ملفات وتقارير

معهد أمريكي: 3 إدارات بسوريا أمام تحدي كورونا.. وخطر إيراني

مخاوف بشكل أكبر على مخيمات النازحين في إدلب السورية من تفشي كورونا- جيتي
مخاوف بشكل أكبر على مخيمات النازحين في إدلب السورية من تفشي كورونا- جيتي

نشر معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، مقالا بحثيا يتناول كيف يتم محاربة تفشي فيروس "كورونا" المستجد في سوريا، التي تعاني منذ 2011 حربا أهلية.

وفي 22 آذار/ مارس الماضي، اعترف النظام السوري أخيرا على لسان وزير الصحة لديه، نزار يازجي، بأول إصابة رسمية بفيروس كورونا في البلاد، بعد أسابيع من بدء انتشار شائعات على وسائل التواصل الاجتماعي عن وصول الوباء إلى هناك. 

 

وأشار إلى خشية مواطنين في سوريا من أن الوجود المكثف للمليشيات الشيعية الإيرانية والأجنبية على أراضيهم يمكن أن يشكل تهديدا كبيرا للصحة العامة، نظرا لدور إيران الموثق جيدا في نشر المرض، وفق ما أورده. 

ولفت المعهد إلى أنه في سوريا ثلاث إدارات رئيسة أمام تحدي تفشي كورونا، هي حكومة النظام السوري، وحكومة الإنقاذ التابعة لتحرير الشام، والإدارة الذاتية التابعة لقوات سوريا الديمقراطية "قسد" المدعومة أمريكيا.

 

اقرأ أيضا: بيدرسن يدعو لوقف فوري لإطلاق النار بسوريا للتفرغ لكورونا

ولم يشر تقرير المعهد الأمريكي إلى الحكومة المؤقتة التابعة للائتلاف السوري المعارض، المقرب من تركيا.

وجمعت بين الإدارات الثلاث التي ذكرتها، أنها جميعها تتعرض لضغوط شديدة لتجنب وقوع كوارث إنسانية، نظرا لافتقارها إلى الموارد والتحديات الرئيسية، خاصة في منطقة إدلب الحدودية الصغيرة المكتظة بالسكان، والتي تضم الآن مئات آلاف النازحين مع مأوى غير مناسب إلى حد كبير.

ولفت إلى أن نظام الأسد يتلاعب في حالات الطوارئ، وأنه يحاول الاستفادة من الأزمة كفرصة لحشد الدعم المحلي والدولي، بينما يدعو إلى رفع العقوبات الاقتصادية، على الرغم من أن أياً من العقوبات المعنية لا تستهدف القطاع الطبي.

 

اقرأ أيضا: تخوف من انتشار كورونا بمخيمات نازحي إدلب.. ودعوات لتقليصها

وتاليا تقرير المعهد:

بالنسبة لكل خطوة منع واحتواء تبدو إيجابية اتخذها النظام (في وقت متأخر وبما يخدم مآربه)، يمكن للمرء أن يجد دليلاً أكبر على عدم فعاليتها وكونها معتّمة. على سبيل المثال، نشرت "وكالة الأنباء العربية السورية" فيديو بعنوان "معاً ضد كورونا"، يشير إلى أن تفشي المرض يشكل تهديداً لجميع المواطنين ويوصي بكيفية تقليل انتشاره.

 

وبالمثل، فإن اللوحات والنشرات الإعلانية حول أهمية النظافة الشخصية الجيدة والتشتيت الاجتماعي، بدأت في الظهور في شوارع دمشق لتشجيع الناس على البقاء في منازلهم. ولكن في الوقت نفسه، تسربت صور تُظهر حشودا من الأفراد يتلقون رواتبهم والمواد الغذائية الأساسية، مما يشير إلى أن الرسائل لا يتم أخذها على محمل الجد من قبل المواطنين أو السلطات على حد سواء.


وبالمثل، تم تعليق وسائل النقل العام، وتم إغلاق جامع السيدة زينب - الذي يعتمد عليه النظام والميليشيات المدعومة من إيران لنشر دعايتهم - حتى 15 آذار/ مارس. ومع ذلك، جاءت هذه الخطوة بعد فوات الأوان، حيث أن العديد من المقاتلين والحجاج الأجانب الذين تجمعوا هناك بأعداد كبيرة قبل الإغلاق قد عادوا بالفعل إلى بلدانهم الأصلية (خاصة العراق) مصابين بفيروس كورونا.


كما أن رد النظام يدعو للتشكيك في سيادته على الأراضي. فوفقاً لناشطين مناهضين للنظام، وُضِع الآن العديد من المقاتلين المدعومين من إيران في الحجر الصحي بالقرب من الخطوط الأمامية في إدلب وحلب.

 

وأفادت بعض التقارير أن آلاف المقاتلين الشيعة المنتشرين هناك تجاهلوا إجراءات احتواء تفشي الفيروس التي أصدرها الأسد، على سبيل المثال، قامت ميليشيات "كتائب الإمام الحسين" و"قوات الرضا" و"لواء الفاطميون" بتنظيم احتفالات دينية ومسابقات رياضية خلال الأسبوعين الماضيين. وأدّت مثل هذه التقارير إلى دفع السوريين في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة إلى الدعوة إلى قطع العلاقات الاقتصادية مع مناطق النظام.


