كتب

العرب والتحدي الديمقراطي.. وضع المرأة بالسعودية وتونس نموذجا

كتاب يحاول فهم طبيعة التحولات التي عرفها واقع المرأة في السعودية وتونس  (أنترنت)
كتاب يحاول فهم طبيعة التحولات التي عرفها واقع المرأة في السعودية وتونس (أنترنت)

الكتاب: الشباب العرب من المغرب إلى اليمن أوقات الفراغ الثقافات والسياسات
الكاتب: لوران بونفوا و مريام كاتوس، وقدم له فرانسوا بورغا
الناشر: الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت، لبنان، 2019،
عدد الصفحات 406 من القطع الكبير

يمكن القول إن ثورات الربيع العربي التي انطلقت من تونس نهايات العام 2010، شكلت منعطفا تاريخيا مهما في تاريخ المنطقة العربية والإسلامية، فقد طوت نظاما سياسيا بالكامل وأسست لمرحلة جديدة من التشكل السياسي الذي لم تتضح معالمه بعد.

ولقد كان لافتا للانتباه في هذه الثورات، أن الشعوب كانت سباقة في أخذ زمام المبادرة وإعادة افتكاك حقها في تقرير مصيرها، واتضح ذلك في عدم وجود قيادات لهذه الثورات الشعبية. لكن بمجرد سقوط عدد من الأنظمة حتى عاد التعويل مرة أخرى على النخب الفكرية والسياسية لقيادة المرحلة الجديدة، وهي مرحلة مازالت تتشكل بالتفاعل بين مختلف القوى السياسية والفكرية والاقتصادية، وأيضا بين قوى الداخل والخارج.. 

ضمن هذا الإطار يأتي كتاب "الشباب العرب من المغرب إلى اليمن أوقات الفراغ الثقافات والسياسات"، الذي يعرض له الكاتب والباحث التونسي توفيق المديني ضمن أربع حلقات، ويسعى من خلاله، ليس لفهم ميكانيزمات ثورات الربيع العربي، التي مازالت عواصفها لم تهدأ بعد، وإنما أيضا للبحث عن آفاقها السياسية والفكرية والاجتماعية والاقتصادية.

 



فتيات "البوية" أو رفض المعايير السائدة للأنوثة
 
جاء المصطلح الجديد "البوية" من الكلمة الإنكليزية "بوي" وأضيف إليها تاء التأنيث باللغة العربية. في عدد من دول شبه جزيرة العرب، لاسيما السعودية والإمارات والكويت، توصف "بالبوية" كل فتاة ترتدي ملابس مخصصة للذكور، أي تلك التي تخفي الشكل الأنثوي للفتاة، لكنَّها في الوقت نفسه ليست ملابس إسلامية.
 
في المملكة العربية السعودية يمنع منعاً باتاً وضع سلاسل تتدلى منها زخارف ورسوم وأشياء، منافية لما درجت عليه الأمور كالجماجم، أو العبارات البيئة، أو صور لشخصيات، كما يُمنع ثَقب الأعضاء ووضع الحلق والتباييس في أجزاء غير اعتيادية كالذقن والفم أو أعلى الأذنين، أو قرب الحاجبين ، إلخ.كان هذا توجه "إدارة المتابعة" عام 2008، وقد نُشر على جدران الحرم الجامعي المخصص للإناث في جامعة الملك سعود بالرياض، وهو يستهدف أنواعاً متنوعة من "الأنماط ـ ستايل"، بدأت تنتشر في الحرم الجامعي، لا سيما "القوطية" و"الإيمو"، أو العاطفين. وقد ارتبطت هذه الظاهرة بتيار موسيقي تميز بارتداء ملابس قائمة والتبرج بمكياج قاتم، وبفتيات "البوية". مع ذلك قامت فتيات عديدة بمخالفة هذا الإعلان.
 
يقول الباحث إيميلي لو رونار: "كانت الفتيات يتجنبن ارتداء الملابس الضيقة فيستبدلن تلك الثياب بقمصان الفتيان وبقمصان لاعبي كرة القدم، أو بالملابس الفضفاضة الأخرى، ويرتدين أحياناً مشداً مطاطياً لإخفاء الصدر وتغطيته، وتختلف هذه الملابس عن تلك التي ترتديها النساء للتستر بطريقة "إسلامية"، والتي تهدف إلى إخفاء المفاتن الجسدية للمرأة من دون أن تسبب الشك من حيث الجنس.

