قضايا وآراء

لماذا غياب البرلمان المصري الحقيقي هدف انقلابي؟

جمال حشمت
1300x600
1300x600

قبل انتخاب الرئيس مرسي رحمه الله ناقش مجلس الشعب كثيرا من الموضوعات التي لم تأخذ حظها من الإعلام الذى كان يكذب ويدعي كذبا انشغال البرلمان بقضايا مثل زواج الأطفال وجماع الميتة وتحريم تعلم اللغة الإنجليزية، بينما الموضوعات التي تم نقاشاها واستغرقت 822 ساعة في 38 جلسة عامة و917 اجتماع للجان النوعية التي استغرقت 2602 ساعة، وصدر 325 تقرير و231 مذكرة بموضوعات مختلفة من هذه اللجان.

وكانت محاور الاهتمام أولا استحقاقات الثورة، ثانيا النشاط السياسي للمجلس، ثالثا النشاط التشريعي للمجلس، وكان فيه قصور لأهمية ما كان مطلوبا بشكل عاجل، ورابعا النشاط الرقابي الذى حاز على جزء كبير من وقت المجلس، وخامسا النشاط النوعي للجان، وسادسا الدبلوماسية البرلمانية، وكان أهم الإنجازات: ملف قتل المتظاهرين ـ وتعويضات أسر الشهداء والمصابين ـ تشكيل لجنة لتقصي الحقائق، والتي لم تستكمل دورها لحل البرلمان.

وقد استدرك الرئيس مرسي بعد انتخابه ذلك الأمر بإصداره قرارا بتشكيل لجنة قضائية وثقت الجرائم والمخالفات التي تمت بمعرفة الداخلية أثناء الثورة، وهو المعروف باسم تقرير نيابة الثورة، وقد صدر في ثلاث مجلدات بعد الانقلاب العسكري شاهدا على جرائم الوزارة ضد الشعب المصري.

كذلك، تم تشكيل لجنة لتقصي الحقائق فيما يخص الأموال التي تم تهريبها من رجال السلطة قبل الثورة لكنها توقفت عقب حل البرلمان بقرار من المجلس العسكري تحت مبرر حكم الدستورية الذي خالف أعراف المحكمة الدستورية، وهذا أيضا تم استكماله بعد انتخاب الرئيس مرسي في مجلس الشورى وعين له وزيرا في حكومة د. هشام قنديل لمتابعة الخطوات التي يتم اتخاذها مع استكمال ملف التحقيقات والمحاكمات التي كانت شرطا لاسترداد الأموال من الخارج، وحال بين ذلك الانقلاب العسكري وتبرئة كل المسؤولين من قضاة الانقلاب!

كما من سوابق المجلس رفض برنامج الحكومة (حكومة الجنزوري الذى عينه العسكر) بعد 21 جلسة تحدث فيها 773 عضوا من كافة الانتماءات الحزبية، وتم رصد كثير من المخالفات من حيث القضايا الأمنية وقضايا العدالة الاجتماعية والرعاية الصحية والسياسات الاقتصادية وقضايا الفساد وفقدان مصر لمواقفها المتميزة في محيطها العربي والإقليمي، وهنا قرر المجلس في سابقة لم تحدث من قبل برفض برنامج الحكومة بأغلبية 743 وتحفظ 9 ووافق عليه 6 أعضاء وامتنع عن التصويت 3 أعضاء.

وبالنسبة لسوابق البرلمان القانونية فقد أصدر مجلس الشعب 9 قوانين من أهمها قانون الانتخابات الرئاسية الذي ضمن نزاهة الانتخابات بالفرز في اللجان الفرعية تحت إشراف القضاة وإعطاء كل مندوب صورة من النتيجة موقعة ورسمية.

كما أن هناك 10 قوانين تم الانتهاء منها ولم تعرض للموافقة النهائية بسبب حل البرلمان، وكذلك 3 قوانين حصلت على موافقة من حيث المبدأ وكانت معروضة على اللجان وتوقف كل ذلك بسبب قرار الحل الذي أهدر أصوات 32 مليون مصري لإرادة العسكر الفاسدة!

