ملفات وتقارير

نظام السيسي يفرض ضرائب على "اقتصاد الظل".. ما الأسباب؟

قال خبير اقتصادي إن "قضية اقتصاد الظل شغلت بال الحكومات المصرية منذ تسعينيات القرن الماضي"- CC0
قال خبير اقتصادي إن "قضية اقتصاد الظل شغلت بال الحكومات المصرية منذ تسعينيات القرن الماضي"- CC0

شدد خبراء اقتصاد ومشرعون سابقون على أن تجاهل الحكومة المصرية للمطالب الخاصة بإعفاء المشروعات الصغيرة من دفع الضرائب بشكل مؤقت، لن يسهم في دمج الاقتصاد غير الرسمي وتقنينه، طالما أصبح الهدف الوحيد للنظام هو "الجباية".


وقال خبراء في أحاديث منفصلة مع "عربي21"، إن أحد الأسباب الرئيسية وراء رغبة الدولة في تقنين هذه المنشآت ودمجها في الاقتصاد الرسمي، هو تحصيل "الضرائب" لتعزيز خزانة الدولة، التي تعاني من عجز يقدر بنحو 28 بالمئة من إجمالي الموازنة.


ووافقت لجنة المشروعات المتوسطة والصغيرة في مجلس النواب المصري مطلع الأسبوع الجاري، على عدد من مواد مشروع قانون "تنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر"، المقدم من الحكومة، وأقرت اللجنة الأسس المنظمة للضريبة المستحقة على مشروعات الاقتصاد غير الرسمي، والتي يزيد حجم أعمالها على مليون جنيه (63 ألف دولار)، ولا يتجاوز الـ10 ملايين جنيه، خلال فترة سريان الترخيص المؤقت.


حجم الاقتصاد غير الرسمي


في 21 تشرين الثاني/ نوفمبر 2017، قدر رئيس الوزراء المصري آنذك، شريف إسماعيل، حجم الاقتصاد غير الرسمي في مصر بنحو 1.8 تريليون جنيه (122 مليار دولار).


وقال إسماعيل إن "مصر مهتمة بإدخال صناعات الحرف اليدوية في الاقتصاد الرسمي، وما سيترتب عليه من زيادة في الناتج المحلي الإجمالي للدولة".

 

اقرأ أيضا: البرلمان يتجاهل فقراء مصر من جباية حكومة السيسي


في حين قدّرت وزارة التخطيط المصرية مساهمة القطاع غير الرسمي في الاقتصاد المصري نحو 40 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي للدولة، بينما يقول آخرون إنه يمثّل ما قد يصل إلى 60 بالمئة.


وصفوه "بالإرهاب الحقيقي"


وبحسب التعداد العام للسكان والإسكان والمنشآت لعام 2017، فإن غالبية المنشآت الاقتصادية في مصر صغيرة الحجم، فمثلا في القاهرة، 94.28 بالمئة من المنشآت الاقتصادية الخاصة يشتغل بها من 1 إلى 5 موظفين، و23 بالمئة من المنشآت الاقتصادية الخاصة يعمل بها موظّف واحد.


وتقول وزيرة التخطيط والمتابعة والإصلاح الاقتصادي، هالة السعيد، إن وجود الاقتصاد غير الرسمي بهذه الصورة أمر غير مشروع، حيث إنه ينافس المنتجات المرخصة بأقل تكلفة، نتيجة لتهربه من دفع الضرائب.


فيما وصفه النائب ورئيس اتحاد الصناعات المصرية، محمد السويدي، أثناء مناقشة قانون الضريبة في البرلمان في 2016، بأنه "الإرهاب الحقيقي فى البلد"؛ لأنه يحارب البلد داخليا ويحتكر الأسعار، على حد قوله.


آثار كارثية


بدوره، وصف عضو لجنة القوى العاملة بمجلس الشورى المصري السابق، النائب طارق مرسي، محاولة ضم الاقتصاد غير الرسمي إلى مظلة الضرائب بأنها "تعبر بصورة شديدة عن عقلية نظام الانقلاب وتعبر بصورة أشد عن شخصية السيسي نفسه ونظام تفكيره".


واستدرك مرسي لـ"عربي21" قائلا: "أما اعتبار أن هذه المحاولة تهدف الى توسيع شريحة دافعي الضرائب لسد عجز الموازنة، فهذا ظن في غير موضعه؛ فمن باب أولى وقف المليارات التي تنفق على انتصار وشهواتها، والحد من بناء قصور رئاسية، وترشيد مؤتمرات الشباب وتقليل بذخ مؤسسة الرئاسة، وغل يد الفساد التي تعتبر أحد أذرع السيسي في إدارة الدولة".

 

اقرأ أيضا: لماذا حقق القطاع الخاص بمصر أعلي معدل خسائر في 2019‎؟


وأوضح أن "نظام السيسي يهدف إلى تجويع المصريين وقهرهم، فالأجهزة والسلطات تطارد الشعب في لقمة العيش في صراع لا ينتهي، بينما السيسي وأعوانه يرتعون في الفساد، وها هي المصانع والشركات القومية الكبرى تتهاوى وتنهار، لذا فهذا التحرك هو تدمير وملاحقة للاقتصاد غير الرسمي، لينتهى كل شي على يد الجنرال".


وتابع مرسي: "لا ننسى الآثار الكارثية لمثل هذا التوجه من الناحية الاقتصادية وانعكاسها على المجتمع، حيث ستضاف ملايين أخرى من المصريين إلى مقبرة البطالة، ومن ثم تتفشي الجريمة والإدمان، وتزيد حالات الانتحار، فضلا عن حالة الدمار التي ستطال مساهمة هذا القطاع في الاقتصاد المصري".


غياب دور الدولة


من جانبه، قال الخبير الاقتصادي، أحمد ذكر الله، إن "قضية اقتصاد الظل شغلت بال الحكومات المصرية منذ تسعينيات القرن الماضي من أجل توسيع القاعدة الضريبية لجني أكبر قدر من الضرائب في سد عجز الموازنة، في المقابل يتغاضون عن فرض ضرائب تصاعدية على الأغنياء، وبالتالي تراكمت ثرواتهم، وزاد عدد المليونيرات، وزاد عدد الفقراء".


وأوضح ذكر الله في حديثه لـ"عربي21" أن "مصر تعاني منذ فترة طويلة من ركود اقتصادي كبير باعتراف البنك المركزي؛ ولذلك أطلق مبادرات إقراض لمواجهة حال الركود بسبب نقص الأموال في أيدي المواطنين من جهة وارتفاع الأسعار من جهة أخرى".


واستدرك: "إذن فرض ضرائب على ما يسمى باقتصاد الظل، الذي هو عبارة عن شريحة واسعة من المواطنين كالحرفيين وغيرهم، ستعمق من حالة الركود الاقتصادي؛ لأنها ستزيد من فقر هؤلاء، وتسريح بعض العاملين لترشيد النفقات في اقتصاد يبلغ حجمه وفق بعض التقديرات 60 بالمئة من العمالة، وقد يترتب عليه فقدانهم أعمالهم لإنهم بالكاد يربحون".


واعتبر ذكر الله "أن فرض الضرائب على اقتصاد الظل دون أن تقوم بأدوراها الرسمية برعاية المشروعات الصغيرة، فعلى سبيل المثال هذه الشركات الصغرى لا تستفيد من إعانات المصدرين ولا من أسعار الغاز المخفضة، ولا بتدريب العمالة؛ هو أمر ينطوي على محاربة لهم ولأرزاقهم".

التعليقات (0)