مقالات مختارة

حرب النفط السعودية الروسية.. خسارة كثيرة وربح قليل

راشيل زيمبا
1300x600
1300x600

منذ أن أخفق منتجو النفط من أعضاء أوبيك ومن غير أعضائها في التوصل إلى اتفاق في مطلع مارس (آذار)، الأمر الذي أحدث انهيارا كبيرا في أسعار النفط، لم تزل النظرة الاستشرافية لمستقبل النفط والاقتصاد العالمي تزداد سلبية يوما بعد يوم. 

يتوقع بسبب انتشار وباء كوفيد 19 في معظم أرجاء العالم، وتركيز مؤسسات الصحة العامة في كل مكان جهودها على "تسطيح المنحنى"، أن يشهد عام 2020 كسادا عالميا يبدأ بالانحسار في نهاية العام. 

سيرافق ذلك ضعف طلب على النفط يتجاوز في ضعفه ذلك الذي شهده العالم خلال الأزمة المالية 2008-2009، بالإضافة إلى آلام شديدة وأضرار مصاحبة ستتعرض لها البلدان والشركات المنتجة للطاقة، بما فيها تلك التي تسببت بإشعال حرب الأسعار ابتداء، أي روسيا والمملكة العربية السعودية. ولذلك يصعب أن يرى المرء خروج أحد منتصرا من هذه الحرب. 

سقوط الأسعار

تعكس المواجهة خلافا حول مستوى انخفاض الطلب – كانت روسيا أقل تشاؤما– والاتفاق على أنه يتوجب على البلدان الأخرى أن تتأقلم، وخاصة منتجي التكاليف الوسيطة والمرتفعة، بما في ذلك الوقود غير التقليدي الذي ينتجه الأمريكيون، وما تنتجه البلدان التي لا تنتسب إلى عضوية أوبيك. 

نزل سعر برميل النفط منذ ذلك الحين 25 دولارا –أي دون المستوى الذي وصل إليه في عام 2008– ومع ذلك لم تبد حتى الآن لا روسيا ولا المملكة العربية السعودية، علامات تشير إلى استعدادهما للتراجع. 

إذا أريد للسوق أن يستعيد استقراره فلا مفر من تخفيض كبير في الإنتاج، مع ظهور مؤشرات على أن معدلات الإصابة بوباء كوفيد 19 بدأت في الوصول إلى ذروتها، وإن كان هذا غير محتمل تحققه حتى إبريل (نيسان)، على أقل تقدير. قد يصاحب ذلك بعض الزيادات في سعة التخزين المتاحة. 

رغم أنه يصعب الإبقاء على أسعار النفط في هذا المستوى المنخفض، إلا أنه بسبب غياب عملية ضبط للكميات المعروضة، فإنه يمكن للأسعار أن تتراجع أكثر، مما سيفاقم من أزمة الاعتمادات المرتبطة بالطاقة.


في الأوضاع العادية، من مصلحة المستهلكين أن يحدث تصحيح في الأسعار، وخاصة ذلك الذي يحفزه وجود فائض في السوق. فهم يملؤون خزانتهم بأسعار أقل مما يمكنهم من إنفاق مزيد من المال على سلع أخرى، بينما تتمكن الشركات التجارية من توسيع هامشها. 

من المؤكد أن بلدانا مثل تركيا وجنوب أفريقيا والصين وجنوب كوريا ومعظم دول أوروبا ستكون فواتير استيرادها للنفط أقل تكلفة، إلا أن حجم الضعف الاقتصادي العالمي، وفي بعض الحالات ما يرافق ذلك من إغلاق تام، سوف يحد من قدرتها على الاستفادة من انخفاض الأسعار. 

إلا أن الخاسرين الأكبر، هم البلدان والشركات التي كانت مواقعها مرتفعة في منحنى التكلفة، و / أو التي تعتمد على نفط خام مرتفع الثمن لكي تدفع تكاليف إنفاقها الحكومي. اضطر كثير من هذه الكيانات بسبب الأوضاع الحالية إلى أن يعتمد على احتياطيه النقدي، ومن ضمن الشركات التي تتكبد تكاليف عالية في الإنتاج تلك التي تنتج النفط غير التقليدي في الولايات المتحدة وكندا. 

سوف تتضرر الاستثمارات غير النفطية بسبب تدني الإيرادات وفقدان الوظائف بأعداد كبيرة، وسوف يؤدي ذلك إلى إضعاف أسواق العقارات المحلية. بعض المؤسسات ستنجو، والأغلب من خلال الدخول في صيغ اندماج أو تضامن مع اللاعبين الأكبر حجما ومع غيرهم، من خلال المطالبة بتقليص كبير في دورة التوريد. 

