بعد
ثماني سنوات على أسر المقاومة لجنود الاحتلال خلال العدوان على غزة في 2014، فإن الجيش فشل في استعادتهم أمام إصرار المقاومة على تدفيعه أثمانا كبيرة، ما أثار خلافات
إسرائيلية
داخلية، واتهامات موجهة لأوساط الدولة والجيش بإهمال هذا الملف، وصدور جملة تقارير
تكشف جوانب عديدة من هذا الإخفاق.
آخر
هذه التقارير ما أعلنه في الساعات الماضية تقرير مراقب الدولة ماتنياهو إنغلمان الذي
"اتهم المنسق المسؤول عن ملف الأسرى والمفقودين بالحصول على راتب كبير دون جدوى،
كما أن لقاءاته مع عائلات الأسرى الإسرائيليين أتت خالية من المضمون، ويقدم صورة مقلقة
عن هذا الملف، ما حدا بديوان رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى الإعلان أنه يدير القضية
بنفسه".
يارون
دروكمان مراسل صحيفة "
يديعوت أحرونوت"، كشف أن "مرور أحد عشر عاما على
تقديم لجنة شمغار الخاصة بصفقات التبادل توصياتها بشأن الاعتبارات والمبادئ والعمليات
التي توجه عمل الدولة نحو إبرام صفقات مستقبلية، ورغم مرور هذا الوقت الطويل، فإنه
منذ 2014 لم يكن هناك نقاش أو قرار واحد حول هذه القضية، وقد تم العثور على العديد
من أوجه القصور في أنشطة منسق الأسرى".
وأضاف
في تقرير ترجمته "عربي21" أن "لجنة شمغار برئاسة رئيس المحكمة العليا
السابق مائير شمغار أنشئت في 2008 بينما كان جلعاد شاليط أسيرا لدى
حماس في غزة، وتأسست
على خلفية الجدل العام حول الثمن الباهظ الذي دفعه الاحتلال في صفقات الأسرى على مر
السنين، ونشرت نتائجها في 2012، بعد فترة وجيزة من إطلاق سراح شاليط، وتم تصنيف أكثر
من 100 صفحة منها بأنها "سرية للغاية"، ولم يتم نشر التقرير بالكامل، كما
أن تقرير المراقب الحالي ظلت أجزاء كبيرة منه سرية".
وأوصى
المراقب بأن "يعرض مكتب رئيس الوزراء أمام الحكومة اقتراحا رسميا لإدارة التعامل
مع قضية الأسرى، وتحديد المكتب الذي سيتولى التعامل معها، مع التأكيد على أن نتنياهو،
الذي قاد صفقة شاليط، لم يؤيد توصيات اللجنة علناً رغم الحاجة لسياسة وطنية بشأن
هذه القضية، ووجد المراقب أن منسق شؤون الأسرى عمل على مدى سنوات دون معرفة مضمون دوره
ومسؤولياته، أو تحديد صلاحياته، وتم العثور على أوجه قصور في عمله وإدارته".
وأكد
أن "مكتب رئيس الوزراء اتفق مع المنسق دون تخطيط المطلوب منه، والمخرجات المتوقعة
من عمله، ولكن في الواقع لم يكن لدى الوزارة معلومات كاملة تسمح بفحص لأي مدى حقق المنسق
أهدافه، كما أنه لم يحدد مكتب رئيس الوزراء واجهات عمل المنسق مع الأجهزة الأمنية المختلفة
ووسائلها المتاحة له، بما في ذلك القوى العاملة المطلوبة. ورغم أن الحكومة لم تقبل
اقتراح لجنة شمغار، فإنها لم تضع صيغة مختلفة للتعامل مع القضية، رغم نقص التخطيط والمعلومات".
وأوضح
التقرير أنه "عثر على نقص آخر في إدارة العلاقة مع عائلات الأسرى، حيث عمل مكتب
رئيس الوزراء على مدى سنوات دون تحديد شكل إدارة الاتصال معها، واكتفى بالقول إن المنسق
سيدعى لكل اجتماع لرؤساء الأجهزة الأمنية مع العائلات، رغم أن لجنة شمغار أشارت إلى ضرورة
إرساء رسمي لصيغة اتصال المنسق معها، حتى إن إحدى العائلات أبلغت ديوان مراقب الدولة بأن محتوى اجتماعاتهم مع المنسق فارغة من المحتوى، لأنه لم يقدم معلومات مهمة".
وأشار
إلى أن "هناك فجوة حقيقية بين موقف لجنة شمغار والوضع الفعلي في ديوان رئيس الوزراء،
فكم المعلومات الكبيرة في المكتب، بما في ذلك في أيدي المنسق، لم يتم دمجها في المعرفة
المنظمة المتراكمة على مر السنين، والأخطر أنه تم إسناد مهمة إدارة الملف ليس لموظف
حكومي، أو جزء من وحدة حكومية، بل إنه يقدم خدمات للوزارة من خلال عقد لمدة محددة، ما
يشكل مصدرا لانتقاد هذا الاتفاق، والمكافأة الممنوحة للمنسق عن عمله، لأن عدد ساعات
عمله في السنوات الأربعة تراوحت بين 1900 و2000 ساعة تقريبًا، دفعت الحكومة مقابلها
2.74 مليون شيكل بين كانون الأول/ ديسمبر 2017 وأيار/ مايو 2022، وهذا مبلغ كبير".
تكشف
هذه الانتقادات القاسية أن جزءًا من إعاقة إبرام صفقة تبادل جديدة يعود لأسباب إسرائيلية
داخلية، ما أثار الإحباط في أوساط عائلات الأسرى الإسرائيليين، واتهامهم للحكومات
المتعاقبة بالتردد في حسم هذا الموضوع، ما قد يعرض حياة أبنائهم الأسرى في غزة للخطر،
كلما مر الوقت.
ويؤكد تقرير مراقب الدولة في ضوء ما كشفه أن المستويين السياسي والعسكري الإسرائيليين،
لم يكن لديهما استراتيجية في ما يتعلق بأسراهم في غزة، بل إنهما فوتوا الكثير من الفرص
لطي صفحة هذا الملف، ربما لأنهما يخشيان التدخل والانخراط بجرأة في هذه القضية خوفًا
من النقد العام والتكلفة السياسية، ما يؤكد أن معظم ما نشره الاحتلال من تسريبات وأخبار
حول الصفقة التي طال أمدها ما هو إلا نثر للرماد في عيون عائلات الجنود حتى يومنا هذا.