صحافة دولية

التايمز: هكذا حوّلت الطائرات المسيرة سير معركة طرابلس

تغير الصراع في طرابلس بشكل كبير بسبب الدرونات- التايمز
تغير الصراع في طرابلس بشكل كبير بسبب الدرونات- التايمز

نشرت صحيفة "التايمز" مقالا لمراسلها في طرابلس، أنتوني لويد، يبدأه بوصف عبوره خط الجبهة في سيارة تحت جنح الظلام، يقودها أحد المقاتلين، حيث تسارع واستدار عدة زوايا، لكن الانفجارات لاحقت السيارة، فأشار السائق الى الجو قائلا: "إنهم يروننا".

 

ويعلق لويد في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، قائلا إن "هذا كان مثالا حيا لتأثير الطائرات المسيرة على سير معركة طرابلس، لقد كانت هناك طائرة في الجو ترصدنا، فمهما كانت السرعة التي نسير بها، ومهما حولنا طريقنا، كانت القنابل تنفجر حول السيارة، وبقينا صامتين من الخوف ولعدم تمكننا من الكلام".

ويشير الكاتب إلى أنه "خلال الأشهر العشرة منذ أن بدأ خليفة حفتر هجومه على طرابلس تغير الصراع بشكل كبير بسبب الدرونات، فمن خلال استخدام درون لا تكلف عدة آلاف من الدولارات يمكن نقل صور حية للمستشارين الأجانب -الأتراك والروس والعرب- الذين يديرون مدفعيات تعمل بتوجيه الليزر لمتابعة سيارات مثل سيارتنا، وعندما وصلنا إلى مكان آمن قال لي السائق: (أصبح الآن يمكن للحرب أن تلاحقنا في الليل)".

 

ويلفت لويد إلى أن "المقاتلين نجحوا في إسقاط درون وأرادوا أن يفتخروا بعرض جزء منها، وكان لدي فضول بأن أرى تلك القطعة، لكن يبدو أن حماسي بين أنقاض خط التماس في طرابلس أنساني أهم قاعدة في الحرب، وهي أن تكون حذرا فيما تتمناه".

 

ويقول الكاتب: "كانت قيادة سيارة دون أنوار في منطقة صلاح الدين جنوب طرابلس، حيث جبهة القتال بين المقاتلين الموالين لحكومة التوافق الوطني وجيش حفتر، تجربة خالية من المشكلات، فلم يكن بإمكان أي من الجانبين بعدتهما وعتادهما، الذي يعود لفترة الحرب الباردة، أن يرى من تحركات الآخر سوى ما يقع في خط النظر المباشر". 

ويستدرك لويد بأنه "مع ذلك فإنه في الأشهر الأخيرة أصبحت الدرونات، ليست فقط ظاهرة عامة في حرب ليبيا التي ترتفع تقنيتها، لكنها بدأت تصيغ ساحة المعركة بشكل لم يسبق له مثيل في التاريخ الحديث، إلى هذه الدرجة أصبح استخدامها دائما وتم استخدامها بعدوانية من الطرفين".

 

ويفيد الكاتب بأن "حرب الدرونات المتصاعدة في ليبيا تسببت بخسارة مئات الأرواح بين المقاتلين من الطرفين لإعادة ضبط استراتيجياتهما، حيث أصبحت هناك عيون مخفية فوقهم تضرب مواقع وسيارات وأفرادا كانوا في السابق غير مرئيين".

 

ويبين الكاتب أنه "لذلك كانت الرحلة الليلية إلى الجبهة دون أنوار، وفي سيارة مدنية غير مناسبة للشوارع الممتلئة بالحطام الذي تتسبب به القنابل". 

 

ويقول لويد: "لدى توقفنا عند موقع أشار مصطفى، وهو مقاتل مع حكومة الوحدة الوطنية لم يرد أن يذكر سوى اسمه الأول، إلى آثار أسطول الدرونات الجديد الذي يستخدمه حفتر، الذي يتضمن درونات من صنع صيني من نوع (وينغ لونغ)، (وتعتقد الأمم المتحدة بأن الإمارات هي التي أمدت قوات حفتر بتلك الدرونات)، وأشار مصطفى إلى حطام سيارة (تويوتا) تابعة لمقاتلي حكومة الوفاق الوطني، وقال إنه من فعل درون".

