط وظروف متغيرة أبرزها: الخلافات الحادة مع الائتلاف الوطني وهيئة أركان الجيش الحر حول التمثيل والهوية، فبحسب الفصائل المنضوية في إطار الجبهة الإسلامية فإنها لا تتمتع بتمثيل عادل سياسيا وعسكريا، كما أن هيكلية الائتلاف والأركان تسيطر عليه قوى علمانية مرتبطة بقوى إقليمية ودولية معادية لتوجهات الفصائل الإسلامية، الأمر الذي تطور حد إعلان 13 فصيلا إسلاميا  في أيلول/ سبتمبر الماضي عن سحب الاعتراف من الائتلاف والحكومة المؤقتة، والدعوة إلى التوحد ضمن إطار إسلامي يقوم على أساس تحكيم الشريعة.

الأمر الآخر الذي دفع الفصائل الإسلامية المسلحة الكبرى للتوحد مفاعيل مؤتمر جنيف2 الذي رأت فيه مؤامرة خطيرة تتنصل من مبادئ الثورة بالتخلص من النظام عبر صفقة أمريكية روسية مع النظام تستند إلى خلق شراكة تهدف للتخلص منها تحت ذريعة محاربة "الإرهاب"، وهو ما دفعها في تشرين الأول/ أكتوبر لإصدار بيان يعتبر مؤتمر جنيف 2 "حلقة في سلسلة مؤامرات الالتفاف على ثورة الشعب في سورية وإجهاضها". 

وأخيرا فإن الجبهة الإسلامية جاءت للتصدي للنفوذ المتنامي لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) التي باتت تحقق تقدما ميدانيا على حساب فصائل الجبهة المشتتة والمنقسمة، كما أنها تسعى إلى الحد من هيمنتها الإيديولوجية من خلال إعادة الاعتبار لهوية الثورة السورية الوطنية في إطار المرجعية الإسلامية. 

الأيام المقبلة ستكشف عن إمكانية تمسك الجبهة الإسلامية بأهدافها المعلنة، وقدرتها على التماسك والصمود، لكن المؤكد أن الجبهة الوليدة أطاحت بسيناريوهات عديدة محلية وإقليمية ودولية.
التعليقات (0)