وبالمثل، قاد «حزب الله» اللبناني المعركة ضد فيروس "كوفيد-19" في مناطق يُفترَض أنها تحت سيطرة النظام في محافظة دير الزور. وعلى الرغم من الرسائل الصادرة من دمشق ومفادها أن "كل شيء على ما يرام"، إلّا أنه تم بالكامل عزل بلدة الدوير في المحافظة بعد أن خرج الفيروس عن نطاق السيطرة هناك.


حكومة الإنقاذ: تكنوقراطية لكنها تفتقر إلى الموارد

 

قبل تفشي الوباء، كانت "حكومة الإنقاذ" - «هيئة تحرير الشام»، الجبهة المدنية للتحالف الجهادي القيادي في إدلب - مثقلة بقلّة الموارد بسبب الهجمات اللانهائية للنظام وللمتحالفين معه. ووفقاً لمدير منظمة "الخوذ البيضاء"، رائد الصالح، تم تدمير 70 في المائة من البنية التحتية الصحية/الطبية في أراضيها.

 

وتشير مجموعة "منسقو استجابة سوريا"، وهي منظمة غير حكومية محلية، إلى أن سكان المنطقة الذين يزيد عددهم عن 4 ملايين نسمة ليس لديهم سوى 1,689 سريرا بالمستشفيات و243 وحدة رعاية مكثفة و107 أجهزة إنعاش رئوية و32 وحدة عزل صحي. وبالتالي، هناك احتمال إعطاء الأولوية للمصابين بالكورونا وتفضيلهم على أولئك الذين يعانون من الأمراض والإصابات الناجمة عن الحرب في الأشهر المقبلة، مما يؤدي إلى وفاة المزيد من الأفراد بشكل غير مباشر.


الإدارة الذاتية


على غرار "حكومة الإنقاذ"، تعاني "الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا" التي تسيطر عليها القيادة الكردية من نقصٍ في الموارد، بالإضافة إلى تعاملها مع القضايا التي كانت قائمة مسبقاً: وعلى وجه التحديد آثار الغزو التركي في تشرين الأول/أكتوبر، واحتمال بروز تنظيم الدولة من جديد، الذي أصبح من الصعب التعامل مع أعضائه في منطقة دير الزور وداخل نظام السجون.

 

وللتخفيف من وطأة هذا الوضع، تم إطلاق سراح بعض المعتقلين السوريين غير الخطرين التابعين لتنظيم «الدولة الإسلامية» خلال الأسبوع الماضي، وذلك بواسطة اتفاقيات بين العشائر. ومن المرجح أن تعطي "الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا" الأولوية للرد على فيروس كورونا على المدى المتوسط، مما قد يمنح تنظيم «الدولة الإسلامية» مجالاً أكبر للعودة.


ومما يزيد الأمور سوءاً أنه ليس هناك مراكز لإجراء الفحوصات في المناطق التي تسيطر عليها "الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا"، بعد أن خسرت المركز الوحيد الذي كان متوافراً لديها جرّاء الغزو التركي.

 

لذلك، لا يسع السكان المحليين سوى الاعتماد على نظام الأسد الذي لم يأخذ [خطر] الفيروس على محمل الجد ويتطلب أكثر من أسبوع لإكمال عملية الاختبار. وفي تعقيدٍ إضافي، منعت "الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا" عناصر النظام من دخول أراضيها لأنها تدرك أن درجة تفشي الفيروس [بين سكان الأراضي التي يسيطر عليها النظام] أكبر مما يكشف عنه الأسد.

 

إن فيروس كورونا يمنح واشنطن فرصة جديدة لإظهار قيادة حقيقية في ما يتعلق بسوريا، وبشكل أساسي من خلال مساعدة أولئك الذين يعانون في مخيمات مكتظة بالسكان النازحين والمناطق ذات الإمدادات المحدودة.

 

على واشنطن، أكثر من أي شيء آخر، الضغط على روسيا من خلال "مجلس الأمن الدولي" للسماح بتوفير المساعدة الطبية المباشرة وغيرها من المساعدات عبر الحدود التركية -السورية، لكي يكون من الممكن إيصالها بسرعة إلى كل من اللاجئين في منطقة إدلب الخاضعة لسيطرة "حكومة الإنقاذ" والسكان المحليين المعرّضين للخطر في الشمال الشرقي من البلاد الذي تسيطر عليه "الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا".


وإذا لم يتحقق ذلك، يجب على إدارة ترامب تشكيل تحالف خاص بها لتحدي التعنت الروسي واتخاذ إجراءات إنسانية عن طريق تركيا لمد يد العون لمن هم في أمس الحاجة إلى المساعدات. وتبقى الولايات المتحدة أكبر جهة مانحة لـ "منظمة الصحة العالمية"، لذا فإن المساعدات الدولية المباشرة لهذه الأجزاء من سوريا يجب أن تشكّل أولوية قابلة للتنفيذ الفوري بالنسبة لقادة العالم، وليس رهناً بموافقة النظام أو عدمها.

 

وبغض النظر عما سيحدث بعد ذلك، فإن نمط التعتيم الذي يعتمده الأسد منذ أمد بعيد سيؤدي بالتأكيد إلى وفيات غير ضرورية، وقد لا يعرف المجتمع الدولي أبداً عدد السوريين الذين سيقعون ضحايا فيروس كورونا.
 
إعداد: هارون زيلين هو زميل "ريتشارد بورو" في معهد واشنطن. عُلا الرفاعي هي زميلة في "برنامج غيدولد للسياسة العربية" في المعهد.

التعليقات (0)