صحافة دولية

WP: دعم الحرب بأوكرانيا يتسبب بانقسام الكنيسة الأرثوذكسية

تسبب كيريل في انقسامات عميقة في الكنيسة الأرثوذكسية العالمية بعد دعمه العلني للحرب في أوكرانيا- جيتي
تسبب كيريل في انقسامات عميقة في الكنيسة الأرثوذكسية العالمية بعد دعمه العلني للحرب في أوكرانيا- جيتي

نشرت صحيفة "واشنطن بوست" تقريرا للصحفية جين والين قالت فيه إن رئيس الكنيسة الأرثوذكسية الروسية يقود رعاياه من كاتدرائية شاهقة مطلية بالذهب بُنيت للاحتفال بانتصار روسيا على نابليون، ويعمل طيلة الوقت على ضمان اتفاق جميع أتباع الكنيسة مع غزو بلادهم لأوكرانيا.

سواء من خلال التحذير من "الأعداء الخارجيين" الذين يحاولون تقسيم "الشعب الموحد" لروسيا وأوكرانيا، أو مباركة علانية للجنرالات الذين يقودون الجيش في الميدان، فقد أصبح البطريرك كيريل أحد أبرز مؤيدي الحرب. وتردد خطبه، وفي بعض الحالات تغذي، الخطاب الذي استخدمه الرئيس فلاديمير بوتين لتبرير الهجوم على المدن والمدنيين.

وردد كيريل عندما منح أيقونة مذهبة للجنرال فيكتور زولوتوف خلال قداس في كاتدرائية المسيح المخلص في موسكو في منتصف آذار/ مارس: "دع هذه الصورة تلهم الجنود الشباب الذين يؤدون اليمين، والذين يشرعون في طريق الدفاع عن الوطن الأم"، ورد الجنرال بأن الهدية الثمينة ستحمي القوات في معاركهم ضد "النازيين" الأوكرانيين.

وقال سيريل هوفورون، أستاذ علم الكنيسة والعلاقات الدولية والحركة المسكونية في يونيفرسيتي كوليدج ستوكهولم: "يجب أن يكون لأي حرب أسلحة وأفكارا.. في هذه الحرب قدم الكرملين الأسلحة، وأعتقد أن الكنيسة تقدم الأفكار".

في هذه العملية، تسبب كيريل في انقسامات عميقة في الكنيسة الأرثوذكسية العالمية، حيث أدان الكهنة في أوكرانيا، وأماكن أخرى في أوروبا والولايات المتحدة دعمه. حتى العشرات من رجال الدين من ذوي الرتب الدنيا في روسيا انفصلوا عن البطريرك البالغ من العمر 75 عاما، مضيفين توقيعاتهم إلى خطاب مفتوح يدين الغزو.

ذهب الكهنة الأرثوذكس في أوكرانيا إلى أبعد من ذلك بكثير. في نداء مفتوح الأسبوع الماضي، اتهم أكثر من 320 منهم البطريرك بـ "الهرطقة" وطلبوا من قادة الكنيسة العالمية إحضاره أمام محكمة لتقرير ما إذا كان ينبغي عزله.

وكتبوا: "ارتكب كيريل جرائم أخلاقية بمباركة الحرب ضد أوكرانيا ودعمه الكامل للأعمال العدوانية للقوات الروسية على الأراضي الأوكرانية.. من المستحيل بالنسبة لنا أن نبقى بأي شكل من أشكال الخضوع الكنسي لبطريرك موسكو".

لم يستجب البطريرك ومكتب الاتصالات الخاص به لطلبات صحيفة واشنطن بوست التعليق على الأمر.

ووصف الخطاب المنشور على الإنترنت كيريل بأنه مؤلف رئيسي لـ "أحد الأسس الأيديولوجية لهذه الحرب"، وهو مبدأ يُعرف باسم "روسكي مير" أو "العالم الروسي". يفترض المفهوم -وهو موضوع ثابت في خطب البطريرك- أن شعب روسيا وأوكرانيا وبيلاروسيا هم حضارة واحدة متحدة تنبع من معمودية القرن العاشر للقبائل السلافية في كييف، والتي كانت آنذاك مركز الأراضي المعروفة باسم روس.

