ملفات وتقارير

اتفاقية مثيرة لحماية استثمارات السعودية في مصر من التأميم والاستيلاء

تجرى حاليا المراجعة القانونية لبنود الاتفاقية- واس
تجرى حاليا المراجعة القانونية لبنود الاتفاقية- واس
في الوقت الذي أعلن فيه مسؤول مصري رفيع عن قرب توقيع اتفاقية مصرية سعودية لحماية الاستثمارات، تُزال على إثرها الكثير من العقبات الاقتصادية المعوقة للاستثمارات المتبادلة بين البلدين، إلا أن البنود المعلنة تثير التساؤلات وتحتاج إلى قراءة اقتصادية معمقة.

متحدثون إلى "عربي21"، توقفوا بالقراءة والرصد والتحليل للبنود المعلنة من الاتفاقية وخاصة حول "ضمان الاستثمارات السعودية في حالات الحرب أو النزاع أو الثورة أو حالات الطوارئ والاضطرابات"، وأيضا بنود "منع تأميم أو نزع الملكية أو إخضاعها لأشخاص وجهات أخرى".

وأعلن وزير التجارة والصناعة المصري أحمد سمير، في تصريحات لموقع "الشرق- بلومبيرغ" الاثنين الماضي، أن بلاده في المراحل الأخيرة لتوقيع اتفاقية حماية للاستثمارات المتبادلة مع السعودية "قريبا"، موضحا أنه تجري حاليا المراجعة القانونية لبنود الاتفاقية.

"بنود الاتفاق"
ووفق ما أعلنه الوزير المصري، فإن اتفاقيات حماية الاستثمارات تضمن الالتزام بمعاملة "منصفة وعادلة" للاستثمارات، وكذلك "تقليص متطلبات إنشاء وتوسعة وصيانة الاستثمارات"، وأيضا "ضمان الاستثمارات في حالات الحرب، أو النزاع، أو الثورة، أو حالات الطوارئ، والاضطرابات".

ووفق مراقبين، فإن بند "ضمان الاستثمار بحالات الحرب، أو النزاع، أو الثورة.. "، يثير الجدل، كونه يأتي في ظل وضع أمني وسياسي مصري شبه مستقر خاصة مع قرب وصول السيسي لفترة رئاسية ثالثة دون أية منافسة، ومع سيطرة أمنية على مقاليد الأمور، ووأد أي حراك معارض أو ثورة شعبية.

كما أن الاتفاقية، التي جاءت على هامش زيارة وفد سعودي برئاسة وزير التجارة ماجد عبدالله القصبي للقاهرة، تضمن أيضا، "حماية الاستثمارات من أي إجراء يمس ملكيتها، أو تجريد مستثمريها كليا أو جزئيا من بعض حقوقهم، مع منع تأميم، أو نزع الملكية، أو إخضاعها لأشخاص، وجهات أخرى".

وشهد السوق المصري خلال فترة حكم رئيس النظام عبدالفتاح السيسي، نزعا لملكيات بعض رجال الأعمال المصريين والاستيلاء على شركاتهم، فيما جرى سجن العديد منهم بتهم وصفها حقوقيون وسياسيون بالمسيسة، وسط استيلاء جهات سيادية وشخصيات نافذة على بعض الشركات أو الحصص بها.

"حجم الاستثمارات"
وهنا يبرز السؤال عن حجم وقيمة وأهمية الاستثمارات التي من المفترض أن تقدم لها الاتفاقية المصرية السعودية الحماية الكاملة والتسهيل الاقتصادي، وهو السؤال الذي تجيب عنه تصريحات وأرقام رسمية للجانبين.

والاثنين الماضي، أكد وزير التجارة والصناعة أحمد سمير، أن الاستثمارات السعودية في مصر تبلغ 6.3 مليار دولار في عدد 7444 مشروعا في قطاعات الصناعة، والإنشاءات والسياحة، والخدمات، والزراعة، والتمويل، والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات.

وأوضح أن قيمة الاستثمارات المصرية في السعودية تبلغ 1.6 مليار دولار في عدد 2027 مشروعا في قطاعات الصناعات التحويلية، وتجارة الجملة والتجزئة، وقطاع التشييد.

