أخبار ثقافية

سينما النظرة القبيحة إلى الإنسان.. "ذا بلاتفورم" و"باراسيت"

اتفق الفيلمان على الرؤية المتشائمة نحو الإنسان المعاصر- فيسبوك
اتفق الفيلمان على الرؤية المتشائمة نحو الإنسان المعاصر- فيسبوك

لا تترك الحمولة السيكولوجية الاجتماعية الثقيلة لمن يشاهد الفيلم الإسباني The platform للمخرج غالدر كاستللو يوريتيا، إلا أن يتذكر ذلك الصراع المحموم بين الفقراء والأغنياء في فيلم (parasite) الكوري الجنوبي للمخرج (بونغ جو هو)، وهو الفيلم الذي طبقت شهرته الآفاق، بعد فوزه بأكثر من جائزة في مسابقة الأوسكار لهذا العام.


وعلى الرغم من اختلاف الرؤية الإخراجية الفنية بين الفيلمين، والأجواء الغرائبية الكئيبة المسيطرة على الفيلم الإسباني، والمفارقة تماما لأجواء الكوميديا الواقعية السوداء المسيطرة على الفيلم الكوري، إلا أن ثمة مضامين مشتركة تجمع الفيلمين من ناحية النظرة المريعة المتشائمة نحو الإنسان المعاصر، وانعدام الثقة بمتانة البناء الأخلاقي لديه.


يختبر الفيلمان نوازع الخير والطيبة والإيثار في النفس الإنسانية، من خلال وضع الشخصيات في مصهر الصراع على الموارد المادية (الثروات الطبيعية والمالية)، ومراقبة سلوكهم تحت مجهر التحليل النفسي. وقد آلت نوازع الشخصيات في الفيلمين إلى نتائج كارثية من ناحية نزوع الشخصيات إلى إظهار أقصى سلوكيات العنف والقسوة والغرائزية الحيوانية في موقف الصراع على الموارد.


اتفق الفيلمان على الرؤية المتشائمة نحو الإنسان المعاصر، من حيث هشاشة حسه الاجتماعي، ونقص إدراكه لكفاية الموارد في حال التعاون والتقاسم والتشارك، وميله الغريزي البدائي إلى الأنانية والاستئثار دون غيره بالموارد.


يبدأ الفيلم الإسباني بمشهد المطبخ الكبير الذي يجري فيه إعداد أشهى الأطعمة وأكثرها تنوعا؛ من لحوم وخضروات وفواكه وحلويات. يشرف على إعدادها فريق كبير من الطباخين المهرة، لتصفّ بترتيب أنيق فوق طاولة مستطيلة واسعة. ويدير الفريق رئيس طهاة عُصابي المزاج، دقيق النظر وحساس نحو أي خطأ في تنسيق الأطباق. هذه المائدة ترمز إلى موارد الطبيعة وثرواتها الغنية المتنوعة، وكرمها غير المحدود نحو بني الإنسان.

 

اقرأ أيضا: مسلسل "You".. من الحب ما قتل!


للوهلة الأولى يظنّ المُشاهد أنّ المائدة الفاخرة تعد لحفلة في قصر من قصور الطبقة المُخمليّة، لكنّ المَشاهد التالية تخلف ظنه؛ إذ يتضح أن المائدة تُعدّ يومياً للنزلاء في واحد من أكثر السجون غرابة، وسبب الغرابة في هذا السجن أمران، الأول أنه سجن اختياري، نزلاؤه متطوعون من كل الأعمار، ومن الجنسين. والثاني أن التصميم الهندسي للسجن مختلف عن أي سجن آخر. فهو عامودي البناء، غرفه متراكبة فوق بعضها، وفي كل غرفة ينزل سجينان. وفي وسط كل غرفة فتحة مستطيلة، تعادل مساحتها مساحة مائدة الطعام التي يعدها فريق الطباخين. وتمرّ المائدة من الفتحات مرة واحدة في اليوم، نزولا من الطابق الأعلى حتى الطابق الأسفل، وتثبّت لمدة دقيقتين في كل غرفة، ليتناول النزيلان الطعام بسرعة، قبل أن تواصل المائدة النزول. ويحظر على النزلاء الاحتفاظ بشيء من الطعام بعد نزول المائدة، تحت طائلة رفع درجة الحرارة في الغرفة، أو تخفيضها، من خلال التحكم بأجهزة التكييف، ليختار من يحتفظ بالطعام بين الموت أو رمي ما احتفظ به من طعام في الفتحة.


