ملفات وتقارير

الترجمة من وإلى العربية.. كيف تخدم القضية الفلسطينية؟

أكد خبير في شؤون الجيش والأمن القومي أن "الترجمات لها دور مهم في فهم الآخر"- عربي21
أكد خبير في شؤون الجيش والأمن القومي أن "الترجمات لها دور مهم في فهم الآخر"- عربي21

في يومها العالمي، سلطت "عربي21" الضوء على الترجمة المختلفة من وإلى اللغة العربية، وكيف يمكن لهذا الإنتاج المتنوع أن يخدم القضية والحق الفلسطيني.


وأقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة الاحتفال بـ"اليوم العالمي للغة العربية"، التي يتحدث بها أكثر من 467 مليون نسمة، في 18 كانون الأول/ ديسمبر من كل عام، وهو اليوم الذي أصدرت فيه الجمعية العامة قرارها رقم: "3190" عام 1973، والذي أقر بموجبه إدخال "لغة الضاد" ضمن اللغات الرسمية ولغات العمل المقررة في الأمم المتحدة، استجابة لمقترح قدم من المغرب والسعودية.


حرب الرواية ونقض العدو


وحول واقع الترجمة من وإلى العربية كوسيلة تواصل لفهم الآخر، خاصة تلك التي تهتم بما يصدر عن الاحتلال الإسرائيلي؛ وأهميتها في خدمة القضية الفلسطينية، قال هاني المصري، الخبير السياسي ومدير عام المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الاستراتيجية "مسارات": "الفلسطينيون والعرب وقعوا في خطأ كبير لمنحهم الاهتمام الكبير لترجمة الإصدارات العبرية، وجعلها في متناول ليس فقط النخبة والخبراء، وإنما في متناول الرأي العام".


وأضاف في حديثه لـ"عربي21": "تطور الأمر إلى استضافة السياسيين والخبراء الإسرائيليين في المنابر العربية، وهذا يصب في خدمة عدونا، بينما إسرائيل لا تقابل هذا الأمر بالمثل، وهنا يجب ألا نكون منصة للاحتلال".


ولفت المصري لوجوب "اطلاع المختصين على الإصدارات العبرية، من أجل رصدها، تفنيدها ونقضها والرد عليها، لا أن نقوم بترجمتها وعرضها لدى الرأي العام كما هي، كما يجب كشف التزوير والتهافت والضعف ومعاداة القانون والتاريخ والجغرافيا، إضافة لتقديم قراءة تاريخية وثقافية ورواية فلسطينية حقيقية للأحداث"، لافتا إلى أن "ما ينطبق على الدراسات الإسرائيلية ينطبق على الدراسات المعادية كافة".


وفي ذات الجانب، شدد على أهمية أن "يطلع أصحاب القرار والخبراء والمختصين والباحثين على كل شيء، من باب "اعرف عدوك"، وتفنيد ما يصدر عن الاحتلال لمعرفة طرق تفكير وتخطيط العدو، من أجل مواجهة أفضل".


ولفت مدير عام "مسارات"، إلى خطورة النقص الكبير في مراكز الأبحاث العربية التي تهتم بالاطلاع على ما يصدر عن الاحتلال وغيره، "بينما لدى إسرائيل مركز أبحاث لكل بلد وموضوع عربي"، معربا عن أسفه لعدم وجود استثمار واهتمام عربي كاف بهذا الجانب.

 

اقرأ أيضا: لأول مرة: قاعدة بيانات تحتوي ممتلكات الفلسطينيين المسروقة


وعن الرؤية المهنية الهادفة لما يصدر من ترجمات، خاصة تلك التي تهتم بالشأن الفلسطيني، نبه ‘إلى أن "أهم نقطة هي الرواية التاريخية، فنحن في حرب رواية، والعالم يعرف الرواية الإسرائيلية للأحداث كافة، والعرب يكررون تلك الرواية، وعلينا هنا أن ننقل الرواية الحقيقة التي تنصف الفلسطينيين للعالم بكل اللغات، وهذا يجب أن يكون أولوية في الاهتمام والاستثمار".