أيضا تقدم النواب بـ 242 اقتراح بمشروعات للقوانين وتوقف أيضا بسبب الحل، لكن مجلس الشورى بعد أن منحه قرار الرئيس صلاحيات التشريع والرقابة حتى لا يتحمل الرئيس وحده هذا العبء فشارك مجلس الشورى في سن القوانين ومراقبة الآداء الذى فضح فيما بعد حجم التلاعب بمصالح المصريين وثروات مصر لذا فقد قام مجلس الشورى بدوره الرقابي لمحاسبة الوزارات السيادية قبل العادية فوجدنا من طالب بإقالة وزير الداخلية وتمت مناقشة موازنة الوزارة بشكل تفصيلي كما تم توفير ملايين من موازنات وزارات سيادية وخدمية كانت خطوته التالية هي إنشاء مجلس أعلى للمؤسسات الرقابية كما ذكرت من قبل لتوحيد عملها وتحسين آدائها.

بخلاف ذلك، مارس مجلس الشورى دوره في تحسين الصورة الدبلوماسية والسياسية لمصر باجتماعاته المتكررة بسفراء دول العالم مقسمين إلى قطاعات بالتعاون مع وزارة الخارجية بل شرعت لجنة العلاقات الخارجية بلقاء السفراء الجدد المرشحين لتولى مناصبهم في دول العالم قبل ان يسافروا إلى أعمالهم !

وتحت مظلة مجلس الشورى التشريعية تم إصدار قوانين مكملة لما أصدره مجلس الشعب للمعاشات ورعاية المرأة المعيلة، حيث استفادت 489 ألف امرأة من التأمين الصحي وكذلك 1.2 مليون طفل قبل سن الدراسة ـ كما استفاد من تثبيت العمالة المؤقتة وتقنين أوضاعهم 593 ألف عامل وقد استفاد 1.9 مليون موظف من رفع الحد الأدنى للأجور واستفاد 1.2 مليون معلم من الكادر الخاص بالمعلمين كما استفاد 150 الف عضو هيئة تدريس جامعي و58 ألف خطيب وإمام من تحسين أوضاعهم واستفاد محدودو الدخل بمنظومة الخبز الجديدة ودعم منتجات البترول بمبلغ 74 مليار 400 مليون جنيه وقد تبخر كل ذلك بعد الانقلاب العسكري كأنه كان لحرمان الشعب من أي إصلاحات حقيقية واستبدلها بالطرق والكباري والعاصمة الادارية والقصور الرئاسية !

 

لقد كان للرئيس مرسي موقفا واضحا من الفساد والمفسدين والاستبداد والمستبدين وحاول جاهدا بذل الجهد لضبط الأمن مع وزارة كان وزيرها يقدم له تقارير كاذبة، وصرح كثير من ضباطها أنهم في إجازة لمدة اربع سنوات وحسبنا الله ونعم الوكيل، وكل ذلك دروس وصلت رسائلها للشعب المصري حتى يحسن التعامل في هذه القضايا الشائكة..

 



لقد اختفى من يمثل الشعب بشكل حقيقي بعد الانقلاب، حيث قامت المخابرات الحربية والأمن الوطني بتعيين من وجدوا فيه كفاءة التطبيل والتمكين للانقلاب العسكري فسيطروا على رقاب العباد وقهروهم وفرطوا في ثروات البلاد من غاز وذهب ونفط ونهر النيل، ومنعوا مشروعات الاكتفاء الذاتي من السلع الاستراتيجية كالقمح وباعوا الأرض في سيناء وتيران وصنافير ورفح فشتان بين رئيس منتخب بإرادة شعبية ينشغل بحماية شعبة والحفاظ على كرامته ودعمه لمقاومة الفقر والتهميش وبين تشكيل عصابي انشغل بنفسه وحوارييه فلم يصدر قانون واحد لدعم الشعب في مواجهة الفقر والإقصاء بل صدرت عشرات القرارات والقوانين لدعم رجال الشرطة والجيش والقضاة وكل من يخدم النظام ويروج له بالباطل ويبرر كل جرائمه منذ استولى على الحكم بالحديد والنار وسفك دماء المصريين ونشر الحزن والكآبة في حياة المصريين!