الانكشاف العالمي


أكثر البلدان عرضة للانكشاف والتضرر تشمل أقطارا مثل العراق والجزائر وأنغولا ونيجيريا والإكوادور وليبيا والغابون. رغم أن كثيرا من هذه البلدان لديها تكاليف إنتاج منخفضة، إلا أن ميزانياتها الوطنية بحاجة لأن يكون سعر برميل النفط أعلى من مئة دولار، وذلك بحسب استطلاعات صندوق النقد الدولي، كما أنها لا يوجد بها احتياطيات ذات معنى من العملات الأجنبية لتجسير الهوة. وبعضها، بما في ذلك الإكوادور، قد تكون في طريقها إلى التخلف عن الوفاء بديونها، وجميعها لا خيار أمامها سوى تقليص الإنفاق الحكومي. 

ومن البلدان الأكثر عرضة للتضرر، الجزائر التي تراجعت فيها الاحتياطيات إلى 60 مليار دولار بعد أن وصلت في عام 2015 ذروة قدرها 200 مليار دولار. ما من شك في أن تراجع حجم النقد المتاح قد يفاقم من الاضطراب السياسي الذي واجهته البلاد على مدى العام الماضي، ومن شأنه كذلك أن يصعب التعامل مع عدوى كوفيد 19 الآخذة بالانتشار. 

ما الجزائر إلا واحدة من البلدان التي يمكن للتقشف أن يجدد الاحتجاجات فيها، حيث إن الخدمات الأساسية فيها ماتزال ضعيفة بل ومترهلة.


كما أن إيران وفنزويلا، الخاضعتين للعقوبات الأمريكية، هما أيضا معرضتان للضرر. سوف تحصل مثل هذه البلدان على عائد أقل من الكميات الضئيلة من النفط التي تتمكن من بيعها، وهي بطبيعة الحال أكثر تأثرا بإغلاق الحدود الذي يضرب قطاعات غير نفطية، ناهيك عن أنه يجري حاليا تشديد العقوبات من قبل إدارة ترامب عليها، على الرغم من التكلفة البشرية لذلك وما يفاقمه من مخاطر انتشار الوباء، الذي قد يمتد خطره إلى دول الجوار.

تساهم العقوبات المفروضة على إيران في الأغلب في إضعاف قدرتها على مقاومة وباء كوفيد-19 وذلك من خلال زيادة اعتمادها على الصين عندما تغلق الحدود، ويصبح عسيرا عليها استيراد السلع الأساسية من غيرها، على الرغم من أن النقص الحاد الذي يشهده العالم الآن يعني أن الصعوبة ما كانت لتختفي، حتى لو كانت أبواب إيران على السوق مشرعة.  

بسبب هذه الاتجاهات، بالإضافة إلى ما هو معروف عن إيران من انعدام الشفافية، تحولت إيران إلى نقطة ساخنة منها انتقال العدوى إلى عدد من جيرانها الإقليميين، الذين استوردوا منها الحالات التي نشرت الوباء لديهم. مازال غير معروف أثر الخسائر التي تكبدتها على استقرارها السياسي، ولا يستبعد أن تؤدي إلى مزيد من الانسداد على المدى المتوسط. 

ضعف النمو

يوجد لدى بلدان مجلس التعاون الخليجي بشكل عام مخزون أكبر من النقد، مما يمكنها من مواجهة الأزمة مقارنة بأترابها الأفقر والأقل تنمية. 

قد يساهم دورها في حرب النفط هذه في زيادة متواضعة في المنتج النفطي وفي الناتج المحلي الإجمالي للطاقة، ولكن من المحتمل أن تتراجع الإيرادات، مما سيفرض عليها الاختيار بين تقليص الميزانيات التي من شأنها أن تقوض النمو، فتضطر إلى ديون جديدة أو مبيعات لموجودات أخرى قد تكون باهظة بشكل متزايد، أو تسحب من مخزونها من احتياطي العملات الأجنبية. 

وسيزيد من تكلفة ذلك تعمق أزمة وباء كوفيد-19 والإغلاقات المحلية التي تتم بسببها. 