قد تبدو هذه العقيدة بالنسبة للبعض سلمية وشاملة، لكن المنتقدين يقولون إن روسيا تستخدمها لإعادة تأكيد هيمنتها على الأراضي التي كانت تسيطر عليها خلال الإمبراطورية الروسية والاتحاد السوفيتي.

اعتنق بوتين العقيدة في خطاباته الأخيرة، مدعيا أن أوكرانيا لم تكن موجودة في الواقع كدولة منفصلة وتبعت تاريخيا إلى أراض بقيادة روسيا. يقول المؤرخون إن هذا خطأ تماما.

وظهرت علامات انحياز الكنيسة للدولة في قداس في شمال غرب موسكو قبل عدة أيام. طلبت الصناديق المزينة بالصلبان الأرثوذكسية تبرعات للاجئين من منطقتين في شرق أوكرانيا حيث زعمت موسكو بلا أساس أن الناس يفرون من اضطهاد الدولة.

قالت أولغا، وهي معالجة تبلغ من العمر 42 عاما حضرت الصلوات، وتخشى الكشف عن اسمها الكامل: "ما يحدث هو كارثة بالنسبة لروسيا وأوكرانيا.. أدرك أن صمتنا مروع، لكن في الواقع العديد من الروس يعارضون بشدة هذه الحرب".

إنها قلقة بشأن التداعيات العديدة: "الآن علينا أن نتعايش مع هذا لبقية حياتنا، وربما حتى أحفادنا سيكرههم الأوكرانيون. لأننا معتدون في عيون العالم كله".

كانت الكنيسة الأرثوذكسية قوة مهيمنة في الحياة الروسية حتى الثورة البلشفية، عندما فرض السوفييت قيودا شديدة على المعتقدات الدينية وقاموا بتصفية العديد من الكهنة.

 

اقرأ أيضا: بوليتيكو: "بطريرك بوتين" يواجه نبذا كنسيا عالميا

أوضح أندريه كوردوشكين، الكاهن الأرثوذكسي الروسي في مدريد، أنه سُمح بإحياء صغير للدين خلال الحرب العالمية الثانية لإلهام "الدافع الوطني" في المجتمع. لكن الدولة أبقت سيطرة مشددة.

أعاد دستور روسيا ما بعد الاتحاد السوفيتي الحرية الدينية، مما أدى إلى زيادة عدد المعتقدين، حيث ارتفعت نسبة البالغين الذين يعتبرون مسيحيين أرثوذكسيين من 31% إلى 72% بين عامي 1991 و2008، وفقا لمركز بيو للأبحاث. ومع ذلك، كان حوالي 7% فقط يحضرون الكنيسة بانتظام اعتبارا من عام 2008.

تركت نهاية الحقبة السوفيتية "فجوة أيديولوجية" في المجتمع الروسي، وهو فراغ قال هوفورون إن كيريل سارع لملئه عندما ارتقى في صفوف الكنيسة وأصبح بطريركا في عام 2009. وقد تحول إلى عقيدة "روسكي مير"، كما فعل بوتين بعد خمس سنوات، عندما ضم شبه جزيرة القرم الأوكرانية.

كيريل، الحليف الذي أشاد ذات مرة بالسنوات الأولى لحكم بوتين باعتباره "معجزة من الله"، لم يتحدث علنا ضد الضم.

وصورت خطبه منذ بدء الحرب في أواخر شباط/ فبراير الماضي الأعداء الأجانب، وليس روسيا، بأنهم المعتدون الذين يحاولون تقسيم الدول المجاورة التي يصفها بـ "شعب واحد".

قال كيريل بعد أيام من غزو روسيا لأوكرانيا: "لا سمح الله أن يستهدف الوضع السياسي الحالي في أوكرانيا الشقيقة، القريبة منا، أن تسود قوى الشر التي قاتلت دائما ضد وحدة الروس والكنيسة الروسية".