 

ويضيف الكاتب: "كنا لا نزال بعيدين عن الجبهة، لكن كل تفصيل من تفاصيل السيارة المدمرة التي أصيبت خلال النهار، الشهر الماضي، يشير إلى أن ذلك الفعل قامت به درون، ويبدو أن ما أصاب السيارة هو صاروخ صغير اخترق السيارة، وترك حفرة صغيرة تحت السيارة لا يزيد قطرها على قدم واحد، واحترقت سيارة إسعاف كانت تقف بجانبها".

 

وينقل لويد عن مصطفى، قوله: "كنا نتنقل بسيارات (تويوتا) وأنوارها مضاءة.. لكن هذه الأيام علينا إطفاء أنوار السيارة والذهاب للجبهة في سيارات مدنية.. فقد خسرنا الكثير"، ثم جلسا خلف مقود السيارة و"انطلقنا نحو الجبهة".

 

وينوه الكاتب إلى أن تركيا قامت منذ أيار/ مايو العام الماضي بإمداد حكومة الوحدة الوطنية بأكثر من عشر درونات من نوع "بيرقدار تي بي2"، ردا على الدرونات الصينية التي يملكها حفتر، مشيرا إلى أن المبعوث الأممي الخاص في ليبيا، غسان سلامة، قدر في إيجاز له أمام مجلس الأمن في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر، بأن ما لا يقل عن 800 ضربة بالدرونات تمت دعما لحفتر خلال محاولاته للسيطرة على طرابلس، في الوقت الذي تم فيه استخدام الدرونات 240 مرة لصالح الحكومة في طرابلس. 

 

وتورد الصحيفة نقلا عن سلامة، قوله متهما قوات أجنبية بنشر فرق أجنبية متخصصة لتسيير الدرونات لصالح الطرفين: "أصبح استخدام القوة الجوية والتكنولوجيا الدقيقة ميزة سائدة لما كان قبل ذلك صراعا منخفض الحدة".

 

ويفيد لويد بأن هناك مقاتلين ومستشارين أجانب في الطرفين: تركيا ومقاتلين سوريين مع الحكومة، والإمارات ومرتزقة روس مع قوات حفتر، مشيرا إلى قول سلامة: "إن تقديرنا هو أن البنية التحتية للدرونات والعمليات التي تقوم بها توفرها أطراف خارجية للصراع".

ويشير الكاتب إلى أن حرب الدرونات زادت بعد اجتماع الدول في برلين الشهر الماضي للحث على احترام حظر الأسلحة المفروض على ليبيا على مدى الأعوام التسعة الماضية، لافتا إلى أن الطرفين يستخدمان الدرونات للتجسس وللضربات بعيدة المدى، ولأجل تقديم غطاء جوي للقوات على الجبهة.

 

ويلفت لويد إلى أن بعض الهجمات بالدرونات تسببت بإصابات جماعية كبيرة في مناطق بعيدة عن المعارك، فقامت درون يستخدمها جيش حفتر بضرب أكاديمية عسكرية في طرابلس على بعد أميال عن الجبهة، فأصيب 52 مجندا، بعضهم مراهقون، وكلهم غير مسلحين، في الوقت الذي كان يتم فيه تفقد الطابور، مشيرا إلى أن كاميرات المراقبة سجلت الانفجار الذي قتل 26 مجندا، وأصاب 14 آخرين بجروح خطيرة.

 

وينقل الكاتب عن عثمان بن عمارة (60 عاما)، والد الشاب مظفر، وهو أحد المجندين الذين قتلوا في الضربة، قوله في الوقت الذي كان يقاوم فيه انهمار دموعه، إن ابنه "لم ينضم إلى مليشيا، بل انضم إلى مؤسسة قومية كان من المفروض أن تشكل جزءا من مستقبل ليبيا، وكان ذلك يومه الخامس في التدريب، وكنت قد زرته هو وصديقه هناك.. مع غيرنا من الآباء الفخورين بأبنائهم، وفي اليوم التالي رأيتهم كلهم أمواتا في مشرحة المستشفى". 