فيما عدا ضعف الإيرادات النفطية، سوف تواجه هذه الدول أربع صدمات مترابطة: تقلص التعاملات التجارية عالميا، وتوقف الرحلات الشخصية، وتراجع نشاط البيع التجاري بالمفرق محليا، وانخفاض انسياب رؤوس الأموال إلى الداخل وقيمة ممتلكاتها في الخارج. كل هذه تشكل تحديا لجهود تنويع مصادر الدخل وتفرض ضغوطا على الحكومات المحلية. 

يبدو أن الكويت وقطر ستكون الأفضل حالا، إذ إن لديها حيزا أوسع لما يلزم اتخاذه من إجراءات، ولكنها ستواجه تحديا حين يتعلق الأمر بالنمو غير النفطي. 

أما الإمارات العربية المتحدة، فتواجه حاليا تحديا فيما يتعلق بسوقها العقاري. فلقد نجم عن تراجع السوق إضعاف جودة الموجودات المصرفية، مما زاد العبء على نموها غير النفطي. لديها بالفعل الكثير من السيولة ومجال للتحفيز الاعتمادي والمالي، وربما بعض الاستثمارات الموجهة من كيانات مرتبطة بالحكومة وبصناديق التنمية السيادية مثل المبادلة. 

وأما البحرين وعُمان، فهما الحلقة الأضعف في الخليج، إذ إنهما تحملان على كاهلهما عبء دين كبير ولديهما عجز ضخم. يتوقع أن تحصل البحرين على دعم إقليمي، أما عُمان فقد تضطر إلى تسييل بعض موجوداتها ومواجهة تراجع إضافي في تصنيفها الاعتمادي. 

وأما المملكة العربية السعودية، فأمامها خيار صعب؛ فبينما يوجد لدى المملكة حجم كبير من السيولة النقدية – أكثر من 500 مليار دولار – إلا أن دينها وعجزها يشهد ارتفاعا حادا، ولا يُرى أثر لرؤوس الأموال التي كان من المفروض أن تتدفق عليها لتمول مشاريعها. 

سوف يساعد الإنفاق من خارج الميزانية من داخل صندوق الاستثمار العام، إلا أن بعض المشاريع قد تؤجل، وخاصة إذا التزمت الحكومة بما صدر عنها من رغبة في تقليص الإنفاق بمعدل 5 إلى 10 بالمائة، وهو الأمر الذي قد يضعف القطاع الخاص غير النفطي. 

باختصار، يحتمل أن ينجم عن هذه الصدمات انقطاع التوسع في النشاط الاقتصادي الذي بدأ في مطلع العام الحالي. هذا مع العلم أن فرض التقشف سوف يزيد الطين بلة ويؤذي الإيرادات العالمية. 

نظرة مستقبلية

كما أن روسيا لديها بعض المرونة؛ فقد ثبت عمليا أن العقوبات الاقتصادية ساعدتها على تقليص اعتمادها على رأس المال الأجنبي، بل ومكنها ذلك من إقامة مصدات مالية وخارجية. قد لا تكون روسيا في حالة من الانتعاش ولكنها قادرة على البقاء، ومن المحتمل أن تستمر كذلك على الرغم من الحجر الصحي المحلي المتوقع قريبا. يمكنها أن تسحب من موجوداتها، ولكن المشاريع الضخمة ستظل في الأغلب متوقفة إلى أجل. 

ما الذي يمكن أن يحصل فيما بعد؟ يقال إن الولايات المتحدة تمارس ضغوطا على المملكة العربية السعودية لكي تجري بعض التعديلات، بل إن بعض السياسيين الأمريكيين يرغبون في سد الطريق على استيراد الطاقة وفي زيادة الصادرات. قد لا يكون لمنع استيراد النفط ذلك الأثر الكبير، وقد يضر ذلك بقدرة الصادرات الأمريكية على النمو في المستقبل، إلا أن الألم الذي سينجم عن هذه السياسة قد يجبر المملكة العربية السعودية وروسيا وغيرهما على العودة إلى الطاولة في الربع الثاني من هذا العام. 

ولكن إلى أن يتم ذلك قد يكون الضرر المتكبد هائلا، بما يفاقم من عبء الديون والكساد العالمي. هل سيكون الثمن المدفوع مبررا؟ ربما لا، حيث إن الضرر المصاحب كبير وسيبقى التحدي البنيوي ماثلا أما الطلب على النفط. 

سوف تستمر الآثار المترتبة عن حرب النفط هذه – كما هو الحال في كثير من الصراعات – إلى زمن طويل قادم.

نقلا عن موقع "ميدل إيست آي" البريطاني وترجمة خاصة لـ"عربي21"

0
التعليقات (0)