"لَم
أقُل لكِ بالطبعِ، المعرفةُ هي المُعاناة. وما عّذاباتُك؟ أهي مِن نوعٍ آخرَ لستُ أدري
ما هو؟ الحِكَم الرّثّة المُبتَذَلَة، والحقائقُ ذاتُ الوجهِ الممسوخ، والأحجارُ المكسورةُ
السِّيقانِ التي تَحمِلُ في داخِلِ رُخامِها جذوةً خضراءَ اللَّهَب."
وسطَ
هذا الفَيَضان مِن الصُّوَر المتداخِلَة التي تكوِّنُ مَتاهةً بَيانيَّةً بالغةَ الصعوبةِ،
يَشُقُّ القارئُ طريقَه، مُحاوِلًا الوصولَ إلى ما يَقصِدُه الروائيُّ الكبيرُ الرّاحل
إدوار الخرّاط بتلكَ العلاقة الملتبِسَة بين ميخائيل ورامة. ففي المِثال السابِقِ بلسان
الرّاوي البَطَل "ميخائيل"، إذا استطَعنا تصوُّرَ الحقائقِ ذاتِ الوجهِ الممسوخ،
فأنَّى لنا أن نتصوَّرَ تلك الأحجارَ ذاتَ السيقان المكسورة، فضلًا عن أن نتصوَّرَ
جذوةً خضراءَ اللهبِ داخِلَها؟! ما دَلالَةُ ذلك بالضبط؟! وما حتى وَجهُ شاعريَّتِه؟!
أفهمُ أن تَجنَحَ الشاعريّةُ إلى تجاوُز الأنساقِ البيانيّةِ المستقرّةِ والعلاقاتِ
المباشِرة بين الكلماتِ، لتقفزَ خطوةً فوقَها، وتؤسِّسَ لمَعنىً ما مِن خلالِ علاقةِ
العِبارَةِ بما يسبقُها ويَتلوها. لكن أن نقفِزَ في الهواءِ خطوتَين وثلاثًا ونعصِرَ
أذهانَنا لنحاوِلَ اكتناهَ علاقةِ العبارةِ بجِيرانِها دُونَ جدوَى، فما هذا إلّا تَداعٍ
لفظِيٌّ، ربّما يكونُ مقصودًا على سبيلِ الانتصارِ لنظريّةِ مُصادَفَةٍ ما، لكن يَلُوحُ
لي أنّه يَصعُبُ حتى أن نربِطَه بتيّار الوَعي، ففي تيّار الوعي تتقافَزُ الأفكارُ
إلى الورَقةِ على نحوِ ما تفعلُ في أذهانِ الأبطالِ أو ذِهنِ الرّاوِي، لكن في أيةِ
لحظةٍ من حياتِه يفكّرَ الإنسانُ في حجَرٍ مكسور السيقان في داخِلِ رُخامِه جذوةٌ خضراءُ
اللهَب؟!
تَدور
أحداثُ الروايةِ في أزمنةٍ متداخِلَةٍ لا نستطيعُ تبيُّنَها بدِقّةٍ تامّةٍ، وإن كان
يبدو أنّ خطَّ الأساسِ الذي يبدأُ ميخائيل عندَه تذكُّرَ تفاصيلَ كثيرةٍ في علاقتِه
برامة يَقَع في منتصف أو أواخر سبعينات القرن العشرين، وتعودُ ذكرياتُهما كُلٍّ على
حِدَةٍ إلى الأربعيناتِ والخمسينات، فميخائيلُ يَذكُر أنه قد خرجَ في تظاهُرات الشُّيوعيين
مع نكبة فلسطين سنة 1948 ورامةُ تذكُرُ مشاركتَها الفدائيِّين في أعمال المقاومة الشعبية
إبّان العدوان الثلاثيّ سنة 1956.
