قضايا وآراء

الرهان على غزة.. من موسكو إلى انتصار غالاوي

هاني بشر
تأييد غالاوي تجاوز أصوات المسلمين- جيتي
تأييد غالاوي تجاوز أصوات المسلمين- جيتي
أثناء إخراجي لفيلم عن حركة مناهضة الحرب البريطانية تحدثت مع النائب في مجلس العموم جورج غالاوي، وسألته قبل الحوار كيف تعرّف على القضية الفلسطينية وأصبح واحدا من أشهر الساسة المدافعين عنها في الغرب؟ أجاب بأنه كان يجلس يوما في مكتب حزب العمال البريطاني في مدينة دندي الأسكتلندية قبل نحو نصف قرن ودخل عليه طالب فلسطيني يسأل عن مسئول الحزب في المدينة. أخبره غالاوي أنه غير موجود وسأله عن مراده، فقال الطالب إنه يريد أن يشرح له القضية الفلسطينية، فأنصت إليه على مدار نحو خمس وأربعين دقيقة غيّرت حياة الرجل بعد ذلك وصنعت ظاهرة فريدة في الحياة السياسية البريطانية.

خسر غالاوي كثيرا سياسيا وشخصيا بسبب دفاعه المستميت عن القضية الفلسطينية، ولكنه ربح أمورا عديدة؛ منها الانتخابات البرلمانية الفرعية البريطانية مؤخرا عن مقعد دائرة روتشديل في إنجلترا ليعود على صهوة جواد الفزعة لنصرة غزة إلى مجلس العموم البريطاني مرة أخرى في لحظة شديدة الحساسة من تاريخ السياسية البريطانية، ترافق هذا مع استضافة العاصمة الروسية موسكو لاجتماع الفصائل الفلسطينية.

أن الناخبين البريطانيين في هذه الدائرة وغيرها من الدوائر التي فاز فيها سابقا؛ يدركون جيدا أنهم يصوتون لمرشح فرد من خارج الأحزاب الكبرى ومستحيل أن يكون جزءا من الحكومة القادمة أو يؤثر في التشريعات بالتبعية، ومع ذلك صوتوا له ليتصدى للتخاذل أو التواطؤ البريطاني الرسمي وحتى على صعيد قيادة حزب العمال، المعارض الرئيس، تجاه قضية غزة
من بريطانيا إلى روسيا، يبدو الحدثان مكرران، فقد كان غالاوي نائبا لعدة دورات في مجلس العموم البريطاني وقد استضافت موسكو وغيرها من العواصم العربية اجتماعات للفصائل الفلسطينية، غير أن الزمان غير الزمان والسياق غير السياق؛ القاسم المشترك بينهما هو الرهان على غزة في وقت تقف فيه معظم الدول في العالم موقف المتفرج أو المتواطئ مع الحرب على الفلسطينيين في القطاع التي تجاوزت القتل إلى التجويع وكسر الإرادة.

يُتهم غالاوي كما تُتهم روسيا باستغلال الحرب في غزة لتحقيق مكاسب سياسية. والسؤال هنا: إذا كان الرهان على غزة ونصرتها رهان رابح سياسيا لماذا لا تحذو حذوهما كثير من القوى والسياسيين في العالم؟ الإجابة هي أن الرهان على غزة هو مخاطرة سياسية ومغامرة أكثر منه مكسبا ماديا وقتيا، وإن لم يخل الأمر من كسب أصوات أصحاب الضمير الحي في العالم وهؤلاء ليسوا أصحاب نفوذ وقوى صلبة في الوقت الراهن.

تبلغ نسبة السكان المسلمين في دائرة روتشديل 18.8 في المئة، وقد حصل غالاوي على نحو 40 في المئة من أصوات الناخبين، أي أن التأييد لغالاوي تجاوز أصوات المسلمين. ومن المعروف أن غالاوي لم يقم بأية إنجازات كبيرة على الصعيد الخدمي في الدوائر التي ترشح فيها سابقا نائبا على البرلمان؛ اللهم إلا التصدي بقوة لمشاريع الهيمنة الغربية الاستعمارية في العالم
الرهان على غزة هو مخاطرة سياسية ومغامرة أكثر منه مكسب مادي وقتي، وإن لم يخل الأمر من كسب أصوات أصحاب الضمير الحي في العالم وهؤلاء ليسوا أصحاب نفوذ وقوى صلبة في الوقت الراهن
وعلى رأسها الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين وقضايا أخرى مثل الحرب على العراق وأفغانستان. وهذا يعني أن الناخبين البريطانيين في هذه الدائرة وغيرها من الدوائر التي فاز فيها سابقا؛ يدركون جيدا أنهم يصوتون لمرشح فرد من خارج الأحزاب الكبرى ومستحيل أن يكون جزءا من الحكومة القادمة أو يؤثر في التشريعات بالتبعية، ومع ذلك صوتوا له ليتصدى للتخاذل أو التواطؤ البريطاني الرسمي وحتى على صعيد قيادة حزب العمال، المعارض الرئيس، تجاه قضية غزة.

الأمر نفسه ينطبق على موقف موسكو تجاه قضية غزة في مجلس الأمن ومؤخرا من استضافة اجتماعات الفصائل، فمن غير المرجح أن يغير التحرك الروسي من موقف الولايات المتحدة وبقية الدول الأوروبية من الغزو الروسي لأوكرانيا وبقية القضايا الخلافية بين الجانبين، ولكنه مخاطرة ومغامرة ورهان.

لن تنقلب المواقف الرسمية البريطانية والروسية رأسا على عقب بسبب هذين الحدثين، لكنهما قطعا سيعيقان كثيرا من الخطط الشيطانية التي لا تستهدف غزة وحدها، ولكن امتدت لمناصري القضية الفلسطينية في أنحاء مختلفة من العالم ووصلت حتى إلى طلاب المدارس والجامعات.

twitter.com/HanyBeshr
التعليقات (0)