صناعة القرار وغربلة المواد


ورأى الخبير، أن العمل على تسويق الرواية الفلسطينية الحقيقة ومحاولة إقناع الناس بها، يتطلب اهتماما كبيرا وتخصيص الأموال اللازمة من قبل جهات رسمية وقيادية ورجال أعمال وغيرهم، مشيرا إلى أن "العالم تشرب الرواية الصهيونية طيلة السبعين سنة الماضية".


وتابع: "نحن أصحاب حق؛ وهذا لا يكفي، وقضيتنا عادلة ومتفوقة أخلاقيا، ولكنها بحاجة إلى محام جيد، لأن الفاشل يسيء لها، وهذا أيضا يتعلق بالاطلاع على الدراسات الإسرائيلية وما تقوله إسرائيل في المجالات كافة".


من جانبه، أوضح البروفيسور إبراهيم أبو جابر، مدير مركز الدراسات المعاصرة في مدينة أم الفحم بالداخل المحتلة عام 1948، وهو باحث وخبير في الشأن الإسرائيلي، أن الترجمة من وإلى العربية وخاصة من العبرية، "خدمت القضية الفلسطينية بشكل نسبي، من حيث فهم الآخر وروايته للأحداث، وأيضا من الناحية الفكرية".


وذكر في حديثه لـ"عربي21"، أن "هناك الكثير من المعطيات قريبة من الدقة يمكن العودة إليها؛ فيما يتعلق بقضايا السكان والسكن والأراضي وحقوق الإنسان، وهي أمور تفيد الباحث الفلسطيني"، لافتا إلى أن "منظمة التحرير الفلسطينية اهتمت بهذا الجانب عندما كانت في بيروت، وزاد الأمر بعد أوسلو".


وأوضح أبو جابر، أنه تم تأسيس العديد من المراكز التي اهتمت بهذا الشأن وبترجمة مختارات من إصدارات بعض مراكز الأبحاث الإسرائيلية المتعددة، ومنها؛ مركز "مدار" للدراسات الإسرائيلية في رام الله، مركز "الزيتونة" في بيروت، مركز دراسات الشرق الأوسط في عمان، إضافة إلى مركز "مدى الكرمل" في الداخل المحتل.


وأكد أن "هذه الترجمات يمكن أن تستفيد منها الجهات الرسمية الفلسطينية المختلفة، ويستفيد الباحثون والسياسيون وغيرهم؛ مما يرد فيها من معلومات وتوصيات ومقترحات في المواد المترجمة عن الإصدارات الإسرائيلية، وذلك في صناعة القرار وصنع السياسيات والتوجهات".


ونبه مدير مركز الدراسات المعاصرة، إلى أن الأبحاث والكتب وغيرها التي تصدر عن مختلف المؤسسات ومراكز الأبحاث الإسرائيلية، "يجب أن تمر قبل النشر على الرقابة، التي لن تسمح بنشر كل شيء، لذا تبقى هذه المنشورات تعبر عن وجهة نظر معينة، والإنسان غير مجبر أن يأخذ بكل ما ورد فيها؛ لأنه ليس كل ما ينشر فيها صحيح، مع احتمال وجود معلومات مدسوسة"، منوها إلى أنه "هذه الإصدارات، خاصة التي تهتم بالجانب السياسي والأمني، يفترض أن تترجم كما هي للجهات الرسمية وليس للنشر".


وحذر من خطورة التعامل مع "الإصدارات الإسرائيلية التي تهتم بالحديث عن الأنظمة العربية الرسمية أو المجتمعات العربية، فهي بحاجة إلى غربلة وإعادة نظر".