وللفتيات اللاتي يقدمن أنفسهن أو يشار إليهن على أنهن من البوية صفات محددة كقصر الشعر والثقوب الواقعة أعلى الأذن، أو في قوس الحاجب، والبعض منهن يضع عطوراً مخصصة للشبان، وقسم آخر يسمي نفسه بأسماء مخصصة للذكور. الفتيات اللاتي تحدثت معهن قدمن أنفسهن بأسمائهن وجنسهن من الزاوية الاجتماعية (إناث)، لكن وعند نهاية الحديث ومن دون أن أطرح عليهن السؤال كن يعرفن عن أنفسهن بأنهن من البوية ولأجل هذه الهوية، أو هذه الصفة أنشئت منتديات على الإنترنت وصفحات مفتوحة ومجموعات خاصة على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، بما يسمح لفتيات البوية بالتواصل وبتبادل الشهادات والصور ومقاطع الفيديو وإلى ما هنالك. 

 

في عدد من دول شبه جزيرة العرب، لاسيما السعودية والإمارات والكويت، توصف "بالبوية" كل فتاة ترتدي ملابس مخصصة للذكور، أي تلك التي تخفي الشكل الأنثوي للفتاة، لكنَّها في الوقت نفسه ليست ملابس إسلامية.


وإن تطرقت بعض مقالات الصحف والحوارات التلفزيونية على الأقنية الخليجية إلى الإشارة إلى هذا "النمط أو الستايل" بمصطلح "الاسترجال"، وتربطه غالباً بالعلاقات العاطفية بين الفتيات، إلا أن الشباب السعودي يصفه عموماً بـ "السنابل"، هذه هي الكلمة الإنكليزية التي يستخدمونها ولكن بلهجة سعودية، وتفسر هذه الظاهرة أيضاً على أنها "موضة"، أو أنها تدل على ثقافة فرعية(ص 71 من الكتاب).

لقد تميزت الطالبات السعوديات اللواتي تمكن من الدخول إلى الجامعات، لا سيما في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين بعدم ارتداء الحجاب ولا العباية وهو رداء أسود طويل، كما يفعلن في الأماكن المختلطة، حيث ينبغي ارتداء التنورة الطويلة، أما البنطال فهو ممنوع، إنها جامعة عامة أي إن الدراسة فيها مجانية. 

وتكاد تكون جنسية جميع الطالبات هناك سعودية، لكن تختلف المشارب الاجتماعية لكل واحدة منهن، ويشكل الحرم الجامعي مجالاً حاضناً لنمو بيئة اجتماعية وهو أكثر مكان تتواجد فيه الطالبات. فهن يشكلن في ذلك المكان "عصابات"، أو تجمعات من غير السهل رؤيتها في مكان آخر بسبب وجود صعوبات تتعلق بتنقل المرأة في المدينة.
 
موضوع الفتيات "البوية" مستوحى من مسلسل أمريكي متلفز يُدعى ذي أل وورد ويمكن مشاهدته أيضاً عبر شبكة الإنترنت مع ترجمة إلى اللغة العربية تظهر أسفل الشاشة، حيث بدأ عرض هذا المسلسل في العام 2004، وهو يتحدث عن محن السحاقيات في لوس أجلوس الأمريكية. تحدث العديد من الفتيات السعوديات عن افتتانهن بإحدى شخصيات المسلسل وتدعى شين Shane وتوصف غالباً بأنها الأكثر تخنثاً بقصة شعرها المضفور، وقد أصبحت قدوة أو نموذجاً يحتذى به.
 
وبالرغم من هذا المرجع المتكرر الذي تمثله شين إلا أن "ستايل" البوية لا يقتصر على مجرد استيراد ساذج للممارسات القادمة من الولايات المتحدة الأمريكية، بل تم ابتكار أوجه تنتهك المعايير السائدة للنوع، وهي تنتشر في كل منطقة شبه جزيرة العرب. وهكذا جسدت الممثلة الكوميدية شجون الهجيري دور فتاة بوية في المسلسل الكويتي عديل الروح، الذي عُرض للمرة الأولى في شهر رمضان من العام 2005، أي بعد فترة قصيرة من بدء عرض مسلسل ذي أل وورد، لاقى هذا المسلسل جماهيرية في أوساط المشاهدات من الفتيات السعوديات، فهو يتحدث عن عائلة كويتية ميسورة مادياً، وعن لحظات السعادة والألم التي تعيشها العائلة كما أنه يتحدث عن أحد أفراد العائلة وهي فتاة من البوية وعن حياتها بين أولاد بالغين يعيشون في منزل واحد.

