على الرغم من أن جيش
الاحتلال الإسرائيلي لم يكشف أدلة دامغة على وجود مركز قيادة لحركة
حماس في
مستشفى الشفاء، فإن واشنطن ما زالت تصر على دعم الرواية الإسرائيلية.
وكان الاحتلال قد زعم أنه وجد "بنية تحتية وأسلحة تخص حركة حماس" داخل مستشفى الشفاء، ولم يحدد أين وجدها تحديدا، وقام جيش الاحتلال بعرض بندقية أدعى أنه وجدها هناك، وعرض كذلك فيديو تظهر فيه إحدى الرهائن الإسرائيلية، لكنه ما لبث أن قام بقص الفيديو وعرضه مرة أخرى.
بالمقابل، نفى البيت الأبيض -وفقا لرويترز- موافقة واشنطن على عمليات الجيش الإسرائيلي حول مستشفى الشفاء" في قطاع غزة.
وأكد جون كيربي، المتحدث باسم مجلس الأمن القومي، أن "واشنطن تنتهج السلوك نفسه بالنسبة إلى القرارات العسكرية الأخرى التي يتخذها الاحتلال".
اظهار أخبار متعلقة
وأضاف: "كنا دائما واضحين جدا مع شركائنا الإسرائيليين حول أهمية الإقلال من الخسائر المدنية، وكنا أيضا واضحين جدا معهم لجهة وجوب التحلي بانتباه خاص حين نتحدث عن المستشفيات".
وعلى الرغم من نفي واشنطن موافقتها على اقتحام مستشفى الشفاء، فإنها ما زالت تلتزم بالرواية الإسرائيلية بأن حماس تستخدم الشفاء مركز قيادة ومكانا لتخزين السلاح، وأن لها أنفاقا هناك.
حيث رد وزير الخارجية الأمريكية أنتوني بلينكن على سؤال صحفي حول ما إذا كانت واشنطن واثقة من وجود أنفاق ومركز قيادة تحت ذلك المستشفى، بالقول: "نعم".
وأضاف بلينكن خلال مقابلة مع محطة ABC الأمريكية: "ما نعرفه واستنادا إلى المعلومات التي لدينا، وكذلك المعلومات التي لدى الإسرائيليين، هو أن هذه هي ممارسة حماس لاستخدام هذه البنية التحتية المدنية، واستخدام المستشفيات، والمدارس، والمساجد، والمباني السكنية؛ لدمج مقاتليهم، وأن يكون لهم مراكز قيادة هناك، وأن يكون لديهم قادة، وأن يكون لديهم أسلحة هناك".
اظهار أخبار متعلقة
وتابع: "ما رأيناه بالفعل من عملية مستشفى الشفاء هو عدد كبير من الأسلحة التي تم استردادها، كما تم العثور على بنادق هجومية بجوار أجهزة التصوير بالرنين المغناطيسي، إذن فهذه واحدة من الممارسات الوحشية التي تنخرط فيها حماس، وهي، كما تعلمون، تعرض الكثير من المدنيين في غزة للخطر".
كذلك أكد جون كيربي أن "واشنطن لن تكشف أي معلومات استخباراتية إسرائيلية، أو توضح تفاصيل تقييم أجهزة مخابراتها، الذي يفيد بأن حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) استخدمت مستشفى الشفاء في غزة كمركز قيادة وربما كمنشأة تخزين".
وأوضح أن
الولايات المتحدة واثقة من تقييم مخابراتها بخصوص أنشطة حركة حماس في مستشفى الشفاء"، رافضا التوضيح أو الإدلاء بتفاصيل بخصوص الأيام الماضية.
وذكر مصدر مطلع أن إدارة بايدن لن ترفع السرية عن مصادر الاستخبارات الأمريكية؛ "لأن بعض هذه القنوات نفسها تُستخدم لمراقبة وضع الرهائن".
موقف محرج
الكاتب الصحفي سعيد عريقات، يرى أن "واشنطن ستصر على دعم الرواية الإسرائيلية، لأنه بكل بساطة إذا كانت ستقول إن إسرائيل فشلت في إظهار أدلة على وجود لقيادة حماس في المستشفى، وأنه ليس هناك دليل على ذلك، فإن ذلك يعني تداعي الراوية الإسرائيلي بالكامل، وهو ما يضع واشنطن في موضع حرج، كون أنها لا تستطيع الاستمرار بالتعاون مع إسرائيل بهذه الاستثنائية".
وتابع عريقات في حديث خاص لـ"عربي21": "بالتالي الولايات المتحدة تدرك تماما أنه ليس هناك أدلة، لكنها ستصر لفظيا على أن إسرائيل لديها أدلة، وسمعنا الرئيس جو بايدن الخميس حينما قال إنه متأكد من أن حماس استعملت المستشفى لأغراض عسكرية كالقيادة والسيطرة.. الخ، لكنه لن يشارك أيا من هذه الأدلة، وبرأيي هذا يعني أن ليس لديهم أدلة".
وحول ما إذا كان الإصرار الأمريكي على دعم الرواية الإسرائيلي نابع من حرج بأن تظهر كأنها دعمت اقتحام المستشفى، قال عريقات: "بكل تأكيد، وكما ذكرت فإن الولايات المتحدة أدركت منذ اللحظة الأولى أن إسرائيل ستقتحم المستشفى، وأعطتها ضوءا أخضر لتنفيذ ذلك منذ يومين، وبالتالي ليس هناك غرابة في هذا الإصرار".