بعد عدة أيام، وزع أحد مساعدي كيريل رسالة يطلب فيها من الكنائس قراءة صلاة تطلب من الله "إسقاط خطط الغرباء الذين يتحدثون بلغات أجنبية" الذين يريدون محاربة روسيا.

في 3 نيسان/ أبريل، احتفل كيريل بالقداس في كاتدرائية على مشارف موسكو بنيت للقوات المسلحة. درجاتها المعدنية مصنوعة من أسلحة ألمانية صهرت بعد الحرب العالمية الثانية وتصور فسيفساؤها مشاهد المعارك.

قال كيريل، مشيرا على ما يبدو إلى الولايات المتحدة: "معظم دول العالم الآن تحت التأثير الهائل لقوة واحدة، والتي تعارض اليوم، للأسف، قوة شعبنا.. يجب على جميع أفراد شعبنا اليوم أن يستيقظوا.. وأن يفهموا أنه حان الوقت الذي قد يعتمد عليه المصير التاريخي لشعبنا".

تبنى بعض الكهنة الروس لغة مماثلة أو حتى أقسى في خطبهم، بينما ضغط الأساقفة على رجال الدين حتى لا يعارضوا الحرب علانية، وفقا للعالم الديني سيرغي تشابنين، وهو محرر سابق لدار نشر بطريركية موسكو وهو الآن زميل بارز في مركز الدراسات المسيحية الأرثوذكسية بجامعة فوردهام.

قال تشابنين: "العشرات من أصدقائي في روسيا، من القساوسة، يقولون 'نحن نحاول التحدث إلى رعايا أبرشيتنا لنقول إنه لا يمكنكم الوثوق في دعاية الدولة'. لكن هذه حوارات خاصة، وليست علنية، بسبب هذا الضغط".

ومع ذلك، تحدث قساوسة آخرون علانية، بما في ذلك واحد في مدينة ريازان الروسية تم فصله بسبب منشوراته المناهضة للحرب على وسائل التواصل الاجتماعي. تم تغريم آخر بالقرب من مدينة كوستروما من قبل السلطات لمعارضته العلنية.

كما اندلعت ردود فعل عنيفة في العديد من الأبرشيات خارج روسيا التي يشرف عليها بطريرك موسكو. قطعت إحدى الكنائس الأرثوذكسية الروسية في أمستردام علاقاتها الشهر الماضي وتسعى للانضمام إلى فرع الأرثوذكسية في إسطنبول.

أصدر رئيس الكنيسة الأرثوذكسية في ليتوانيا، وهي جزء من بطريركية موسكو، بيانا جريئا ضد الحرب وقال إن المسيحيين الليتوانيين سيسعون إلى "استقلال أكبر للكنيسة".

وقال متروبوليتان إنوكنتي من فيلنا وليتوانيا في بيان: "ندين بشدة حرب روسيا ضد أوكرانيا وندعو الله أن ينهيها بسرعة.. كما قد تكونوا لاحظتم، لدى البطريرك كيريل وجهات نظر وتصورات سياسية مختلفة للأحداث الجارية. تصريحاته السياسية حول الحرب في أوكرانيا هي رأيه الشخصي".

يكاد يكون من المؤكد أن تزداد هذه التمزقات إذا استمر كيريل في الدفاع عن القتال. سيستمع الكثيرون في الكنيسة إلى كلماته في 24 نيسان/ أبريل بمناسبة الاحتفال بعيد الفصح الأرثوذكسي.

يأمل أندريه بينشوك، أحد القساوسة الأوكرانيين الذين طالبوا بتقديم كيريل أمام محكمة كنسية، أن يتم تجريد البطريرك من منصبه. والأفضل من ذلك، رغم أنه قد لا يكون ممكنا هو "طرد البطريرك كيريل من الكنيسة وإعلان لعنة له".

التعليقات (0)