 

وينوه لويد إلى أن "الدرونات الصغيرة التي تقوم بالحصول على أهداف جديدة هي كثيرة أيضا، والمقاتلون الليبيون يخشون درونات التجسس كما يخشون الدرونات المسلحة، حيث يعلمون أنها يمكن أن تستخدم في ضبط النيران أنظمة المدفعية المطورة الموجودة على الجبهة".

 

ويورد الكاتب نقلا عن مصطفى، قوله: "ليست ضربات الدرونات المباشرة هي المشكلة فقط.. لكن درونات المراقبة التي تستخدم للتنسيق مع فرق الهاون الروس لدعوتهم لإطلاق النار علينا، وقذائف الهاون الروسية دقيقة جدا، ويمكنهم ضبط الضربات بسرعة بحسب الصور التي تردهم من درونات المراقبة فيستطيعون إصابتنا بينما نحن في حالة حركة".

 

ويقول لويد: "بدا كأن المقاتل لا يهمه التهديد الذي وصفه عندما قاد السيارة، وعدا عن أصوات نيران الأسلحة الرشاشة المتقطعة بين الحين والآخر كانت الجبهة هادئة عندما قام بالتوقف أمام موقع قيادته في جبهة منطقة صلاح الدين".

 

ويضيف الكاتب: "في البداية كان كل شيء على ما يرام، ومشينا خلال الساحة إلى بناية سكنية ضخمة تعكس تناقضا في فخامتها، وكان يجلس عدد من المقاتلين يشربون الشاي وبجانبهم محطة شحن لأجهزة اللاسلكي، وكان المقاتلون من مصراتة مرحبين وكثيري الكلام ويتفاخرون بعرض جروحهم وقطعة من درون أسقطوها".

 

وينقل لويد عن مقاتل ضخم، قوله إن ما يحمله هو جناح ذنب تلك الدرون التي أسقطوها، وأضاف: "أسقطها أحد صواريخنا الأسبوع الماضي".

ويعلق الكاتب قائلا إن "تلك القطعة الرمادية المصنعة من الألياف الزجاجية، وعليها رقم متسلسل، تم تمريرها لتفحصها باحترام وإعجاب كبيرين، ثم توقف الكلام والضحك كله عندما سمع انفجار كبير من موقع عبر الشارع، ثم تبعه ثان ثم آخر أقرب في كل مرة: وكل واحد منها سبقه صوت إطلاق مدفع وصفير قنبلة قادمة، وقال مقاتل لمصطفى: (إنها سيارتك.. يستطيعون رؤيتها من الجو)".

 

ويقول لويد: "خرجنا من الأمن النسبي للبناية، وجلسنا في السيارة معنا اثنان كانا يتمتمان قائلين: (قرار خاطئ.. قرار خاطئ)، وقام مصطفى بالتسارع بعيدا عن المكان، وحاول السير في طريق متعرج، لكن أحدهم قال إنها درون، فيما قال آخر إنها قنابل موجهة بالليزر".

 

ويورد الكاتب نقلا عن مصطفى قوله: "إنها قنابل هاون روسية"، في الوقت الذي كان يدير فيه المقود يمينا ويسارا، وبينما تحركت السيارة في عتمة الشوارع، وأضاف أن "درون التجسس ترسل بالصور لوحدات الهاون لضربنا".


ويقول لويد: "مهما كان مصدر الانفجارات فإن تلك الانفجارات كانت تلاحق السيارة لعدة مئات المترات في مسارنا المتاهي، وأحد الانفجارات أمامنا والآخر خلفنا، وثالث غطى الزقاق جانب السيارة بغمامة من الغبار المعتم، وصمت ركاب السيارة تماما".

 

ويضيف الكاتب: "فقط بعد أن خرجنا من الجزء المعتم ودخلنا إلى الشوارع المضيئة وسط طرابلس استراح الرجال وبدأوا في الحديث ثانية، لكن الأمر استغرق وقتا قبل أن يضحك أي شخص".

 

ويختم لويد مقاله بالإشارة إلى أن "مصطفى قال: (هل رأيت كيف هي الحرب الجديدة؟) كأستاذ قام بإعطاء درس عملي عن درونات التجسس بعد أن قدم درسا نظريا، وقال: (قبل ذلك، كانت تتوقف، والآن تلاحقنا الحرب خلال الليل)".

 

لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)

التعليقات (0)