سياسة دولية

الغارديان: لماذا ترتفع شعبية الزعماء في الأزمات الكبيرة؟

بوريس جونسون- جيتي
بوريس جونسون- جيتي

قال الكاتب البريطاني أندرو راونسلي، إن شعبية الزعماء السياسيين ترتفع في أوقات الأزمات، مثلما يحصل الآن مع انتشار فيروس كورونا، لكن السبب في ذلك ليس أداءهم الحكومي، بل رغبة الناس في الالتفات حول قيادة لمواجهة الأزمات.

وأشار بمقاله له في صحيفة "الغارديان" البريطانية، وترجمته "عربي21" أن السياسيين الذين يقودون المواجهة مع الوباء لاحظوا عبر أساليب متباينة، أنهم في زمن فيروس كورونا حققوا مكاسب مشابهة على مستوى الشعبية. ففي فرنسا تحسنت نظرة الشعب الفرنسي إلى رئيسهم إيمانويل ماكرون، بينما زاد تقدير الألمان لأنجيلا ميركل.

وقال إنه في أوقات الطوارئ، يحتاج الكثيرون منا إلى الإيمان بوجود فئة حكيمة من فوقنا تعرف ما الذي تعمله. وهذا يأتي مترافقاً مع رغبة في التضامن الوطني

ولفت الكاتب إلى أن الأذكياء من السياسيين المعارضين يفهمون هذا المزاج ويدركون أن الجمهور سيكون رد فعله سيئاً تجاه كل ما يشتم منه رائحة محاولات رخيصة لتسجيل نقاط. 

 

وأضاف "هذا يعني من الناحية السياسية أننا في مرحلة الحرب الزائفة من الأزمة. فحتى عندما ترتكب الحكومة أخطاء فاحشة، كتلك المتعلقة بشراء المزيد من أجهزة التنفس الصناعي، لا تتبنى المعارضة موقفاً عدوانياً حول ذلك. فالجزء الأكبر من الجمهور لديه الاستعداد للإذعان للسلطة وإحسان الظن بالحكومة، وذلك ما لا تحظى به الحكومة عادة في الظروف الاعتيادية. ولذلك لن يطول ذلك.


وفيما يلي النص الكامل للمقال: 


في المراحل الأولى من الأزمة، أخبرني واحد ممن يتواجدون في القلب من آلة صناعة القرار داخل الحكومة بما يلي: "كلنا سنصاب به." بالطبع، لا يتمنى المرء لأحد أن تكون نتيجة فحصه لفيروس كورونا موجبة، ولكن في ضوء الأخبار التي تقول إن رئيس الوزراء وأمير ويلز ووزير الصحة يعدون الآن من بين المصابين، بينما دخل المسؤول الطبي الأول في البلاد حالة العزل الذاتي، فلا بد من القول إنك لن تجد إثباتاً أوضح من ذلك على أننا أمام فيروس الفرص المتكافئة، إنه فيروس لا يأبه من تكون وما هو مقامك. لن يقي المرء من هذا الإرهابي الخفي ولا حتى فريق من ضباط الشرطة من الذين يكلفون في العادة بحماية كبار الشخصيات، إذ يمكنه أن يصل إليك سواء كنت الزعيم السياسي للبلد أو ولي العهد على العرش فيها.

ينقلنا اختراق فيروس كورونا للبوابات السوداء لمقر رئيس الوزراء في داونينغ ستريت إلى وضع غير مسبوق. فبعد اجتماعات للوزارة الإلكترونية، ومؤتمرات صحفية عن بعد وقمة طارئة لمجموعة العشرين عبر الإنترنيت، ها نحن نرى وللمرة الأولى رئيس الوزراء يخاطب الشعب عبر فيديو تويتر من داخل الحجر. ولعله قصد من تحيته المرحة للناس بعبارة "مرحباً يا جماعة" التخفيف من حدة الخوف الذي قد يسري بين الناس عندما يعلمون أن الفيروس وصل إلى أعلى مستويات الحكومة.


في أزمنة مبكرة، لربما سعى مقر رئيس الوزراء إلى إخفاء نبأ إصابة قائد البلاد بالمرض وفي مثل هذا الوضع الحرج. فخلال الحرب العالمية الثانية لم يُخبر الشعب البريطاني بأن وينستون تشيرشيل تعرض لأزمة قلبية عندما كان داخل البيت الأبيض مباشرة بعد الهجوم الياباني على بيرل هاربر في عام 1941. وبعد عامين أصيب تشيرشيل بالتهاب رئوي، وذلك أيضاً ظل طي الكتمان ولم يعلم به الناس. أما الآن فيستحيل أن يحصل ذلك. ففي أجواء أزمة تعتمل باستمرار في زمن الإعلام الذي لا يتوقف عن العمل على مدار ساعات الليل والنهار، وطوال أيام الأسبوع، وحيث الإيجاز الصحفية اليومي مطلوباً من قادة البلاد، لا يكون الإخفاء خياراً على الإطلاق.