الوزير المصري، لفت إلى أن إجمالي حجم التبادل التجاري بين البلدين بلغ العام الماضي نحو 5.665 مليار دولار مقارنة بنحو 4.572 مليار دولار عام 2021 محققا نسبة زيادة بلغت 23.9 بالمئة.

والأحد، كشف رئيس مجلس الأعمال السعودي المصري بندر العامري، أن حجم استثمارات القطاع الخاص السعودي في مصر بلغ 35 مليار دولار، كما أن حجم التجارة بين البلدين في العام الماضي بلغ 20.4 مليارات دولار، وفقا لأرقام الهيئة العامة للإحصاء السعودية.

وفي 20 آب/ أغسطس الماضي، أكد الجهازالمركزي للتعبئة العامة والإحصاء المصري أن السعودية تتصدر قائمة أعلى 10 دول استثمارا في مصر بالنصف الأول من العام المالي 2022- 2023، باستثمارات بلغت 2.1 مليار دولار.

وفي نيسان/ أبريل الماضي، أكد  وزير التجارة والاستثمار السعودي ماجد القصبي، وجود 6225 شركة صناعية سعودية بمصر باستثمارات تبلغ 30 مليار دولار، وأن هناك 518 شركة مصرية بالسوق السعودى و285 علامة تجارية مصرية بالمملكة.

ويعيش الاقتصاد السعودي أزهى عصوره ويعد من أكبر 20 اقتصادا عالميا، والأكبر عربيا والأول بالشرق الأوسط.

ويعاني الاقتصاد المصري من أزمات هيكلية خطيرة وتغول أزمة ديون أكثر من 165 مليار دولار، وحلول آجال الكثير من الفوائد والأقساط، وسط تفاقم معدلات التضخم والبطالة والفقر، ما يشير لأهمية التعاون المصري السعودي.

اظهار أخبار متعلقة


"مقدمة لشراء أصول جديدة"
وحول أهمية توقيع القاهرة والرياض اتفاقية لحماية الاستثمارات، ودلالات تضمينها بنودا لضمان الاستثمارات بحالات الحرب أو النزاع أو الثورة والاضطرابات، وحمايتها من أي إجراء يمس ملكيتها أو تجريد مستثمريها من حقوقهم، ومنع تأميم أو نزع الملكية أو إخضاعها لأشخاص وجهات أخرى، تحدث الخبير الاقتصادي والأكاديمي المصري الدكتور أحمد ذكرالله، لـ"عربي21".

وقال: "واضح أن هذه الاتفاقية تأتي في إطار عدم إقبال السعودية على شراء ما تطرحه مصر من شركات خلال الفترة الماضية، وأن عوائق عملية الاستثمار هي إحدى الذرائع التي كانت تتحجج بها السعودية لعدم شراء أصول مصر العامة المطروحة".

خبير واستشارى التدريب ودراسات الجدوى، أضاف أن "مثل هذا الاتفاق بالتالي لا يعول عليه كثيرا"، بل ذهب إلى التوقع بأنه "ربما كان في طياته الرفض السعودي لشراء أصول مصرية من وجهة نظري هو التحجج بما حدث إبان ثورة كانون الثاني/ يناير 2011".

وتابع بأن "الكثير من المشروعات التي تم بيعها أو خصخصتها في عهد حسني مبارك (1981- 2011)، تمت مراجعة عقود بيعها مرة أخرى بشكل أو بآخر بعد الثورة، خاصة تلك العقود التي كانت لمستثمرين".

أستاذ الاقتصاد، كلية التجارة، جامعة الأزهر، لفت إلى عدم اهمية الاتفاقية في حماية الاستثمارات الأجنبية، موضحا أن "عقود الاستثمار الأجنبي المباشر محمية باتفاقيات عالمية، وليس فقط بقوانين الاستثمار المحلي، بل وتحميها العديد من المنظمات الدولية".

ويرى أنه "بالتالي، فالحديث عن مثل هذا الاتفاق المصري السعودي لحماية الاستثمارات، أولا هو لضمان حماية الاستثمار في حال قيام ثورة أخرى، أو حدوث بعض الاضطرابات السياسية، أو عندما يتغير النظام الحاكم ويحاول النظام الجديد تلافى بعض الشبهات التي قام بها النظام القديم وباقي مثل هذه الأمور".