لكنّ
الخيطَ الذي ينتظمُ ذكرياتِ ميخائيلَ متّصِلٌ برامةَ فحسبُ، فهي مِحوَرُ تفكيرِه ووجودِه
كلِّه، وكلُّ ما عدا ذلك – وهو نَزرٌ يسيرٌ – لا يَعدو أن يكونَ هامشا. هذا في الوقت
الذي تَسرَحُ فيه ذكرياتُ رامةَ في اتجاهاتٍ عِدّةٍ، معظمُها يتعلّق بنضالِها السياسيّ،
وإن كان فيها كذلك مغامراتُها العاطفيّة والجنسية، كعلاقتِها بالأستاذ الأمريكيّ المُقيمِ
في مصر ريتشارد الذي اضطُرَّ لمغادرةِ البلادِ إثرَ قطع العلاقاتِ بين مصر والولايات
المتحدةِ مع ازديادِ حِدَّة انتقادات جون فوستر دَلس للنظام الناصرِيّ. ومُفادُ هذه
النقطةِ أنّ رامة تبدو متشعِّبةً متعددةَ الاهتمامات في علاقتِها بالعالَم، بينما يبدو
ميخائيل أُحادِيَّ التفكيرِ، كأنّ رامة عقيدتُه ومَدارُ حياتِه فيما يُشبهُ مَدلُولَ
المُصطَلَح النفسيِّ السَاقِطِ مِن دائرةِ البحوث النفسيّة: الهَوَس الأُحادِيّ "Monomania"!
ولعلّه
من الأهمية بمَكانٍ أن نُقارِبَ مدلولَ "التّنّين" في عنوان الرّواية. يأتي
أولُ ذِكرٍ له في الرواية حين يَذكُرُ ميخائيلُ أنّ رامةَ قالت له ذاتَ مرّةٍ:
"أنتَ قتلتَ التّنّين". وربّما قالتها مُعابثةً، في إشارةٍ إلى حكاية التنّين
الذي قتلَه القدِّيسُ مارجرجس واستنقذَ منه الفتاةَ التي كان أهلُ إحدى القُرى بفلسطين
سيقدّمونَها قُربانًا للتّنّين الذي يسكنُ إحدى آبار الماء. ورامةُ هنا تُداعِبُ الحِسّ
الدّينيَّ لدى ميخائيل المرتبِط بتُراثِه القِبطيّ والصّادرِ عنه في كثيرٍ من أحلامِه
وفي رؤيتِه للعالَم.
بعد
هذه الإشارةِ يتكرّرُ وصفُ ميخائيلَ لإحساسِه بأنّ التّنّينَ لم يَمُت وإنما يعيشُ
داخِلَه ويتمطّى كلَّ حِينٍ ليُزَلزِلَ كِيانَه. ثُمّ يُذَيِّلُ كاتبُنا نَصَّه باقتباسٍ
مِن ديوان الحَلّاج: "نَدِيمي ليسَ منسوبًا إلى شَيءٍ مِنَ الحَيفِ/ سَقاني مِثلَما
يَشرَبُ، فِعلَ الضَّيفِ بالضَّيفِ/ فلَمّا دارَت الكأسُ دَعا بالنِّطعِ والسَّيفِ/
كَذا مَن يَشرَبُ الرَّاحَ مَعَ التِّنِّينِ في الصَّيفِ".
وكما هو شائعٌ في شِعر الصُّوفيَّةِ قد نَحمِلُ معنى
النَّديمِ على الإله، وعلى ذلك تكونُ غَدرَةُ النَّديمِ بضَيفِه هنا – إذ دعا بالبِساطِ
والسَّيفِ لينفِّذَ فيه حُكمًا بالإعدام – إشارةً إلى وصول المُحِبِّ في حضرةِ اللهِ
إلى حالِ الفَناء. لكنّ الحلّاجَ لا يلبَثُ أن يعودَ فيشبّه هذه الحالَ بحال مَن يُنادِمُ
التّنّين، ومِن هنا يأتي الذِّكرُ الأخيرُ للتنّين متوِّجًا حُضُورَه في الرواية.