قال رئيس الوزراء في خطابه للشعب: "لا يساورنكم شك في أن بإمكاني الاستمرار، بفضل عجائب التكنولوجيا الحديثة، في التواصل مع فريقي من كبار المسؤولين ونحن نقود هذه المعركة الوطنية ضد فيروس كورونا." كان هذا التطمين حول استمرار العمل في أعلى السلم القيادي إضافة ضرورية وذلك بسبب بعض المماحكات التي لا طعم لها فيما وراء الكواليس حول من يتولى ماذا من المسؤوليات.

يضيف انتشار العدوى ووصولها إلى قمة هرم الدولة ثقلاً نوعياً كبيراً إلى الشعار الوزاري الذي يقول "نحن جميعاً في مركب واحد". ثمة أمل داخل الحكومة أن يكون ذلك مقنعاً لتلك الأقلية العنيدة من الشعب التي ما لبثت تتسبب في خطر لنفسها وللآخرين من خلال مقاومة الالتزام بقواعد التباعد الاجتماعي الجديدة. إذا كانت إصابة رئيس الحكومة ورأس الدولة المقبل بالعدوى لا يقنع هذه الأقلية المتهاونة بأخذ هذه الآفة المهددة على محمل الجد فإنه يصعب معرفة ما الذي من شأنه أن يقنعها.

لربما كانت الإشكالات التي تواجه ضمان التزام الجمهور بالتباعد الاجتماعي أقل لو لم تطل الفترة التي كانت فيها الحكومة تصدر نصائح متناقضة ومربكة حول الموضوع. ورئيس الوزراء نفسه يتحمل بشكل خاص مسؤولية كبيرة عن ذلك. فبينما كان يحث الناس على النأي بأنفسهم عن أقاربهم المرضى أخبر الصحفيين فيما بعد أنه سيذهب لرؤية أمه في عيد الأم. فقط يوم الاثنين بدأت الرسائل التي توجهها الحكومة تحظى بما هو ضروري من الوضوح، وذلك حينما وجه السيد جونسون خطابه عبر التلفزيون، ذلك الخطاب الذي شاهده سبعة وعشرون مليون شخص، وأمر فيه بالإغلاق التام على مستوى الوطن. لو كان ثمة جانب إيجابي آخر لإصابته بالعدوي، فهذا هو، حيث أتيحت له فرصة أخرى ليعدل من الرسالة السابقة التي أحدثت الفوضى والارتباك، مؤكداً هذه المرة على أهمية أن تتقيد الأمة بقاعدة "الزم بيتك".

منذ أن تم الكشف عن إصابة السيد جونسون بالعدوى لم يسلم من التعرض للعديد من النقد الشخصي، فقد قال البعض إنه عرض نفسه للفيروس من خلال مخالفة سياسة حكومته بشأن التباعد الاجتماعي. إلا أن الانتقادات الأكثر جدية تركزت على تقلب الحكومة في مقاربتها، هذا بالإضافة إلى الشكوى المرة لبعض الأطباء والممرضات حول نقص الموارد الأساسية، وخاصة معدات الوقاية للعاملين في القطاع الصحي ممن يتعاملون مع المصابين ونقص لوازم إجراء الفحوصات للعاملين في الميدان. ومع ذلك لا يبدو أن ذلك كبد الحكومة أي تكاليف سياسية. يشير استطلاع للرأي قمنا به اليوم إلى أن 92 بالمائة من الجمهور يدعم الإغلاق. كما يشير الاستطلاع، الذي يعكس نتائج مشابهة لاستطلاعات قامت بها منظمات أخرى، إلى أن الثقة برئيس الوزراء تعززت.

لربما لا يرتبط ذلك كثيراً بكيفية أداء رئيس الوزراء. ولقد لاحظ القادة السياسيون من مختلف النوعيات والتوجهات، والذين يقودون المواجهة مع الوباء عبر أساليب متباينة، أنهم في زمن فيروس كورونا حققوا مكاسب مشابهة على مستوى الشعبية. ففي فرنسا تحسنت نظرة الشعب الفرنسي إلى رئيسهم إيمانويل ماكرون، بينما زاد تقدير الألمان لأنجيلا ميركل. وحتى في إيطاليا، وعلى الرغم من الوضع البائس هناك، شهد جوزيبه كونته، رئيس الحكومة القائمة على تحالف غريب، ارتفاعاً في شعبيته من 44 بالمائة في شهر فبراير / شباط إلى أكثر من 70 بالمائة. وعلى الرغم من أن دونالد ترامب، صاحب مقولة "لسوف يختفي"، كانت استجابته متهاونة مع الأزمة، فقد حقق أيضاً ارتفاعاً في شعبيته هو الآخر. ولم يحقق رئيس كوريا الجنوبية مون جاي إن من قبل مثل المستويات الحالية من الشعبية.