ويؤكد عدد كبير من البوية أن هذه الأعمال الثقافية تتحدث عنهن، ليس لأنها تروي قصصهن وحسب، بل لأنها كانت السبب في إنشاء الكثير من المنتديات على شبكة الإنترنت، جامعة بذلك الكثير من المشاهدات. ويستوجب الأسلوب المنيع في التعريف عن النفس بالطرق السائدة والذي تصوره هذه الأعمال الثقافية وجود معاني وممارسات خاصة بالسياق السعودي. في إطار النقاشات الدائرة برر العديد من الفتيات تقديم أنفسهن على أنهن من البوية برغبتهن في مَالَوْ كُنَّ رجالاً وخصوصاً كي يستطعن التصرف بحرية : (أود أن أقود سيارة، وألا ألبس العباية، وأن اتنفس)، فقد ضقن ذرعاً من الخوف من أهلهن بخصوص الذهاب والإياب وطلب الإذن للخروج "يقول الأهل دوماً: أنتِ فتاة متى ستخرجين ومتى ستعودين؟ وهكذا" بعض الفتيات ترفض ارتداء الحجاب في الأماكن المختلطة ويشتكي من ضرورة ارتداء العباية التي تدرجهن ضمن نوع جنس معين، أما حين لا يرتدينها يمكنهن عندئذ زرع الشك في العقول، لا بل يندرجن ضمن تصنيف الذكور.

حليمة.. المرأة المتمردة في مدينة قفصة التونسية
 
كانت الأزمة الاقتصادية والمالية العالمية وارتداداتها الكونية في سنة 2007 ـ 2008، فجرت ثورات الجوع في بنغلاديش والكاميرون وساحل العاج ومصر والحبشة والهند وإندونيسيا والأردن والمغرب والسنغال، بسبب تضاعف الأسعار الوسطيّة للمواد الغذائية في العالم أجمع؛ ما أدّى إلى تدهور مستوى المعيشة لمئات ملايين البشر، الذين باتوا يخصّصون بسبب فقرهم القسم الأكبر من مداخيلهم لتأمين الغذاء. 

وبحسب البنك الدولي، ارتكز هذا الارتفاع المشهود للأسعار على عاملَين: من جهة الارتفاع الكبير في سعر النفط والغاز الطبيعي المستخدمَين بشكل واسعٍ في النشاطات الزراعية وتصنيع الأسمدة الكيمائية؛ ومن جهة أخرى، الحصّة الكبيرة من الزراعات المخصّصة للوقود الحيويّ بدل الإنتاج الغذائي .

وفي هذا السياق، مثلت الانتفاضة العمالية في محافظة قفصة التي تقع في الجنوب التونسي في العام 2008، الهزة الأرضيّة الخفيفة التي كانت تُنذِر بالزلزال الكبيرالقادم، الذي أدّى إلى اندلاع الثورة التونسية في شتاء 2010 ـ 2011، التي انطلقت من مسائل اجتماعية، ثم تحولت إلى ثورة سياسية أسقطت الدولة البوليسية و رمزها المطلق الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي.

 

في قفصة وأثناء فترة الاحتجاجات تركزت الأحاديث حول التهميش والازدراء اللذين تواجههما المنطقة في ظل نظام بن علي، وقد كانت حليمة تتصدر الحوار. كانت تقول وهي تشارك في القتال: "علينا أن نبدي شيئاً من المقاومة


في مطلع 2008، كانت محافظة قفصة التي اشتهرت تاريخياً بأعمال استخراج الفوسفات من أرضها وفق الطريقة النموذجية للأنماط الاستعمارية الفرنسية، قد شهدت كذلك ما بات يعرف بانتفاضة الحوض المنجمي، التي شارك فيها عمّال المناجم وعائلاتهم، والعمال والعاطلون من العمل وطلاّب المدارس. وكانت العناوين الرئيسة لهذه الانتفاضة الشعبية، تتمثل في الاحتجاج ضد مظاهر الفقر المدقع وارتفاع الأسعار، وانتشار ظاهرة البطالة، وضد الفساد المستشري في نظامٍ سياسي يقوم على التحالفات الزبائنية، والعصبيات القبلية والعائلية.