وفي
تقديري أنّ هذا الاقتباسَ مفتاحٌ ثمينٌ، لا لفَهم رمزيّة التنّين فحَسبُ، وإنما لسَبرِ
أغوار الرّوايةِ والهَمِّ المؤرّق الذي صدرَ عنه كاتبُها. التنّينُ كائنٌ بالغُ القسوةِ،
وبقَدرِ ما يَصِفُ في أبياتِ الحلّاجِ مرحلةً من مراحل علاقةِ السّالِكِ المتصوّفِ
بالله، فهو خارجَ هذه الأبياتِ يقفُ عادةً رمزًا إلى الشّرّ المُطلَق، لا سيّما في
التراث المسيحيّ. ووجودُ الشّرّ وتهديدُه يستثيرُ فيمَن لديهم وازعٌ أخلاقِيٌّ – لاسيّما
مَن كان مِنبَعُ وازِعِهم حِسًّا دينيًّا هُم وَاعُون بوجودِه – شعورًا بالإثم والتَّحرُّج
من الوقوعِ فيه. وميخائيلُ من هذا النوع الأخير. فهو حتى حينما يغرقُ في النشوة الجسديّة
خلال علاقتِه الحميمةِ بِرامةَ يقولُ لنفسِه: "لا إثمَ هناك" كأنّه يُدافِعُ
هذا الشعورَ الذي يتهدّدُه باستمرارٍ ويحاولُ التملُّصَ من وازعِه الأخلاقيّ. هذا بينما
يَصِفُ هو نفسُه حبيبتَه رامة طيلةَ الروايةِ بأوصافٍ مِن شأنها أن تُلقِيَ في رُوعِنا
أنها امرأةٌ متحررةٌ تمامًا من الإثم.
ليس
ذلك فحَسبُ، وإنما هي تقريبًا مُنبَتَّةُ الصِّلَةِ بالدِّين على مستويات الاعتقادِ
والطُّقوس والسُّلوك بقَدرِ ما يرتبط ميخائيلُ بتُربتِه الدينية القِبطيّة، فهي حتى
في ذِكرى سَهَرِها في غرفةٍ واحدةٍ مع جُثمانِ أبيها حِينَ ماتَ، نَجِدُها صامتةً ساكنةً
ولكنّه ليس سكونًا صادرًا عن شُعورٍ دينيٍّ، وهذا ما يؤكده ميخائيلُ في سَردِه لتلك
الذكرى كما قصَّتها عليه. أضِفْ إلى ذلك أنّ ميخائيلَ يُلِحُّ على بحثِه المُضني عن
الواحِدِيّةِ، وتجلّيها الأبرَزُ هو دورانُه حول امرأةٍ واحدةٍ هي رامة، كما يّذكُرُ
لها ذاتَ مرّةٍ أنه آتٍ مِن ميراثٍ رَهبانيٍّ صحراويٍّ متقشِّفٍ زاهِدٍ لا يَعرِفُ
للحقيقةِ إلّا وجهًا واحدا. وفي مقابلِ ذلك يقولُ ميخائيلُ عن رامةَ إنها باحِثةٌ أبدًا
عن الكثرةِ والتعدُّد، وآيةُ ذلك تعدُّدُ علاقاتِها الجسديّة كما لو كانت تسبَحُ في
نهرٍ أبديٍّ من الرِّجال، وفي حوارِهما تصرّحُ له بأنها ترى جَمالًا في تعدُّد أوجُه
الحقيقةِ ويصفُها هو بأنها وثنيّةٌ وهي لا تُنكِرُ عليه ذلك.
هل نحن
أمامَ دِينٍ خالصٍ في مواجهة حضارةٍ خالصة؟! لنتذكَّر قولَ ميخائيلَ في حواره مع رامة،
الذي مُفادُه أنه قد اعتزلَ النّضالَ السياسيّ منذ زمنٍ، وكان أحد أهمّ دوافعه لاعتزالِه
أنه مؤمنٌ أنه لا شيءَ يساوي قتلَ إنسانٍ، فحتى تحقيقُ العدل لا ينبغي أن يقتضيَ قتلَ
إنسان. هذا في اللحظة التي كانت فيها رامة ثائرةً لأنّ أحدَ زملائها المُناضِلِين أُعدِمَ
بعد محاكمةٍ صُوريَّةٍ هزليّةٍ، وكانت غاضبةً وتقولُ إنها تريدُ أن تُمسكَ مسدَّسًا
وتقتُل، أي أنها بطريقةٍ ما لم تَكُن ترى غضاضةً في الاغتيال السياسيّ إن اضطَرَّت
إليه الظُّروف.