اظهار أخبار متعلقة
وتابع: "سيستمر هذا الإصرار، وإلا فكيف ستبرر حدوث جريمة حرب، فاقتحام المستشفيات هو جريمة حرب وفق القانون الدولي، إضافة إلى أن واشنطن تصر أن على إسرائيل الالتزام بقانون الحرب خلال عملياتها، وهذا الأمر لم يحدث ولا في أي لحظة، وبالتالي لو قالت إسرائيل إن هناك قيادة عسكرية لحماس في أي مكان ستؤيدها واشنطن، لأنها إن لم تقل ذلك فسيكون موقفها حرجا جدا".
بيانات استخبارية أمريكية
وردا على سؤال لماذا تصر واشنطن على دعم الرواية الإسرائيلية؟ وما هي المعلومات الاستخبارية المتوفرة لديها؟ قال مايكل مولروي، نائب مساعد وزير الدفاع الأمريكي السابق للشرق الأوسط: "لم يعد بإمكاني الوصول إلى تقارير المخابرات لأنني خارج الحكومة".
وأضاف: "لكن البيت الأبيض قال إنهم يعتقدون أن حماس لديها أو كان لها وجود في مستشفى الشفاء بناءً على تقارير استخباراتية أمريكية أحادية الجانب، ما يعني أنهم لا يعتمدون فقط على المخابرات الإسرائيلية، وهذا ما اعترف به أيضًا مايكل ماكول رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب".
وتابع مولروي في حديث خاص لـ"عربي21": "وبما أن الجيش الإسرائيلي موجود الآن في المنطقة، وسيتمكن في النهاية من كشف وعرض نظام الأنفاق (إذا كان موجودًا)، فلن يكون هذا مطروحًا للنقاش في النهاية".
خطأ "كذب" متكرر
وكانت واشنطن قد وقعت سابقا في خطأ استخباراتي تم اعتباره كذبا متعمدا وليس خطأ استخباراتيا، وهو الحديث عن وجود أسلحة دمار شامل في العراق، الذي تبين عدم صحته بعد سقوط النظام العراقي السابق، فهل تكرر واشنطن نفس الخطأ أو الكذبة مرة أخرى؟
مولروي يرى أن "جميع المنظمات الاستخباراتية ترتكب أخطاء في تقييماتها الاستخباراتية، لقد كان لدى العراق أسلحة الدمار الشامل، وقد استخدموها ضد إيران والأكراد، وكانت أجهزة الاستخبارات الأمريكية مخطئة في تقييمها بأن حكومة صدام حسين لا تزال تمتلك هذه الأسلحة واعترفت بخطئها".
وتابع: "ولكن كان مجتمع الاستخبارات الأمريكي على حق في العديد من القضايا الأخرى، والأشخاص الذين اختاروا عدم التصديق بناءً على ذلك، على الرغم من وجود خطأ كبير، لهم الحق في القيام بذلك، لكنهم في الأساس يحتفظون بالاستخبارات وفقًا لمعيار لا يمكن لأي منظمة استخباراتية الحصول عليه".
وحول ما إذا كان إصرار واشنطن على تأييد الرواية الإسرائيلية مرده الحرج من الظهور بمظهر المؤيد لجريمة حرب "اقتحام المستشفى"، قال المسؤول الأمريكي السابق: "لا أعتقد أن مجتمع الاستخبارات الأمريكي سيقدم تقييماً يستند إلى أي شيء آخر غير الحقائق".
وأضاف: "إن ما اختار القادة السياسيون فعله به هو شيء مختلف، والطريقة التي يصفونها بها هي أيضًا شيء خارج عن سيطرة مجتمعات الاستخبارات، ومرة أخرى، سنكتشف من هو الصحيح هنا، وآمل أن ينقل جميع الصحفيين هذه المعلومات كما هي عندما يتم ذلك".
وأعرب عن اعتقاده بأن "البيت الأبيض لا يريد أن يبدو كأنه يؤيد أي عملية محددة تشمل المستشفى"، مضيفا: "لكنني لا أعتقد أنهم قاموا بتحريف المعلومات الاستخبارية المتعلقة بحماس والمستشفى، إما أن يكون ذلك دقيقًا أو لا، كما أتصور أنه سيتم الكشف عن هذه الأنفاق بمرور الوقت، وسنعرف جميعًا ما إذا كانت موجودة أم لا".
اظهار أخبار متعلقة
وكانت حركة حماس قد حملت الإدارة الأمريكية ورئيسها جو بايدن المسؤولية الكاملة عن تداعيات اقتحام جيش الاحتلال لمجمع الشفاء الطبي.
وقالت الحركة في بيان لها، إنها "تحمل الكيان المحتل وقادته النازيين الجدد، والرئيس بايدن وإدارته، كامل المسؤولية عن تداعيات اقتحام جيش الاحتلال لمجمع الشفاء الطبي، وما يتعرض له الطاقم الطبي وآلاف النازحين، جراء هذه الجريمة الوحشية".
من جهتها، قالت حركة الجهاد الإسلامي، إن "الولايات المتحدة شريكة في الجريمة التي يرتكبها الاحتلال الآن في اقتحام مستشفى الشفاء الطبي، والاحتلال يعجز عن تحقيق أي أهداف عسكرية في غزة؛ لذلك يستقوي على المدنيين والمرضى بمستشفى الشفاء".
وأما أمريكيا، فإن العشرات خرجوا في مظاهرات أمام البيت الأبيض؛ تنديدا باقتحام مستشفى الشفاء، عارضوا دعم واشنطن لهذا الاقتحام والعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.
وردد المتظاهرون هتافات طالبت الرئيس الأمريكي جو بايدن بالتدخل للضغط على الاحتلال لوقف إطلاق النار، ومن تلك الهتافات: "بايدن لا يمكنك الاختباء، أنت تشارك في الإبادة الجماعية بغزة".