كذلك تصدى مجلس الشورى في زمن الثورة للعدالة الانتقالية بعدما حل مجلس الشعب وشكل لجنة لتقصي الحقائق وأنشأ نيابة الثورة التي أصدرت تقريرها الذي تم نشره في ثلاث مجلدات بعد الانقلاب العسكري ليكون شاهدا على جرائم الانقلابيين في حق شعب مصر البطل ـ كما تم تقديم التعويضات لأسر الشهداء والمصابين ومن تعرضوا للتعذيب في زمن المخلوع مبارك بينما لم يتم التحقيق حتى الآن فيما أقدم عليه الانقلابيون من قتل وتعذيب للمصريين في حوادث شهدها العالم كله ومازال القتلة فيها طلقاء بعدما نفذوا مذابح المنصة والحرس الجمهوري ورابعة ومسجد الفتح وميادين اسكندرية والمنصورة وكل شوارع مصر ضد عزل أبرياء ومازال النزيف مستمرا وقد أمن المجرمون من المحاسبة والعقاب حتى اليوم !
  
باختصار كانت المسؤوليات في برلمان الثورة أثقل وأضخم لأنه من المفروض أن حزب الحرية والعدالة كان يمثل الأغلبية دون أن يملك أدوات السيطرة على الدولة !

لذا تعامل الجماهير معنا لم يكن مثلما كان في برلمان مبارك بل كانوا يطلبون منا ما أنكرناه على حزب الأغلبية في عصر مبارك من وساطات وتدخلات غير قانونية وميزات للبعض ومحاباة على حساب العدالة وهو ما رفضنا ممارسته فظن الناس أن ذلك تكرار لمسيرة الحزب الوطني.

وقد تشابهت الظروف عندما تآمرت على الرئيس المنتخب مؤسسات الدولة العميقة واتسمت استجابتها ببطء شديد كأن لا ثورة قامت ولا تغيير حدث.

لقد كان للرئيس مرسي موقفا واضحا من الفساد والمفسدين والاستبداد والمستبدين وحاول جاهدا بذل الجهد لضبط الأمن مع وزارة كان وزيرها يقدم له تقارير كاذبة، وصرح كثير من ضباطها أنهم في إجازة لمدة اربع سنوات وحسبنا الله ونعم الوكيل، وكل ذلك دروس وصلت رسائلها للشعب المصري حتى يحسن التعامل في هذه القضايا الشائكة..

فيما بعد حاول الرئيس الذى يتهمه رجال أمريكا أنه ومن معه كانوا لا يصلحون لإدارة دكان ولعلهم كانوا يقصدون دكانا أمريكيا بمواصفات العبيد! حاول الانفتاح على العالم من خلال زياراته ليحفظ لمصر مكانتها وسط الأمم وليؤمن مستقبلا أفضل لشعبه فزار السعودية واتفق معها على خط ائتمان لتمويل الصادرات بقيمة 750 مليون دولار واتفاقية لتمويل ثلاث مشروعات في مجال الصوامع وتجديد أدوات الري والشرب بقيمة 230 مليون دولار.

لكن للأسف فضل حكامها دفع المليارات للإطاحة والانقلاب على الدكتور مرسي! كما زار قطر وتم الاتفاق على تقديم مساعدات لمصر بقيمة مليار دولار إلى جانب 3 مليار أخرى في صورة سندات وقدمت 3 شحنات غاز هدية للشعب المصري وقد دفعت ثمن هذا الدعم بحصار ومقاطعة لفترة ممن حولها وخرجت منه أقوى والحمد لله.

كما زار السودان واتفق على زراعة مليون فدان قمح بالمشاركة واقامة منطقة صناعية في شمال السودان ـ كما زار تركيا وفد قدمت وقتها عرضا لمصر بقرض قيمته مليار دولار وتمويل مشروعات في مجال الغزل والنسيج والنقل العام بمقدار مليار دولار.