فهل
هي الحضارةُ في قسوتِها ونفعيّتِها النهائيّة ولامبالاتِها بأفرادِ الناسِ للوصولِ
إلى فردوسٍ مستقبَلِيٍّ جَمعِيٍّ متفلِّتٍ دائما؟! إنّ هذه اللامبالاةَ بالأفرادِ وأسمائهم
المتعيّنة تتجاوَبُ وما قالَته ذاتَ يومٍ لميخائيلَ وقد مارَسا الحُبَّ في الليلة السابقة،
إذ قالت إنها امرأةٌ، والمرأةُ بحاجةٍ دائمًا إلى الحُبِّ، وهي تّذوِي وتجِفُّ بدُون
الرِّجال. هكذا قالَتها، دون تحديدٍ لميخائيلَ أو لأي رجُلٍ، وإنما بصيغة الجَمع القاسيةِ
تمامًا على ميخائيلَ المُخلِص!
ومن
اللافِتِ أنّ ميخائيلَ في حديثِه عن ميراثه الرَّهبانيّ الصحراويّ يُذكِّرُنا بحديثِ
نُقّادِ الإسلامِ عن صُدورِه عن بيئةٍ صحراويّةٍ زاهدةٍ متقشّفةٍ مقتصِرةٍ على الضروريّاتِ
بما لا يتناسَبُ وثَراءَ البيئاتِ النَّهريّةِ التعدُّديّةِ ذات الحضارات العريقةِ
كما في مصر! وهو تشابُهُ أعتقِدُ أنّ ميخائيلَ لم يكن ملتفتًا إليه ولم يقصِده، وإن
كان علينا أن نتذكَّرَه لِما بَعد.
إذَن
فالتنِّينُ الذي يتمطّى ويزلزلُ كِيانَ ميخائيلَ من الداخلِ وقد ظُنَّ أنه قد قتلَه
هو هذا الإغراءُ بالانسكابِ في نَهر الحضارةِ القاسي الذي لا يَقِفُ أبدًا، وانعكاسُه
في علاقةِ بَطَلَينا هو رغبةُ ميخائيلَ القويّةُ في رامةَ لينتهِيَ واحدًا بين عُشّاقِها
الكثيرين، وهي التي قالَ عنها صديقُهما المُشترَك محمودٌ إنّها مارسَت الحُبَّ مع طُوبِ
الأرض! لكنّ تنّينَ الحلّاجِ الإلهِيَّ الجَليلَ لا يَبعُدُ عنّا كثيرًا، فالواقِعُ
أنّ المُنطلَقَ القبطيَّ الذي لا يُفلِتُ منه ميخائيلُ يُحِلُّ الإلهيَّ في البشريّ
على نَحوِ ما يعتقِدُ الأقباطُ في المسيح، وبذلك فإنّ بحثَ ميخائيلَ الذي ذَكَرناه
عن الواحديّة في شخصِ رامة هو نُزوعٌ إلى الإلهيِّ متجسِّدًا في شخصِ هذه المرأة المتعددةِ
الفيّاضةِ بجسدِها في إنسانيّةٍ تامّة.
