صحافة دولية

الغارديان: لا يمكن ترك الأمر للمليارديرات لحل مشكلات العالم

جنكينز: لا يمكننا ترك الأمر لأصحاب المليارات، مثل بيزوس وبلومبيرغ، لحل مشكلات العالم- جيتي
جنكينز: لا يمكننا ترك الأمر لأصحاب المليارات، مثل بيزوس وبلومبيرغ، لحل مشكلات العالم- جيتي

نشرت صحيفة "الغارديان" مقالا للكاتب سايمون جنكينز، يتساءل فيه قائلا: "من نريد رئيسا (هذا الملياردير المتكبر) أم الآخر؟". 

 

ويقول جنكينز في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إنه "ليس من الضروري أن تكون ثريا للفوز في الانتخابات الأمريكية، لكن ذلك سيساعدك كثيرا، وهجوم مايكل بلومبيرغ على الحزب الديمقراطي قد يشكل حالة متطرفة من محاولة الثروة شراء السلطة، لكن كما كان هناك تلميح يوم الأربعاء بأنه إن كان الأمر يحتاج إلى شخص ثري جدا للتخلص من دونالد ترامب، فليكن الأمر كذلك".

 

ويشير الكاتب إلى أنه "على الأقل فإن بلومبيرغ مرشح للانتخابات، لكن لننظر إلى السبيل الآخر للقيادة، لقد عرض جيف بيزوس أن ينقذ ليس أمريكا فقط لكن (الكرة الأرضية)، بعشرة مليارات دولار من ثروته الخاصة، وتبع خطوات بيل غيتس الذي خصص المليارات لعلاج الأمراض العالمية، ومارك زوكربيرغ، الذي وعد في عام 2015 بأن يضع 99% من أرباحه في (تطوير الإمكانات البشرية والتقليل من عدم المساواة)".

 

ويجد جنكينز أن "رد الفعل الساخر لهذا قد يكون هو الإشارة إلى البغض الذي يحظى به أثرى 1% من الناس، وربما كان الطمع شيئا جيدا في وقت ما، فلم تعط شركة (أبل) تحت إدارة ستيف جوبس شيئا للمنظمات الخيرية، بحجة أن العمل الخيري هو ما يمكن لملاك الأسهم في شركته أن يفعلوا في أرباحهم، وهؤلاء المذهبون ظنوا أنفسهم أنهم (صالحون) لأي مكان، في عالم يعاني من الانقسام، والرؤساء يرقصون بحسب إرادتهم، لقد اشتروا حماية الاحتكار من السلطات التشريعية، ويرددون شعار مليونيرة نيويورك الشهيرة ليونا هيلمسلي: (الصغار فقط هم من يدفعون الضرائب)".

 

ويستدرك الكاتب بأنه "مع زيادة الأرباح بدأت رائحتهم تفوح، فبعد أن تنفق كل ما تريد على نفسك وعائلتك تدق الإنسانية بابك، ولا يمكنك أن تهز كتفك وتذهب لتستأجر محاسبا آخر، إضافة إلى ذلك تلوح في الأفق أعمال الاقتصاديين، مثل ثوماس بيكيتي وروبرت رايخ، اللذين يحثان السياسيين للاعتناء بالـ99% الآخرين، لا أحد يسعد بعدد أقل يملك ثروة أكبر، وبالتدريج بدأت الـ 1% هذه تدرك بأنها مستفيدة من عملية خداع عملاقة".  

 

ويقول جنكينز: "لذلك لدينا مجموعة صغيرة من الناس يسعون للحصول على الغفران لذنوبهم، وفي الوقت الذي يسيرون فيه باتجاه الهضاب يلقون بالذهب من عرباتهم، هل تريد علاج الملاريا، أو تحل مشكلة المشردين، أو مالكا لـ(واشنطن بوست) أو منقذا لهذا الكوكب؟ فقط قل حاجتك و(رجلي سيقوم بالواجب)، لكن هناك صفقة يجب عقدها، لا تقتل الأوزة التي تضع البيض الذهبي: دعونا لا نسمع شيئا عن القوانين، ولننسى موضوع الضرائب، فهي ما تبذره الحكومات".

 

ويلفت الكاتب إلى أن "هذا هو الاقتصاد السياسي للعصور الوسطى، في وقتها كانت الكنيسة الرومانية الكاثوليكية وأساقفتها الذين كانوا أثرياء ولهم سيادة على الدول والحكام، فللكنيسة دفعت الإيجارات (للسكن والأرض) والعشور (عشر الإنتاج) والرشاوى والرسوم، ومن الكنيسة جاءت الحماية والرعاية، ووفرت الكنيسة الوظائف والمستشفيات والمدارس ودور العجزة والصدقات والغفران، وسيطرت على الحكام والولايات، فمن كان بحاجة لدولة ما دامت الكنيسة السخية موجودة؟". 