ويعتقد ذكرالله، أن "هذه الاتفاقية تأتي في هذا السياق، أما كونها سيترتب عليها مزيد من الاستثمار السعودي، فأعتقد أن ما سيترتب عليها ليس استثمارا حقيقيا ولكن شراء لأصول مصرية يتم عرضها الفترة القادمة".

"تحسبا للإطاحة بالسيسي"
وفي رؤية سياسية لبنود الاتفاقية العلنة، قال السياسي المصري رضا فهمي، لـ"عربي21"، إن "الخطوة السعودية المصرية تأتي ضمن حزمة من الترتيبات التي وُضعت كحوافز لمصر على الدور الذي تقوم به من حصار غزة في حربها مع الكيان المحتل".

وأضاف: "بدأت تلك الحزمة بـ10 مليارات دولار دعم من الاتحاد الأوروبي قبل أيام، وإعلان صندوق النقد الدولي زيادة قيمة التمويل المقرر لمصر، وأيضا الحديث عن أن دولا بالإقليم ستعمل على إنعاش الحالة الاقتصادية المصرية، وأعتقد أنه مقصود بها الرياض وأبوظبي".

ويرى، رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي الأسبق بالبرلمان المصري، أن "الخطوة السعودية تأتي في هذا الإطار، لكن المستثمر السعودي في الوقت نفسه لديه قراءة لوضع الإقليم والمحيط الدولي، وأن طوفان الأقصى أعادت للواجهة مرة أخرى فكرة تغيير الأنظمة بالمنطقة".

ولفت إلى أن "الناس كانت دائما تتحدث عن تفاوت كبير في موازين القوى بين أنظمة الاستبداد وحركات الشعوب للتحرر بأوطانها، فضلا عن أن إقليم الشرق الأوسط والمجتمع الدولي لا يريد هذه الثورات لأنه في نظره تضر بمصالحه، لكن طوفان الأقصى قضت على تلك المبررات والسرديات، حيث نجحت حماس رغم انعدام التكافؤ بينها وبين الاحتلال".

وأضاف: "والحقيقة من قبل طوفان الأقصى، أنه كانت هناك تقديرات إقليمية ودولية تقول إن الوضع في مصر غير قابل للاستمرار على ما هو عليه، حتى وإن لم يسع أحد أو جهة ما للإطاحة بالسيسي، فإن النظام نفسه (آيل للسقوط) كما يقولون".

وأوضح السياسي المصري، أن "الجانب السعودي قد يأتي الآن في هذه الخطوة مرغما أو ضمن ترتيبات إقليمية ودولية وليس بمبادرة محضة منه لسد جزء من الفجوة وأزمة السيسي المالية".

وأكد أنه "من هنا يمكن القول بوضوح شديد أن هذه الاحترازات المبالغ فيها لها في الحقيقة ما يبررها، حيث إن الوضع الداخلي ليس مُستقرا وليس مُسيطرا عليه، حتى بعيدا عن طوفان الأقصى".

وقال إن "النظام يعاني من مشكلات مركبة عاجز عن حل أي منها، وبالتالي السعودية تدرك أنه في لحظة ما وفي يوم ما قريب متوسط بعيد، هذا النظام لن يكون على رأس السلطة في مصر، وتريد أن تؤمن نفسها فوضعت هذه الاحترازات".

"حبر على ورق"
ولكن يعتقد البرلماني المصري السابق، أن "هذه الاحترازات في النهاية تظل حبرا على ورق، وتخضع للنظام الذي يحكم وربما النظام الذي يأتي بعد السيسي، إذا كان وطنيا يمتلك إرادته وقراره يمكن أن يحصل على تعويضات من الرياض وأبوظبي جراء إسهاماتهم في الانقلاب العسكري، وهناك مواد بالقانون الدولي تتحدث عن ما يسمى بـ(الديون القذرة)".

وأشار إلى أنه في ظل تلك المخاوف "تريد الرياض تحصين نفسها لأن أي رئيس أو نظام قد يأتي يمكنه مصادرة أملاك وشركات، ومهما كانت هناك اتفاقيات مكتوبة فهي قد تلزم النظام الحالي ولكن لا تلزم النظام الذي يأتي بعد السيسي، والذي بوسعه التحرر من هذه القيود".

