قضايا وآراء

مبارك.. الهارب من عدالة الأرض إلى عدالة السماء!!

عصام تليمة
1300x600
1300x600

مات محمد حسني مبارك بدون أي ألقاب سوى لقب رئيس سابق، حماه هذا اللقب من المحاكمة العادلة في الدنيا، بقضاة أخرجوه من معظم القضايا كما تخرج الشعرة من العجين كما يقول المثل المصري، لكنه ذهب إلى عدالة السماء التي لن ينفعه فيها قاضٍ فاسد، ولن يحامي عنه محامٍ يتلاعب بالأدلة، بل سيقف الظالم والمظلوم وجها لوجه أمام قاضي الأرض والسماء: الله، سبحانه وتعالى.

 

فعمليا بدأت محاكمة مبارك بعد وفاته، المحاكمة العادلة الناجزة، التي سيشهد عليه فيها كل أعضائه، بكل ما فعل. 

 

الجدل لم يمت


مات مبارك، ولم يمت الجدل حوله، بين من يترحم عليه، وبين من يلعنه، ولو وقف الأمر عند الصمت على من شهدوا على فساد الرجل، لهان الأمر، لكن المصيبة أن بعض من خرجوا يطالبون برحيله، نسوا الدماء المعلقة في رقابه، والخراب الكبير الذي حل بمصر، وقد كان أساسا في حدوثه، ولذا أحببت فقط أن أبين الجانب الديني الشرعي من مبارك.

وبداية فإن تحديد مصير العباد أمر موكول إلى الله عز وجل، ونحن هنا لا نتكلم عن مصائر الناس من حيث الجنة والنار، فمفاتيح الجنة والنار ليست ملكا لأحد، ولا توجد وكالة عن الله بين الناس بها لأحد. ولكننا نتكلم عن مظالم الإنسان، هل تمحى بوفاته؟ وهل دعوات الناس له تغفرها له؟ 

مظالم مبارك التي بينه وبين ربه، هي داخلة في باب عفو الله عز وجل، أو عقوبته عليها، أما مظالم العباد فهي يقينا لا تغفر إلا بمغفرة أصحابها، ومبارك في رقبته مظالم لأفراد، ومظالم لأمة، مظالم خاصة، وعامة، وهذه المظالم لا بد من توبة مبارك منها، أو أي ظالم، ومن شروط التوبة في حقوق العباد: رد المظالم إلى أهلها، فهل رد مبارك مظلمة واحدة من المظالم التي حدثت في عهده؟ سواء لفرد أو لأمة؟

 

نحن هنا لا نتكلم عن مصائر الناس من حيث الجنة والنار، فمفاتيح الجنة والنار ليست ملكا لأحد، ولا توجد وكالة عن الله بين الناس بها لأحد. ولكننا نتكلم عن مظالم الإنسان، هل تمحى بوفاته؟ وهل دعوات الناس له تغفرها له؟


هناك مظالم متعلقة بأفراد في الشعب المصري، وفي غير الشعب المصري، بين فساد مالي، وقتل، وتعذيب، وظلم بالسجن أو بضياع حق للشخص، فهل عفا أصحاب هذه المظالم عن مبارك؟ ما نعلمه جميعا، أنه ربما عفا البعض، ولكن المتيقن أن البعض الآخر لم يعف. فهل عفت عنه وفاء قسطنطين حينما سلمها للكنيسة وهي مسلمة، تسام سوء العذاب، وتحرم من حرية دينها؟

هل من قتلوا في سجون مبارك، عفا أولياء الدم عن مبارك، ومن قتلوا في ميدان التحرير بأمر من مبارك، وتنفيذ من داخليته، هل عفا أولياء الدم عنه وعن القتلة، ولو عفا أولياء الدم، يظل حق الشهيد المقتول في الآخرة معلقا بعفوه هو نفسه، وهذه الحقوق لا يغفر فيها للشخص كثرة صلاة ولا صيام ولا حج، بل لا بد حتما من عفو صاحب الحق.

فضلا عن حق الأمة الذي ضيعه مبارك، وشارك في ضياعه، وأول هذه الحقوق: التواطؤ مع الكيان الصهيوني لضرب غزة، وخنقها، وإغلاق المعابر، بل ضرب غزة في وقت كان أكبر مسؤول صهيوني وقتها في القاهرة، هل عفت غزة والأمة الإسلامية عن حقها هذا كي يغفر الله لمبارك هذا الإثم؟!

 

مظالم الأفراد

إن الشهيد لو مات، وكان في رقبته مظلمة أو دين، يؤخره الدَّيْن عن دخول الجنة وأجر الشهادة، فقد قام صلى الله عليه وسلم في الصحابة واعظا فذكر لهم أن الجهاد في سبيل الله، والإيمان بالله أفضل الأعمال، فقام رجل فقال: يا رسول الله أرأيت إن قتلت في سبيل الله تكفر عني خطاياي؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم، إن قتلت في سبيل الله وأنت صابر محتسب، مقبل غير مدبر، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف قلت؟ قال: أرأيت إن قتلت في سبيل الله أتكفر عني خطاياي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم، وأنت صابر محتسب، مقبل غير مدبر، إلا الدَّيْن فإن جبريل عليه السلام قال لي ذلك. فهذا عن دين شخص، فما بالنا بالديون التي للناس عنده، والديون التي أثقل كاهل الشعب المصري بها.

 

إن الشهيد لو مات، وكان في رقبته مظلمة أو دين، يؤخره الدَّيْن عن دخول الجنة وأجر الشهادة،


إن من يسرق في الإسلام شيئا يسيرا يمنعه ذلك من فضل الشهادة، فعن أبي هريرة أنه قال: "خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام خيبر، فلم نغنم ذهبا ولا ورقا، إلا الثياب والمتاع، والأموال، قال: فوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو وادي القرى ـ وقد أهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم عبد أسود، يقال له: مدعم ـ حتى إذا كانوا بوادي القرى، فبينا مدعم يحط رحل رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذ جاءه سهم فقتله، فقال الناس: هنيئا له الجنة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: كلا، والذي نفسي بيده إن الشملة التي أخذها يوم خيبر من المغانم لم تصبها المقاسم لتشتعل عليه نارا، فلما سمعوا ذلك جاء رجل بشراك، أو شراكين، إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: شراك من نار، أو قال: شراكان من نار".

هذا عبد عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، نال شرف خدمته، ونال الشهادة وهو معه، ولكنه حرم من أجر الشهادة، لأنه سرق شملة، أي: (كوفية) توضع على رقبته، شيء يسير جدا، حرمته هذا الشرف، وقد كانت من الغنائم، ووارد أن تكون من نصيبه بعد تقسيم الغنائم، لكنه تعجل وسرقها، فما بالنا بمن سرق الملايين، وأفسد صحة الملايين، وسرق أحلام الملايين، وسرق حقه في الغاز وباعه بأبخس الأثمان لإسرائيل، ثم اشترته مصر بعد ذلك بأغلى الأسعار.
 
إن الأمر جد خطير، لا يستهينن به أحد، مطلقا ألقاب ودعوات، دون التيقن من الموقف الديني، أو الشرعي، من مظالم العباد، وبخاصة من الحكام، الذين يتعدى ظلمهم الأفراد إلى ظلم الشعوب، إن ظلم واحد من الناس كفيل بأن يحرمك من الجنة حتى يعفو عنك المظلوم، فما بالنا بظلم ملايين البشر!.

[email protected]

التعليقات (0)