أيضا زار الصين واتفق على تطوير المنطقة الصناعية شمال غرب خليج السويس ومشروعات لتمويل البنية التحتية بينما لا نسمع الان سوى الشراكة في إنشاء مدينة العزل الرباني لنظام الانقلاب المعروفة بالعاصمة الادارية الجديدة ـ كما زار الهند وباكستان وإيطاليا وألمانيا وجنوب إفريقيا وأثيوبيا وأوغندا وقد بذل ذلك المجهود في عام واحد وسط حصار وتهديد وتشويه وتآمر من نخبة علمانية وعسكر ودولة عميقة وشعب سيطر علي عقله الإعلام الكاذب المحرض على الفوضى وشوه صورة النظام الديمقراطي الوليد..

 

سيظل د. مرسى أيقونة كفاح وصمود أمام المفسدين وسيبقى أروع وأنقى وأعظم وأخلص من تولى حكم مصر خلقا وعلما وسلوكا.. وسيبقى رمزا لأمل المصريين في حياة كريمة ولعل الشعب المصري قد استشعر الآن قيمة ما كان يمثله

 



الحقيقة أن هذا العام الذى حكم فيه د. مرسي في حاجة لدراسة تفصيلية لمعرفة ما تم وما كان يجب أن يستكمل وما كان يجب أن يتوقف، حيث أنها محاولة كانت مخلصة وسعى صادقا لتتجاوز مصر المرحلة الصعبة التي يجب أن تمر بها لتصبح دولة حديثة مدنية ديمقراطية تنتمى لأمتها الإسلامية بعيدا عن العسكرة والتغريب.

لقد اجتهد د. مرسى ومن حوله ومن شاركه في ترسيخ هذه التغيرات الجذرية على أرض مصر، ربما يكون هناك تقصير في التصور أو الآداء لكنه أبدا ومن معه لم يخونوا أو يفرطوا أو يستسلموا لعدو داخلي أو خارجي فكان لابد أن يدفع الثمن وتتوقف مسيرته التي تحرر إرادة مصر وتمنح للمصريين حريتهم وكرامتهم وقد صرح بذلك السيد البدوي رئيس حزب الوفد وقتها "إذا أكمل مرسى سنواته الأربع في الحكم فسيحكمنا الإخوان 400 عام".

واستمر العنت في التعامل معه وكل مؤيديه والإهانة المتعمدة من حثالات الأمن والقضاء حتى فارق الحياة في سجون الظلم والاستبداد ثابتا لم يفرط ودفع حياته ثمنا لحرية مصر.. وسيظل د. مرسى أيقونة كفاح وصمود أمام المفسدين وسيبقى أروع وأنقى وأعظم وأخلص من تولى حكم مصر خلقا وعلما وسلوكا.. وسيبقى رمزا لأمل المصريين في حياة كريمة ولعل الشعب المصري قد استشعر الآن قيمة ما كان يمثله ولعل هذا الشعور والإفاقة تستمر في التنامي باستعادة الوعى لفهم ما حدث حتى يحين الوقت لفهم معانى كلماته الأخيرة وهو يحذر من سرقة الثورة والتفريط في الشرعية التي هي إرادة الشعب المصري الذى يمنح ـ هو فقط ـ تلك الشرعية والحفاظ على أبناء وبنات مصر الذين هم مستقبل البلاد إن شاء الله بدلا من التيه والضياع والفساد الذي يغرق فيه أبناء مصر.
 
نسأل الله أن يتجمع أبناء مصر كلهم رغم الأخطاء التي وقعت من كل الأطراف على قلب رجل واحد لنبدأ تغييرا شاملا لا يقف أمامه خائن داخلي أو متآمر خارجي بعد استيفاء متطلبات التغيير الحقيقي لندرك أن الثورة تغيير شامل لا تغيير جزئي وتلك أولى المتطلبات.


التعليقات (0)