غيرَ
أنّ رامةَ رغمَ انفلاتِها من رِبقةِ الدِّينِ على هذا النَّحو تَقِفُ رامِزةً إلى مُرَكَّبِ
الإسلامِ وحضارتِه بالتحديدِ من جهةٍ أخرى. نَجِدُ هذا ابتداءً من اسمِها الذي طالما
استخدمَه شعراءُ الصوفيّةِ في إشارةٍ إلى الحنين إلى مَهوَى الأفئدةِ في الحجازِ، حتى
ارتبطَ لدى كثيرين بمكّةَ رغم كونِه ليسَ عَلَمًا عليها. ثُمّ نَجِدُه في بعض ما نعرفُه
عنها من ثنايا الرواية، فهي تقولُ عن نفسِها إنها مسترجِلةٌ بعض الشيء، وتصرّح بأنها
لا تلبسُ الذَّهَبَ أبدًا (كما يفعلُ كثيرٌ من رِجال المُسلِمين استنادًا إلى الرأي
الفقهيّ الأشهَر في حُرمة الذهَب على الرِّجال)، وهي متعددةُ العلاقات إلى درجةٍ مذهِلةٍ
(ما يُذكِّرُنا بإحدى أبرَز صِفات الرَّجُل المُسلِم في مُخيِّلَة غير المُسلِمين)،
ويقولُ عنها ميخائيلُ إنّ الرِّجالَ والأشياءَ والأحداثَ تمُرُّ بها مُرورَ الكِرامِ
رغمَ منحِها جسدَها للجميع، لكنّ جوهرَها كامنٌ مستترٌ، حاولَ عَبثًا الوُصولَ إليه
دون جدوى، ما يُذكِّرُنا برأيِ مؤرِّخٍ مثلِ وِل ديورانت في الجزء الخاصّ بأديانِ الهِند
من موسوعته "قصّة الحضارة"، حيث يرى أنّ الإسلامَ دِينُ رُجوليٌّ لم يتأثَّر
بما حولَه من المَشارب والأديان وبَقِيَ على أصالتِه الأولى. وبذلكَ تتجاوبُ رمزيّتُها
الإسلاميّةُ الغريبةُ هذه واقتباسَ كاتبِنا من الحلّاجِ في ذَيلِ هذه الرواية، ومِن
أبي القاسِمِ الجُنَيدِ في مُفتتح الجزء الثالث من هذه الثلاثية "يقين العطش"،
فكأنّ التصوُّف الإسلاميَّ بما هو انصهارٌ لدِين الإسلام وحضارتِه يؤطِّرُ علاقةَ ميخائيلَ
بِرامة، وكأنّ تلك الحضارةَ التي يرتمي في حضنِها ويُريدُها ويَنفُرُ من انفتاحِها
على الجميعِ وأخذِها من كُلِّ بذرةٍ هي تلك الحضارةُ التي تَسَمَّت بالإسلاميّة، وقد
تأثَّرَت بكلِّ شيءٍ على السَّطحِ وبَقِيَ جوهرُها مغلَقًا مَصُونًا متعاليًا على محاولاتِ
التفكيكِ لا تَصِلُ إليه يَدُ عابث.
وفي
رأيي أنّ أهمَّ مشهدٍ في الروايةِ يتجاوبُ وهذه الرؤيةَ ويؤكِّدُها هو مشهدُ اجتراءِ
ميخائيلَ على أن يُفرِغَ مُحتوياتِ حقيبةِ رامة وقد تركَتها معه أمانةً، فما يلبثُ
أن يرى طبقاتٍ من التذكاراتِ المتنوّعة، إلى أن يَصِلَ إلى رسالةٍ قديمةٍ بخَطِّ اليَدِ،
تعودُ إلى صِبا رامة، مِن عاشِقٍ متواضعِ الخَطّ بسيطِ الأفكارِ والصِّياغة، أنهى رسالتَه
بتوقيعٍ تبيَّنَ فيه ميخائيلُ حَرفَي المِيمِ والحاء. حين بَصُرَ ميخائيلُ بهذه الرسالةِ
كان وَقعُها عليه شديدًا، رغمَ براءتها وبساطتِها ورغمَ ما يعرفُه عمّا تلاها من علاقاتٍ
جسديّةٍ متعددةٍ في حياةِ رامة. وحين يَصِلُ إلى إمضاءِ صاحبِ الرسالةِ يَنفُرُ منها
جِدًّا ويقولُ إنه واحدٌ من هؤلاء الذين يظنُّون في أنفُسِهم من الأهميةِ ما يسمحُ
لهم بأن يكتبوا أسماءهم بطريقةٍ سريعةٍ غير واضحة. وأرى أنّ جوهرَ رامة الذي يبحثُ
عنه ميخائيلُ هو هذه الرسالةُ وعلاقتُها المطمورةُ بصاحبِها الذي اسمُه غالبًا (أحمد)
أو (مُحَمَّد).