يشبه السجن، في تصميمه ونظامه، مختبرا للسلوك البشري، يقيس مدى التزام النزلاء بتناول حاجتهم من الطعام من دون زيادة، لأن كل زيادة يتناولها النزلاء في الغرف العلوية، ستحرم النزلاء في الطوابق السفلية من حصصهم. فهل يفكّر النزلاء في الغرف العلوية بغيرهم، وهل يهتمون بإيصال الطعام إلى الغرف السفلى، وعددها يتجاوز الثلاثمئة غرفة؟ المشاهد التالية من الفيلم تقدم إجابة بالنّفي عن هذا السؤال، بل وترسم صورة قاتمة مريعة عن سلوك النزلاء، فنزولا من الغرفة العليا، يسابق النزلاء الزمن في التهام أكبر قدر من الطعام، ولا يكتفون بذلك، بل يتبارون في تلويث باقي الطعام بلعابهم وقذارتهم، ويحوّلون المائدة العامرة بالخيرات، التي حرص فريق الطباخين على تهيئتها بأبهى صورة، إلى ما يشبه الطعام في حظيرة الخنازير.


الأنانية والجشع والخِسة، هي الرؤية التي يكشف عنها الفيلم تجاه السلوك البشري. وما يفاقم من بشاعة هذه الصورة، أن النزلاء غير ثابتين في غرفهم طوال مدة السجن، بل يتبادلون المواقع بشكل عشوائي في مطلع كل شهر. ومعظمهم جرّب الحرمان من الطعام في الغرف السفلى، وهؤلاء حين يصعدون إلى الغرف الأعلى ينتقمون من النزلاء الذين صاروا في الغرف السفلى، ويكون انتقامهم بشعا وخسيسا.

 

اقرأ أيضا: ملاحظات سريعة عن كتابة الرواية


السجن عبارة عن دائرة من الذل والإذلال المتبادل، قائمة على نمط غرائزي ثابت، قاعدته أن من يحظى بالموارد أولا، يحرم الآخرين منها بكل ما يستطيع من وسائل حيوانية. أما من يُحرمون من الموارد في الغرف السفلى، فيضطرون إلى القيام بأفعال حيوانية أبشع؛ إذ يدفعهم الجوع إلى أن يقتل النزيل زميله في الغرفة، أو ينتظر موته جوعاً لكي يأكل لحمه.


يحاول بعض النزلاء أن يكسروا دائرة النمط الغرائزي الحيواني، أحدهم نزيل مثقف، لكنه وغيره من أصحاب النزعة الإنسانية يفشلون في مسعاهم، لأن النمط أقوى منهم، ويجدون أنفسهم منقادين إلى شريعة الغاب السائدة في هذا المختبر الجهنمي، تعذبهم ضمائرهم الممزقة بين ضرورات البقاء من جهة، وكسر الدائرة النمطية من جهة أخرى.


بالمقارنة مع الفيلم الكوري، نلاحظ التشابه الجوهري في تكوين الشخصيات، من حيث استجابتها الغريزية الأنانية لحالتي الإشباع والحرمان؛ فمن جهة العائلة التي تمتلك الموارد، تفعل كل ما في وسعها للاحتفاظ بفائض الإشباع والأمان الذي توفره لها الموارد الفائضة عن حاجتها، ولا تسمح إلا بمرور أقل القليل من هذه الموارد لأفراد العائلة الفقيرة، مقابل خدمات كبيرة تقدمها العائلة الفقيرة للعائلة الغنية. أما من جهة العائلة الفقيرة، فهي تلجأ إلى كل الأساليب غير الأخلاقية للحصول على حصة أكبر من الموارد من العائلة الغنية، بدءا من أساليب الشطارة والفهلوة والخداع، إلى أساليب السرقة والعنف.