وخلص فهمي، للقول: "بالتالي فإن تلك البنود في الاتفاقية المقررة هي احترازات يحاول أن الجانب السعودي أن يؤمن بها نفسه".

وقلل من حجم فائدة تلك الاتفاقية لمصر وما قد تحصل عليه من أموال لحل أزماتها، لافتا إلى حجم ما تلقاه السيسي من اموال منذ 2013، وحتى اليوم، مؤكدا أنه "لو كانت هناك إدارة وطنية أو صادقة كان المفروض أن تكون مصر بمكان مختلف عما هي فيه".

وأشار إلى أن "كل هذه الأموال أُهدرت في الشو الإعلامي، وشراء الاعتراف الدولي للانقلاب، فعقد صفقات سلاح من هنا وهناك، وحفر تفريعة قناة السويس لرفع المعنويات أنفق فيها حسب بعض التقديرات 8 مليارات دولار، فضلا عن أموال أهدرت بالصحراء لبناء قصور والعاصمة الجديدة والعلمين وغيرها".

وختم بالقول: "أي أموال ستأتي لخزينة الدولة ما بقي السيسي، فهذه أموال مهدرة في النهاية".

اظهار أخبار متعلقة


"مخاوف الحبس والمصادرة"
ويرى مراقبون أن رجال الأعمال السعوديون يرغبون في حماية استثماراتهم وقد يكونوا متحسبين لأي تغول من قبل جهات سيادية مصرية، وخاصة الجيش والمخابرات، خاصة مع وجود وقائع سابقة مع رجال أعمال مصريين.

ومع انقلاب السيسي، عام 2013، جرى استهداف الكثير من رجال الأعمال المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين وحبسهم ومصادرة أموالهم، ففي تشرين الأول/ أكتوبر 2015، تم اعتقال رجل الأعمال حسن مالك، ومصادرة أمواله، بدعوى تمويل الجماعة.

ولأسباب مختلفة وبتهم مشتركة أغلبها تمويل جماعة إرهابية والانتماء إلى تنظيم محظور بهدف قلب نظام الحكم، شهدت أعوام 2020، و2021، و2022، تفجير النظام للكثير من القضايا التي تمس رجال أعمال.

وفي أيلول/ سبتمبر 2020، جرى توقيف رجل الأعمال ومؤسس صحيفة "المصري اليوم" صلاح دياب، بعدة قضايا.

وفي كانون الأول/ ديسمبر 2020، أوقفت السلطات الأمنية المصرية، صاحب محلات التوحيد والنور الشهيرة سيد السويركي، بتهمة التمويل والانضمام لجماعة إرهابية.

وفي الشهر ذاته، حبست السلطات، رجل الأعمال صفوان ثابت رئيس مجلس إدارة شركة "جهينة" للعصائر والألبان، وذلك قبل التحفظ على أمواله عام 2016، بدعوى تمويل جماعة الإخوان المسلمين.

وفي كانون الأول/ ديسمبر 2021، تم القبض على رجل الأعمال حسن راتب، في اتهامه بتهريب الآثار المصرية، ووسط حديث عن ضغوط تمت ممارستها على راتب، للتنازل على "جامعة سيناء" المملوكة له بمدينة العريش بشمال سيناء.

وفي كانون الأول/ يناير 2022، تم توقيف رجل الأعمال المصري محمد الأمين، وحبسه بتهم الاتجار بالبشر والاعتداء الجنسي على قاصرات في دار أيتام بمحافظة بني سويف بالصعيد.

وذلك بعد فترة من سيطرة الشركة "المتحدة للخدمات الإعلامية" التابعة لجهات سيادية مصرية من الاستحواذ على إمبراطورية الأمين، الإعلامية المتمثلة في قنوات "سي بي سي"، وصحيفة "الوطن"، وفضائيات رياضية وخاصة بالدراما ووكالة أنباء.

وفي الشهر ذاته تم القبض على رجل الأعمال ومدير متجر "هايبر" بمدينة  6 أكتوبر محمد الهواري، بتهم إهانة رموز الدولة ورجال الأمن إثر تسريب له كشف عن عمليات فساد ورشى مالية وتهريب.
التعليقات (0)