 

وينوه جنكينز إلى أن "تفويض النظام الاجتماعي هذا لمجموعة واحدة في المجتمع تحول إلى صراع، وواجهت مصيرها المحتوم خلال حرب الثلاثين عاما (في وسط أوروبا من 1618- 1648ٍ)، الذي كان أكثر الصراعات التي شهدتها أوروبا رهبة قبل القرن العشرين، وكان هناك اعتماد مشابه على الجمعيات الخيرية الخاصة لتقدم الرعاية الاجتماعية خلال الثورة الصناعية، من روبرت أوين وتيتوس سولت إلى عائلتي كارنيغي وروكفلر، وهذه أيضا قادت إلى النقيض، الاشتراكية ونظام دولة الشركات (وهو نظام شبيه بالنظام الفاشي)". 

 

ويبين الكاتب أن "حجة هؤلاء المنتمين لطبقة الواحد بالمئة تتمتع بمعقولية سطحية، وهي إن كان بإمكان الشركات العالمية أن تتعامل مع ميزانيات أكبر من ميزانيات نصف الدول في الأمم المتحدة، فما هي المشكلة؟ بالتأكيد أن العمل الخيري هو أمر جيد مهما كان مصدره، وإن كان المصدر فعلا سرقة مالية، فهذا مراوغة للدولة، ويمكن لوزارات المالية الحكومية أن تتحمل عددا من الموزعين لثروة الأمة الزائدة، وإن كانت السياسة التقليدية لا تستطيع علاج الأمراض، ولا معالجة الاحتباس الحراري ولا إنقاذ الصحف، فلماذا لا يسمح للرأسمالية بأن تحاول -مع الإعفاءات الضريبية طبعا".

 

ويرى جنكينز أن "التاريخ كله عبارة عن بندول ساعة، واليوم نرى أن الإجماع على الديمقراطية الاجتماعية للقرن العشرين بدأ يفقد زخمه، وأصبح الشعبويون والمستبدون في صعود، والليبرالية بمفهومها التقليدي في تراجع، والفكر المحافظ بحاجة أيضا لإعادة فحص نفسه من خلال التركيز على البعد المحلي والمجتمعي، وليس بتمجيد الرأسمالية المتطرفة للعصر الرقمي، مهما كفرت عن نفسها بالأعمال الخيرية". 

 

ويفيد الكاتب بأن "وضع مثل هذه الأعمال الخيرية على هذا المقياس المبالغ فيه ليس محددا، فهي تعرض فعلا أن تريح الحكومات من مسؤولياتها للرعاية والحماية والعناية، في الوطن وفي الخارج، لكن المؤسسات الخيرية مشهورة بالتبذير وقلة الفعالية، فتعتمد على النظرة الإيجابية لها لتجنب الرقابة، فهي غامضة بمستوى غموض الشركات الرأسمالية التي تحرص على تمويلها، ومع ذلك ستستقبل مليارات الدولارات".

 

ويقول جنكينز: "لذلك أجد فكرة أن يصبح مخزن من تلك الأموال الزائدة -المؤمنة عن طريق تجنب دفع الضرائب والتهرب من ضوابط الاحتكار- هو خزانة الدولة الخاصة لمجموعة صغيرة ليقوموا بتوزيعها بناء على رغباتهم أمرا غير مريح، وليست هذه مسألة سياسية لكنها مسألة دستورية، وفي الديمقراطية يجب أن يكون توزيع الأموال الزائدة هو مسؤولية الحكومة المنتخبة، وعلى الأقل فإن بلومبيرغ يعطي اعتبارا لهذا المبدأ: فهو يسعى لأن يتم انتخابه (إن استطاع أن يتجاوز الحوارات الديمقراطية الإشكالية والانتخابات التمهيدية)، بدلا من السعي خلف التبرئة من السرقة".

 

ويختم الكاتب مقاله بالقول: "يجب جمع الضرائب لمصلحة الجميع، ليتم توزيعها ديمقراطيا برضا تجمع عليه الأمة، فهكذا تعمل المجتمعات السليمة، وليس عن طريق التفكير بما يبدو أنه صحيح في الوقت الذي تستريح فيه على شاطئ في كاليفورنيا أو على متن يخت راس في موناكو".

 

لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)

التعليقات (0)