قضايا وآراء

بوتين المزاود في "محرقتين"

نزار السهلي
1300x600
1300x600
لا يخيل للمُشاهد والمستمع لبوتين في القدس، أثناء مشاركته في إحياء ذكرى "المحرقة اليهودية" وتأثره البالغ، وتمجيد دور روسيا في وقف الزحف النازي، إلا أن يستذكر ما خلفته سياسته في دمشق وفي عموم سوريا.

وخطاب بوتين المحمول على تملق الرواية الصهيونية غير بعيد عن معظم الخطاب الدولي المتواجد بجانب نتنياهو، إلا أن المثير في لغة القيصر الروسي والغائبة عن التحليل في شقها الإسرائيلي عن "فهلوة" محللي منصات إعلام الممانعة، يحضر بقوة من تل أبيب، مع أن بوتين كان قبل أسابيع قليلة في دمشق مستقبلاً الأسد، وقبلها في حميميم في اللاذقية، وكرر زيارات عدة، لكنه لم يحضر خطاباً قويا كالذي "انساب" من فمه في تل أبيب، شفاهه تتحرر هناك وعضلاته تشعل أفرانا بشرية هنا في سوريا.

يعتقد فلاديمير بوتين أن التجمع الحاشد في القدس لإحياء ذكرى "المحرقة اليهودية" الخامسة والسعبين؛ مهم وذو دلالة لصون الحضارة الإنسانية، وقال إن "الكارثة هي إبادة منهجية للبشر". وبعيداً عن التكرار المستثمر إسرائيلياً في الهولوكست يحضر الموقف الروسي بشكل صارخ في العصر الحديث مع تبوؤ قيصر الكرملين هرم الإبادة الممنهجة للسوريين.. الإبادة التي يتباكى عليها مذخّر وحشية النظام لم تزل مستمرة، وفي مقياس وعلوم الجغرافيا والتاريخ والسكان، تصبح محرقة السوريين على أيدي الغزاة الروس لها نفس الدرجة، وتتفوق في جزئيتها الأخلاقية على المستحضرة إسرائيليا باليوبيل الذهبي، والمستثمرة في مزاد زعيم الممانعة الروسي.

خمسة أعوام من أربعينيات القرن الماضي والهولوكوست "اليهودي" كانت كافية لرفع النظام الدولي رايته الأخلاقية، وعشرة أعوام من الهولوكست السوري ما زالت الأفران البشرية تنبعث منها رائحة الجثث البشرية، وما زال أثر السارين والكلور والنابالم الروسي يذخر سلاح قاتل السوريين.. ملايين الضحايا منع عنهم المزاود على إبادة الجنس البشري الإفصاح عن قبورهم وجثثهم والوصول لتفاصيل محرقتهم. ليس الجنس البشري فقط في سوريا تعرض للإبادة، بل حضارته التي يراها زعيم مافيا الغاز والسلاح قواعد عسكرية واقتصادية لإمبراطورية المافيا الجديدة.

ينبري القيصر الروسي أمام نتنياهو للتذكير بما حدث في أعوام الهولوكست اليهودي: "كان هناك أيضا تعاون مع النازيين خلال المحرقة.. مساعدو النازيين الذين كانوا في الغالب أكثر وحشية من النازيين أنفسهم. لم يقتصر الأمر على النازيين فحسب، بل على من خدمهم ومن ساعدهم من دول أخرى في أوروبا في مصانع الموت ومعسكرات الاعتقال".

بنفس القدر والذاكرة والقوة الأخلاقية والحضارية والإنسانية، نشير إلى أن من يساعد فاشية الأسد ويشعل محرقة السوريين من موسكو وطهران وعصاباتهم المستوردة، كانوا أكثر وحشية، أما التذلل الروسي أمام نصب "ياد فاشيم" في القدس، والزهو بجنرالات الوحشية الروسية والأسدية في سوريا، فلا يمنح ممارسة فاشية ونازية قلقا على إبادة البشر.

الخطاب الروسي في ذكرى المحرقة شعبوي بامتياز لا يختلف عن شعبوية الرواية الصهيونية لاستثمار الهولوكست، وعلى اعتبار أن كل المواقف والخطب تصب في مصلحة الجعبة الاسرائيلية أيا تكن الرسائل باتجاه إيران أو المجتمع الدولي، فهي تحمل الجانب المطمئن والهادئ في محيط المحرقة السورية.

رسائل تحمل للأسد بشائر استمرار النفاق الدولي بغض الأخلاق والضمائر عن محرقته بحق السوريين، كيف لا وهي كانت منذ البداية لطمأنة "أمن إسرائيل" حتى بات التحالف والتنسيق الروسي الإسرائيلي يكمن في جوهره تثبيت الأسد بهولوكوست سوري ممنوع الاقتراب منه دولياً بل هو محمي.

رسائل موسكو البوتينية في ياد فاشيم، تحمل حروفها الأسدية: الإبادة السورية لحماية "الحضارة" الإنسانية، وتدمير الحضارة السورية لتعيش "حضارة" القمع والقتل والإرهاب الحامي لإرهاب مُحتل، لا ينفك عن الإشادة بإنجازات حليفه الروسي في ميدان المحرقة السورية، والمزاودة والنفاق الأخلاقي في ذكرى المحرقة اليهودية، وهو غير بعيد بتاتاً عن زهو جنرالات القتل الروسي الأسدي بما ينجز ويستكمل في بلد تحول كله الى محرقة للحفاظ على كرسي مهووس لا يتقن في حضارة الروسي المنتمي إليها إلا القتل.
التعليقات (0)