إنه
ذلك المُحِبُّ المحبوبُ المتواضِعُ الخَطِّ في اقترابٍ من الأُمِّيَّة، البسيطُ الصِّياغَةِ
كأنه يُعلِنُ لاهوتًا بسيطًا كذلك، صاحبُ الرسالة الكامنة في قلبِ حقيبة رامة رغمَ
منحِها جسدَها لعابري السبيلِ يبذُرون في تربتِه من فيض فحولتِهم ولا يترُكون شيئًا
من أحرُف أسمائهم، أو لا تسمحُ لهم هي بذلك. وميخائيلُ في النهايةِ يَعمَى عن هذا الجوهَر
الماثلِ أمامَه، ويطلبُه في تجلياتِ رامة كما تتراءى له، من طبقات الماضي في الشرق
والغرب، في إيزيس وكيريكي والعَنقاءِ والأمازونة إلى غيرِها ممّا يتراءى له!
انتهاءً،
أرى أنّ كاتبَنا الكبيرَ قد وضعَ في هذه الروايةِ مكنونَ صدرِ مثقَّفٍ قِبطيٍّ لا يستطيعُ
انفلاتًا من إرثِه الرَّهبانيّ الصحراويّ كما يقولُ بَطَلُه، ويرى العالَم من هذا المنظور،
ويواجِه الحضارةَ بتعدُّدِها ووثنيّتِها، فلا يستطيعُ مقاومةَ رغبته العارمةَ في الغرَقِ
فيها رغمَ رفضِه إيّاها، كرفضِ مارجرجس للتِّنّين. لكن في خضمّ هذه العلاقة الملتبسة
يُوحِي إلينا الخرّاطُ بأننا أمامَ ما اصطُلِح على تسميتِه الحضارةَ الإسلاميةَ، غيرَ
أنّ بطلَه يحاولُ أن يبحثَ عن جوهرِها ويُصِرُّ على التماسِه في تبدّياتٍ وتجلّياتٍ
تتراءى لمخيّلتِه، وعلى التعامي عن كونِه جوهرًا مُحَمَّدِيًّا وحدانيًّا صحراويًّا
مُتَمَاسًّا مع إرثِه مِن الرُّهبان. وربّما لهذا التعامي المُصِرِّ يَحدثُ التباسُ
الرؤية وتهوُّشُها. وربما لهذا جَمَحَ قَلَمُ كاتبِنا الكبيرِ وهو يُغرقُنا في التفاصيلِ
والتداعياتِ واعيًا كأنه يَرمي بنا في نهر الحضارةِ المَوّارِ، فخَلق تلك المتاهةَ
البيانيّة التي صدَّرنا حديثَنا بالتعرُّضِ لها، فصعَّبَ على القارئِ أن يشُقَّ طريقَه
خلالَها، إلّا إذا أسعفَه عَزمٌ صحراويٌّ كعزمِ الرُّهبانِ بالتأكيد.
2
شارك
التعليقات (2)
واحد من الناس
الثلاثاء، 15-02-202203:05 م
قصه من تأليف بشر وضع فيها فلسفه عقيمه قديمه و فزلكه تافهه و تلميحات و خزعبلات لتشويه الإسلام و كأنه يتحدى خالق البشر كما يستهتر بعقول المسلمين و يخلط الماء بالخمر و السم بالعسل...... فهل هناك ما يدعوا لقراءه مثل هذه القصه التي لا تضيف للعربيه الا ما اضافته قصائد الشعر الاباحيه لشعراء الجاهليه
نسيت إسمي
الثلاثاء، 15-02-202210:41 ص
1 ـ (رواية : "غضب العاصفة" سيباستيان غونغر) غضب العاصفة رواية تحولت الي فيلم سينمائي من بطولة جورج كلوني
وهي تحكي قصة حقيقة عن رجال شجعان وصراعهم مع البحر
أحد الروائع الأدبية التى تتمتع بشهرة عالمية تنفرد بها عن غيرها من الروايات ، لكن في هذه الرواية نجد أنها تحكي قصة حقيقة يعيشها شخصان في
صراعهم الطويل مع البحر ، هذه الرواية والتى أبدعها سيباسيبان جونغر.