طواقم استشارية وقراءة حقيقة


وبين الباحث أن "هناك العديد من الأمور التي يمكن أن تستفيد منها، كمثال؛ خلال عملنا في توثيق النكبة الفلسطينية، أخذنا عن بعض المصادر والصحف العبرية التي نشرت روايات بعض الجنود، وتحديدا عن المذابح التي وقعت في مخيمات غزة في حربي 1956 و1967، كما أننا استفدنا من العديد من الكتب الإسرائيلية التي سمح بنشرها بعد مرور الفترة القانونية مثل كتاب "التطهير العرقي لفلسطين" الذي كتبه إيلان بابيه، وما ذكره أبراهام بورغ في كتاب له، وصف الجيش والحكومة الإسرائيلية بالنازية، وغيرهم".


ولقت إلى أن بعض الأحداث وعمليات الاغتيال لم يتم الحديث عنها من قبل المحافل العربية، بينما قام الاحتلال بالحديث عنها، مشيرا إلى عملية اغتيال وديع حداد (أحد مؤسسي الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين) في بغداد، وتحدثت منظمة التحرير أن وفاة حداد كانت بسبب نزيف داخلي، في حين كشف كتاب إسرائيلي صدر قبل 7 أعوام تقريبا، أن جهاز "الموساد" هو من اغتاله عبر الشكولاتة البلجيكية.


وفي نهاية حديثه، رأى أبو جابر أنه من المفيد أن يتم الاطلاع على ما يصدر أو ينشر من منشورات إسرائيلية وغيرها، لأنه "من تعلم لغة قوم أمن مكرَهم".


من جانبه، أكد الخبير البارز في شؤون الجيش والأمن القومي الإسرائيلي، فادي نحاس، أن "الترجمات لها دور مهم في فهم الآخر، ومن المهم أيضا معرفة من قام بالترجمة وأي مؤسسة تقف خلفها، وما هي نوعية الكتب المترجمة".

 

اقرأ أيضا: WP: اللغة العبرية ارتفع صوتها في دبي.. إسرائيليون بالآلاف


ونوه نحاس الذي ينشط في ترجمة بعض الكتب والمنشورات الإسرائيلية التي تعبر عن الموقف الإسرائيلي في اتجاهات مختلفة، وخاصة الجانب الأمني، ويتم نشر ترجمتها عبر مركز "مدار"، إلى أنه يحاول "قراءة الموقف الإسرائيلي، لأنه من المهم معرفة كيف يفكر الآخر، من أجل التأسيس لدراسة ما".


وأوضح في حديثه لـ"عربي21"، أن هناك نقصا في هذا المجال، وحالة من عدم اهتمام لدى القيادي الفلسطيني، لأن "هذا أمر يتعلق ببنك معلومات، وهو ما يتطلب وجود طاقم يختص بهذا العمل، وما ينجز يزود به صناع القرار"، منوها إلى ضرورة وجود "فريق يعطي استشرافا ودراسات للطرف السياسي وصناع القرار، ولكن هذا لا يوجد".


وذكر الخبير أنه خلال حديثه مع العاملين في السياق الأمني وليس الأكاديمي، "تبين أن هناك عدم معرفة، علما بأن العلاقة بين المستوى السياسي والأكاديمي في العالم بعيدة"، مضيفا: "ليس دائما اتخاذ القرارات يبنى على دراسات والرجوع إلى طواقم مختصة".


وشدد على أهمية أن يكون لدى صناع القرار والسياسية الفلسطينية، طواقم استشارية مختصة وفعالة ولديها القدرة على قراءة موقف الطرف الآخر، وتمنح ساسة فلسطين وجهات نظر مهنية.


وردا على تساؤلات "عربي21" في هذا التقرير، ذكر الباحث نحاس، أن ما يتم طرحه من تساؤلات واستفسارات "جدية وعميقة ومهمة" في هذا الجانب، تحتاج إلى ورقة بحثية خاصة في هذا الظرف الذي تمر به القضية الفلسطينية.

0
التعليقات (0)

خبر عاجل