وحليمة شابة شجاعة من مدينة شعبية تدعى قفصة، وهي عاصمة لمنطقة يقطنها مئات آلاف السكان، وتقع على بُعد 350 كيلو متراً جنوب غربي تونس."رجالة عليهم"، يبدو هذا التعبير متناقضاً فهو يدل حرفياً على الجملة التالية: "إنها أكثر رجولة من الرجال"، أو بالتحديد "لديها صفات رجولة أكثر من الرجال أنفسهم"، ويقال باللهجة التونسية كلمة رجال لكل من يتصف بالشجاعة والشرف والنزاهة، وما إن ينطبق هذا التعبير على حليمة والذي يدل على قيم "مذكرة" خاصة تتعلق بالرجل الموثوق حتى يبدو تعبيراً مزدوجاً. 

يقول الكاتب لهذا الفصل أمين علال: "التقيت حليمة في إحدى أمسيات ربيع العام 2008 عندما قامت مجموعة بالتجمع بطريقة غير شرعية وسط مدينة قفصة، كان المتظاهرون في ذلك المساء يحتجون على توقيف زعماء تمرد منجم المعادن المجاور. فقد هزت المنطقة منذ عدة أسابيع حركة تمرد لم يسبق لها مثيل في زمن حكم الرئيس بن علي. فقد ثار العمال والمناضلون وشباب المنطقة من العاطلين من العمل ضد قرارات توظيف الأقارب والمحسوبيات في شركة قفصة للفوسفات CPG، والتي تمثل مصدراً رئيساً للثروة في البلاد، تسببت هذه المؤسسة الحكومية التي تستثمر في ثمانية مناجم في المنطقة في الهواء الطلق بالكثير من استياء، فقد أصبحت تؤمن القليل من فرص العمل. 

ولم يحظ هذا الحراك الذي استمر لستة أشهر على تغطية إعلامية جيدة وقد قمع آنذاك بوحشية. في ذلك اليوم الجديد من الاحتجاجات، شهدت المواجهات مع قوات حفظ النظام حركة تصعيدية. وقد شهدت مواكب طلاب الثانوية غلياناً، وكانت غير متوقعة. في المساء، وحينما كانت مجموعة المناضلين المتمرسين من خريجين وعاطلين من العمل ومناضلين من الحزب الشيوعي العمالي التونسي، أو من الاتحاد العام للطلبة التونسيين يتهيؤون على مقربة من المقسر المحلي للنقابة، أو كما يعرف (بالاتحاد العام التونسي للشغل ظل عدد قليل من المتظاهرين في الخارج فلدى الذين يُحشدون قدرة أكبر على مواجهة ما يمنعه نظام الاستبداد. سألت من تكون تلك الفتاة الوحيدة التي تتوسط عشرات الرجال المشاركين في الاشتباكات مع الشرطة، وقد بدت علي الدهشة، أجاب أحدهم ممن يتنمون إلى اليسار الراديكالي بإعجاب إنها "حليمة، رجالة عليهم"(ص 105 من الكتاب).
 
في أوقات الفراغ تذهب حليمة إلى الأحياء الأخرى للحديث في المقاهي والمكان المفضل بالنسبة إليها هو الشرفة التي تقع خلف برج القصبة. تقول حليمة: "أشعر بالأمان هنا بين الأشجار وأحب الجو المريح الهادئ". احتست حليمة هناك شراب الليمون حتى وإن كان الوقت متاخراً في الليل، إنها إحدى النسوة القلائل أحياناً تأتي إحدى الصديقات معي أو أقوم باصطحاب ابن أخي ذي العشر سنوات، فذلك أفضل بالنسبة إلى العائلة ويجعل الأمور أكثر وضوحاً". 

سواء أكان في الحي أم في المقاهي، تدور الأحاديث التي يتناولها الشباب التونسي حول البطالة وغلاء المعيشة والرغبة في السفر إلى أوروبا أو الولايات المتحدة. لكن في قفصة وأثناء فترة الاحتجاجات تركزت الأحاديث حول التهميش والازدراء اللذين تواجههما المنطقة في ظل نظام بن علي، وقد كانت حليمة تتصدر الحوار. كانت تقول وهي تشارك في القتال: "علينا أن نبدي شيئاً من المقاومة". 

 

إقرأ أيضا: الشباب العربي والتحول نحو الديمقراطية.. محاولة للفهم

 

إقرأ أيضا: فشل النظام العربي الريعي.. "الحيطيون" في الجزائر نموذجا



التعليقات (0)