يرسل الفيلمان رسالة قوية إلى العالم المعاصر، مفادها أن موارد الطبيعة تكفي جميع البشر وتفيض. ولكنّ المسيطرين على هذه الموارد يحتكرون معظمها، ويهدرون ما يفيض عن حاجتهم. والموارد لا تعني الطعام فقط، بل تشمل الأساسيات الأخرى التي تضمن كرامة الإنسان، مثل التعليم والعمل والمسكن والعلاج. يدين الفيلمان سلوك الإنسان وفق نمط أناني ثابت، سواء حين يتمكن ويشبع ويأمن، أو حين يُحرم ويجوع ويخاف. وينذر الفيلمان بمألات خطيرة إذا لم تنجح الحضارة المعاصرة في تغيير وجهها الشيطاني المقنّع بوجه ملائكي.

التعليقات (2)
morad alamdar
السبت، 18-04-2020 07:51 ص
^^ بروس لي ^^ ليس شخص واحد بل شخصيتين في جسد واحد .. الرجل الصيني ميت ليس حي و لكن الذي حي في جسد بروسلي هو المسيح ابن مريم بروحه أعطى مثالاً لا يعلمه إلا اليهود فكثموا العلم ، فاستعمال القط في شريط عودة التنين في الكوليزيوم بإيطاليا ضد تشك نوريس يبرهن على رمز القط هو رمز إسرائلي و ليس صيني ، فالنزال و القتال كان ضد روح المسيح في جسد الرجل الصيني و هناك معجزة و غرابة في القتال ، الخفة الرشاقة القوة السرعة التركيز و حدة البصر . فموت الرجل الصيني في 73 من القرن الماضي عن عمر 33 سنة يذكرنا بعمر المسيح 33 عاماً . أما إبنه براندون فلقد تم اغتياله على يد الموساد الصهيوني لطمس الحقيقة . ليس شخص واحد بل شخصيتين في جسد واحد .. الرجل الصيني ميت ليس حي و لكن الذي حي في جسد بروسلي هو المسيح ابن مريم بروحه أعطى مثالاً لا يعلمه إلا اليهود فكثموا العلم ، فاستعمال القط في شريط عودة التنين في الكوليزيوم بإيطاليا ضد تشك نوريس يبرهن على رمز القط هو رمز إسرائلي و ليس صيني ، فالنزال و القتال كان ضد روح المسيح في جسد الرجل الصيني و هناك معجزة و غرابة في القتال ، الخفة الرشاقة القوة السرعة التركيز و حدة البصر . فموت الرجل الصيني في 73 من القرن الماضي عن عمر 33 سنة يذكرنا بعمر المسيح 33 عاماً . أما إبنه براندون فلقد تم اغتياله على يد الموساد الصهيوني لطمس الحقيقة .
morad alamdar
الأربعاء، 08-04-2020 10:17 ص
^^ كيف غيَّر بروس لي ^^ عُرف عالمياً بملك الأفلام القتالية بعد تصويره الفيلم الأول في هوليوود . توفي صغيراً و سنه لم يتجاوز الثانية و الثلاثين . تلك السنوات القليلة صنع فيها بروس لي لنفسه صيتاً عرفه الكبير و الصغير ، كرائد الأفلام الفنون القتالية صيتاً لم يصنعه أحد قبله أو بعده . بروس لي : نجح في حياته الدنيا لأن الله أراده أن يكون كذلك و هو عمل الأسباب . قوة الإرادة و العزيمة و الصبر و الحكمة و العلم و الثقة كل هذه الأمور تقربك من النجاح أما ضمان النجاح فهو بيد الله .