فنون منوعة

"حكايات الجان".. كتاب يرصد "تأثير العفاريت" في حياة المصريين

كتاب الجان والعفاريت الجن
كتاب الجان والعفاريت الجن
"النداهة".."الجنية".. "العفريت".."زواج الإنس والجن".. بعض من أساطير يرصدها الباحث المصري "إبراهيم سلامة" في كتابه "حكايات الجان"، والذي يؤكد خلاله أن هذه الحكايات لازالت لها مكانة خاصة لدى المصريين، رغم التقدم التكنولوجي غير المسبوق الذي يشهده العالم في رحاب الألفية الثالثة.
الكتاب الذي يعتبر دراسة أجراها الباحث على 3 قرى مصرية، أصدرته وزارة الثقافة المصرية، مؤخراً عن سلسلة "الدراسات الشعبية" التابع للهيئة العامة لقصور الثقافة، يقع في 265 صفحة من القطع المتوسط، ويحتوي على 4 فصول، بالإضافة إلى المراجع، والمصادر، ونصوص الحكايات،  التي استندت لها الدراسة.
يغوص الكتاب في عالم المعتقدات الشعبية للمصريين، وخاصة حول الجان، والعفاريت وغيرها من الكائنات الغيبية، في محاولة للإجابة على أسئلة ملحة حول المستقبل، والغيب والروح، وتساعد القارئ على تفسير علاقته بنفسه، وبالآخرين، والنفع والضرر الذي يترتب على وجود هذه الكائنات الغيبية، وقدرتها على فك الطلاسم وحل المشكلات.
ويعرض سلامة في مقدمته للكتاب لعدد من المفاهيم، التي تشكل مفتاحاً لفهم الأساس الذي ابتكر المصريون من خلاله شخوص وحكايات الجان والعفاريت؛ فيفسر حكايات المصريين عن الجن، كونها "تميل إلى الواقعية، لأنها تجسد بشكل حسي، وملموس أفراد الجان في الحكاية، بشكل يجعل من يسمع تلك الحكايات يصدق أنها عالم حقيقي، وواقعي بأشخاصه، ورموزه، حيث عادة ما ينهي الرواي لتلك الحكاية بقوله: دي(هذه) حقيقة، أنا شفتها(شاهدتها)".
ففي حكايات "الجنيات"، يرصد الباحث أن "الجنية تخرج من المياه للشخص العابر، وتجلس على الطريق، أو على الجسور أعلى المياه، وتطلب من الشخص أن يساعدها في عمل شئ، وعندما يتحقق الشخص من طبيعة الجنية بعلامات تميزها؛ كالشعر الغزير والأظافر الحديد، وأرجل الماعز، فإذا به يهم بالهروب".وفي حكاية "النداهة"( والتي قد تكون ذكر أو أنثى) "تخرج من الماء، وتذهب إلى مكان الإنس، تصاحبهم في أعمالهم في البيت، أو الزراعة، ويأخذ دور الصاحب، أو الصاحبة، وعندما يتحقق الإنس منه؛ لأن لها أوصاف غريبة، كأن تطول أو تقصر أو تتحول لأشكال متغيرة، يهرب الشخص حتى قدوم النهار، وهو الزمن الذي يكرهه الجني بحسب المعتقد الشعبي".
أما عن حكايات زواج الإنس من الجن، فتقول الرواية الشعبية كما يرصدها سلامة، إن "الرجل من الإنس عندما ظهرت له الجنية طلبت منه الزواج، بشرط عدم البوح بهذا السر، ولا يبوح الرجل بالسر إلا في ساعة وفاته لزوجته الحقيقية وأولاده من الإنس، بأنه تزوجها وأنجب منها أولادا ويعيشون تحت الأرض".
ويلاحظ في حكايات زواج الجنية بالإنسي -بحسب سلامة- أنه تم برضا الطرفين، وأقيم لهما عرس كما يحدث في الواقع. 
ولم يرصد سلامة حكايات عن زواج انسية من الجان في ثقافة المصريين، مشيرا إلى أن "هذه الحكايات لا توجد إلا في أخبار الحوادث، في الصحف المحلية، التي ترد عن نساء جميلات يظهر لهن جني، ويعجب بجمالهن، فيطلب منهن الزواج، وعندما تبوح بالسر يقوم بقتلها".ويلحظ سلامة أن "أغلب حكايات الجان لا توجد فيها بطولة واضحة، ولا نهاية سعيدة، ولكنها تجسيد للمعتقد الشعبي المرتبط بالجان، من خلال قص هذا النوع من الحكايات".
واستندت الدراسة إلى اختيار ثلاثة مجتمعات صغيرة(جزيرة أبو عمرو-عزبة بدوي- عزبة أبو حسين) التابعين لمركز "أبو كبير" في محافظة الشرقية(دلتا مصر) لجمع المادة الميدانية، وإجراء الدراسة عليها. واختار الباحث هذه الأماكن -بحسب قوله في الكتاب- لطبيعتها الجغرافية القريبة من الماء(نهر النيل)، وعادة ظهور حكايات الجان في مصر يكون مرتبطا في المعتقد الشعبي بالماء، بالإضافة إلى أن واحدة من تلك المجتمعات، التي تم اختيارها شهدت بعض التغيرات الثقافية، مثل ارتفاع معدلات التعليم، وزيادة استخدام الأجهزة التكنولوجية، ما يمكن الباحث من رصد العلاقة بين الارتقاء التعليمي والثقافي على المعتقدات الشعبية السائدة.
وخلص سلامة في دراسته إلى أن "حكايات الجان هي جزء من حياة ومعيشة المصريين، يتم استخدامه للتأكيد على معتقد شعبي يريد المجتمع أن يوصل رسالة ما ينشدها من خلاله".ولاحظ الباحث أن "حكايات الجان والعفاريت هي عالم قائم بذاته في مواجهة عالم الإنس"، مشيرا إلى أن "عادة السيدات، وكبار السن هم من يعملون على ترسيخ تلك المفاهيم، من خلال وظيفة كامنة لتحذير وابتعاد الأطفال عن أماكن خطرة".
ومن الملاحظات العامة، التي استنتجها الباحث خلال دراسته أن "ارتفاع معدلات التعليم وتغيير النمط الثقافي، لبعض هذه المجتمعات التي تم تطبيق الدراسة عليها، أدت إلى عدم القبول التام لتلك الحكايات، ولكنها رغم ذلك استمرت تلك الحكايات متداولة ومقبولة، ويرددها صغار السن بشكل أنشط وأكثر قبولا".
التعليقات (0)

خبر عاجل