اعتمد جونغر على مجموعة من الوثائق والدلائل الواقعية التى تكشف أن هناك ست أشخاص انتلقوا على متن مركب للصيد اندريا غايل وهذا المركب يوجد على صفة جورجز والتى تكون في المحيط الأطلسي بشرق ولاية ماساشوستيس الأميريكية .
تلك المنطقة معروفة بأنها من المناطق المحفوفة بالمخاطر ، أنا بالنسبة للمواقف التى عاشها هؤلاء الأشخاص فهى تبعاً لأقاويل بعض من الناس المقربين والذين أكدوا على هذه الوقائع ، ولذلك تلك الحورات حدثت بالفعل دون إدخال أى نوع من الخيال عليها .
رواية غضب العاصفة تحاكي نوع خاص من الغموض وهذا ما يضيف إليها أعلى مستوى من التشويق والأثارة ، فتلك الرواية أذهلت القراء إلى حد كبير ، فما حدث في تلك الرواية أحد الكوارث الطبيعية التى كانت في عام 1991 من خلال إصطدام ثلاث شكيلات مناخية بعيداً عن ساحل نوفاسكوتشيا الكندية .
هذه التشكلات نتجت عنها عاصفة جديدة من نوعها صدر عنها أمواج شديدة القوة وصلت إلى إرتفاع عالى جداً ، وسفينة الصيد هذه كانت إحدى ضحايا هذه السفينة ، هذه الرواية من الروايات التى تحاكي البعد الإنسانى والمشاعر الوجدانية التى عاشها هؤلاء أشخاص في أمواج البحر ، وما حدث ما عائلاتهم فيما بعد .
معدل تحميل رواية غضب العاصفة مرتفع جداً ، فهى من الرواية التى لاقت إعجاب العديد من الأشخاص في هذه الفترة ، هذه الرواية تشمل المواقف والأحداث التى حصلت بالفعل وهذا ما يزيد إلى الرواية من التشويق والإثارة. ترجمة : مصطفى ناصر الدار العربية للعلوم ناشرون بيروت. 2 ـ (بيت القبطية) تأليف أشرف العشماوي تدور أحداث الرواية حول مُحقِّق قضائي يحاول تتبُّع جرائم جنائية في قريةٍ صغيرةٍ بشمال الصعيد، فيُفاجأ بما هو أخطر: حوادث قتلٍ بغير باعثٍ منطقي، وحالات انتحار مُريبة، واحتراق زراعات وبيوت بدون سببٍ واضح، لتكبُر حالة الشَّك المصاحبة للجميع بمَن فيهم المُحقِّق، الذي يتقاطع مصيره مع سيدةٍ قبطيَّةٍ غامضةٍ. في هذه الرواية يغوص الكاتب أشرف العشماوي في نفوسٍ مُعقَّدةِ التركيب، ناسجًا أحداثه في عوالم جديدةٍ مُدهشة، ومفارقات مُضحكةٍ مُبكية، عبْر إيقاعٍ سرديٍّ جذاب، يُثري الفكر ويُثير الخيال، تاركًا مساحة رحبة من التأويل للقارئ. 3 ـ (شيكاجو) شيكاجو.. هل هى مجرد مدينة على أرض الأحلام أم مكان يعج بالبشر من كل الأجناس المختلفة؟.. أم عالم ملئ بالأحداث السياسية والعاطفية والإجتماعية صبه المؤلف فى قالب هذا الكتاب؟! أياً كانت الإجابة على هذا التساؤل فسنعرفها في رواية الأديب المتميز "علاء الأسوانى" الجديدة ،وكعادته هى ليست مجرد رواية ولكنها حياة مليئة بالبشر.. فتاة تعدت الثلاثين وطارت إلى هذه المدينة.. مثال ونموذج لشباب حياتهم بين الحب والسياسة والغربة.. ورجال يجرفهم الحنين إلى الماضى وأرض الوطن .. وآخرون تشتتوا بين الشرق والغرب فلا استطاعوا الهرب من الشرق ولا نجحوا في الإمتزاج مع الغرب وقيمه، وغيرهم من البشر والحكايات الكثير، كانت منفصلة ومتصلة وعاملها المشترك أنها على أرض واحدة تسمى" شيكاجو" .