يوجد لدى الأمريكان مقولة تعبر عن نبض الناس الذين يشعرون بالحاجة إلى التوحد خلف قادتهم في زمن الطوارئ، وخاصة عندما يرافق التهديد بعد وجودي. يطلقون على ذلك "الاجتماع حول الراية". ولا أدل على ذلك مما حصل مع جورج دبليو بوش الذي شهد ارتفاعاً كبيراً في شعبيته مباشرة بعد الهجمات الإرهابية على البرجين. كما ارتفعت شعبية جون إف كينيدي بشكل حاد أثناء أزمة الصواريخ الكورية وبعد المغامرة الفاشلة في "خليج الخنازير". بل لقد قال لبعض أصدقائه مشيراً إلى الحادثة الثانية: "كلما ازداد تصرفي سوءاً كلما زادت شعبيتي."

ينقصنا نحن البريطانيين مصطلح نعبر به عن هذه الحالة. ولعل المقولة التي تناسب أزمة فيروس كورونا هي: "تمسك بالممرضة". على الرغم من أن غوردن براون كان مكروهاً جداً كرئيس للوزراء، إلا أنه ناله ارتفاع كبير في شعبيته أثناء الانهيار الكبير في عام 2008. وكلما كان الحدث الطارئ أشد وطأة كلما تعمقت النزعة الفطرية لدى الجمهور في الرغبة بالانقياد وراء الحكومة.

يحتاج الناس المرعوبون لكي يرتاحوا ويطمئنوا إلى أن يشعروا بأنهم في أيدي زعماء أكفاء. في أوقات الرخاء، لا يكلفنا كثيراً من الناحية النفسية أن نعتبر السياسيين أشراراً لا يأتون بخير. ولكن في أوقات الطوارئ، يحتاج الكثيرون منا إلى الإيمان بوجود فئة حكيمة من فوقنا تعرف ما الذي تعمله. وهذا يأتي مترافقاً مع رغبة في التضامن الوطني، وهو الشعور الذي تجلى مساء الخميس عندما وقفت أعداد كبيرة من الناس على أبواب ونوافذ بيوتهم ليصفقوا تحية وتقديراً وشكراً للعاملين في قطاع الصحة. كما تجلت تلك الرغبة الجامحة في الاتحاد والتضامن من خلال الطلبات التي تقدم بها ما يقرب من سبعمائة ألف شخص للانضمام إلى منظمة المتطوعين في القطاع الصحي والتي تأسست حديثاً.

يفهم الأذكياء من السياسيين المعارضين هذا المزاج ويدركون أن الجمهور سيكون رد فعله سيئاً تجاه كل ما يشتم منه رائحة محاولات رخيصة لتسجيل نقاط. كان عمدة لندن صادق خان محقاً تماماً عندما عبر عن قلقه المشروع تجاه السماح لمشاريع الإنشاءات بالاستمرار داخل العاصمة، ولكنه حرص على التعبير عن ذلك بنبرة مخففة. كان جوناثان آشويرث، الناطق باسم حزب العمال عن شؤون الصحة، قد تصرف بغباء أثناء الانتخابات، ولكنه وجد خلاصه من خلال الالتزام بمقاربة موزونة تجاه انتقاد الحكومة أثناء الأزمة.

وهذا يعني من الناحية السياسية أننا في مرحلة الحرب الزائفة من الأزمة. فحتى عندما ترتكب الحكومة أخطاء فاحشة، كتلك المتعلقة بشراء المزيد من أجهزة التنفس الصناعي، لا تتبنى المعارضة موقفاً عدوانياً حول ذلك. فالجزء الأكبر من الجمهور لديه الاستعداد للإذعان للسلطة وإحسان الظن بالحكومة، وذلك ما لا تحظى به الحكومة عادة في الظروف الاعتيادية. ولذلك لن يطول ذلك. لو عدنا إلى نموذج غوردن براون لوجدنا أن الارتفاع الكبير في شعبيته أثناء الأزمة المالية ما لبث أن تلاشى سريعاً بعد أن توجهت أنظار الجمهور إلى الجدل الدائر حول إدارته للنظام المالي خلال العقد الفائت. ما من شك في أن يوم الحساب حول فيروس كورونا سيأتي ولو بعد حين، حيث ينتظر الناس الإجابة على أسئلة مهمة مثل من أين أتى الفيروس وكيف انتشر وكيف تم التعامل معه. ولماذا لم تكن بريطانيا أفضل استعداداً لمواجهة الوباء؟ وهل كان قطاع الخدمات الصحية دون المستوى من حيث الأيدي العاملة والتجهيزات؟ وهل هونت الحكومة في البداية من خطورة ومدى خبث المرض وماذا كان أثر ذلك على القطاع الصحي؟ هل تأخر رئيس الوزراء في الأمر بالإغلاق وفي اتخاذ غير ذلك من الخطوات المهمة؟ هذه بعض الأسئلة التي ستشغل من سيكلفون بإجراء التحقيق الذي لا مفر منه بعد الوصول إلى الجانب الآخر من الأزمة. ولذلك فإن الارتفاع الحالي في شعبية بوريس جونسون لا يخبرنا شيئاً عما سيظنه الجمهور به بعد أن تنتهي هذه الأزمة.

التعليقات (0)