صحافة دولية

NYT: كيف تحملت نساء حلب المسؤولية بعد غياب أزواجهن؟

نساء حلب يتحملن المسؤولية بعد قتل أزواجهن وتشريدهم- نيويورك تايمز
نساء حلب يتحملن المسؤولية بعد قتل أزواجهن وتشريدهم- نيويورك تايمز

نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا للصحفيتين فيفيان يي وهويدا سعد، تقولان فيه إن النساء في شرق حلب كن قليلا ما يخرجن قبل الحرب، لكنهن اليوم أصبحن يشكلن فاعلا رئيسيا في الحياة اليومية خلال فترة السلام المرير.

 

ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أنه في المناطق الفقيرة والمحافظة في عاصمة سوريا الاقتصادية، قليلا ما كانت النساء يغادرن البيت، وفقط مع أزواجهن إن فعلن ذلك، فلم يكن الرجال هم الساعون لطلب الرزق فقط، بل هم من يذهبون للتسوق أيضا.

 

وتقول الكاتبتان: "ثم جاءت الحرب الأهلية، منذ ثماني سنوات ولا تزال مستمرة، وتسببت بموت جيل من الرجال أو سجنهم أو نزوحهم ليعيشوا في مخيمات اللجوء، والآن مع وقوع معظم البلد تحت سيطرة الحكومة، فإن التقدم يعتمد على النساء اللواتي بقين: جزء منهن ناجيات، وجزء آخر في حالة حداد، وجزء ممن جئن مع قوات النظام".  

 

وتقول الصحيفة إن الجدات يقمن بتربية الأطفال اليتامى، فيما تخشى العازبات من عدم العثور على أزواج، والأرامل يقمن بإعاشة عائلات أصيبت بخسائر لم تكن تتخيل أنه يمكن تحملها، ويتعامل العالم معها اليوم على أنها أمر روتيني.

 

ويلفت التقرير إلى أن النساء يغادرن في حالات كثيرة بيوتهن للعمل لأول مرة، حيث استسلمت العادات القديمة لظروف الحرب القاسية والانهيار الاقتصادي، مشيرا إلى أن ذلك ليس أمرا جديدا في المدن مثل العاصمة دمشق، لكنه تحول سريع بالنسبة لبعض المناطق في هذا البلد المحافظ دينيا.

 

وتنقل الكاتبتان عن فاطمة رواس (32 عاما)، التي فتحت صالون تجميل للمحجبات في شهر أيار/ مايو، بعد 3 سنوات من وفاة زوجها في الحرب، قولها: "سابقا، كانت النساء يخشين كل شيء.. لكن الآن ليس هناك ما يخيف".

 

وتذكر الصحيفة أن رواس كانت في التاسعة عشر من عمرها عندما زوجت لابن عمها دون استشارتها، لكنها كانت عنيدة ولسانها حاد فقالت لأهلها إنها لا تريد ذلك، وتحت الضغط قالت لها أمها: "يمكنك أن تقولي لا إن لم تحبيه"، وبدأ خطيبها يتصل بها ثلاث مرات في اليوم، وعندما تزوجا كانت قد وقعت في حبه.

 

وينوه التقرير إلى أنها استقرت مع زوجها في شرق حلب، وكانت قليلا ما تغادر البيت، كما هو الحال في كثير من أنحاء سوريا المحافظة، التي معظم سكانها من المسلمين السنة مع وجود أقليات دينية أخرى، وكان زوجها يقوم بشراء ما يحتاجونه بالإضافة إلى المهمات الأخرى، فيما تعتني هي بالأطفال. 

وتفيد الكاتبتان بأنه في عام 2012 بدأ القتال بين الثوار في شرق حلب وقوات الحكومة في غربها، فمزقت المدينة إلى نصفين، ومع الوقت الذي سيطرت فيه القوات الحكومية على شرق حلب في أواخر عام 2016، بعد أربع سنوات من سفك الدماء، تحولت خلالها شرق حلب إلى دمار. 

 

وتقول الصحيفة إن رواس رجت زوجها الهروب، لكنه أصر على البقاء ليحرس محل النجارة، ورفض أن ينضم للثوار الذين ألقوا به في السجن، مشيرة إلى أنه بعد 15 يوما جاع الأطفال، وخرجت رواس والخوف يملأ أوردتها لشراء الحليب لهم، وكانت قنابل القوات الحكومية تسقط في الخارج، وبعضها تستهدف المستشفيات، فيما ملأ القناصة الشوارع، وكان، كما ذكرت، مشوارا طويلا وصعبا.

 

وبحسب التقرير، فإنه لدفع كفالة لخروج زوجها من السجن، فإنها باعت كل ما كان لديها، ومارست أعمال خياطة واقترضت، وتذكر أنه قال لها في تموز/ يوليو 2016 بعد خروجه من السجن: "أتمنى أن أموت قبلك.. لأنك أقوى مني"، وفي اليوم التالي سمعوا انفجارات وعندما جرى إلى الخارج أصابته شظايا فقتلته في مكانه.

 

وتفيد الكاتبتان بأن رواس أصبحت تمشي إلى السوق في الشوارع التي لم تكن تألفها بعد، متجنبة نظرات الغرباء، فتسير إلى الطبيب للعلاج من الاكتئاب والإرهاق، ثم إلى مدرسة التجميل حيث بدأت تدرس التجميل، وقامت بالتوفير والاقتراض من الهلال الأحمر، وفي أيار/ مايو فتحت صالونا في غرفة متضررة في الطابق العلوي من بيتها، وعلقت لافتة تحمل اسمها على الباب. 

 

وتورد الصحيفة نقلا عن رواس، قولها: "عندما تعمل فليس عليك أن تطلب شيئا من أحد.. فحين تحتاج النساء يمكن أن يتم استغلالهن"، مشيرة إلى أنها تقدم خدمات المكياج والحواجب وقص الشعر للنساء المحجبات، اللواتي يبقين مهتمات بأشكالهن بالرغم من كل شيء، وتتساءل قائلة: "هل علينا أن نموت بعد موت أزواجنا؟".

 

ويستدرك التقرير بأنه بالرغم من أنها نشأت وهي تقص الشعر لصديقاتها وقريباتها إلا أن أباها لم يسمح لها بالتكسب من هذا العمل، قائلا إن العمل يعرض المرأة للاستغلال من الرجال، مشيرا إلى أن والديها يريدان الآن أن تتوقف عن العمل وتذهب للعيش معهما، لكنها ترفض ذلك.

 

وتذكر الكاتبتان أن رواس وقعت في الحب مرة ثانية، لكنها قالت إنها لا تجرؤ على مخالفة منع والدها بأن تتزوج ثانية، لأنه يعتقد أن على الأرملة أن تنذر نفسها لتربية أطفالها فقط، وإن خالفته فقد يأخذهم منها، وأحيانا تقول لو لم يكن عندها أطفال، لكانت تحمل هم نفسها فقط، مشيرة إلى أن العمل يساعدها على النسيان، وتقول: "فقط في الليل أتذكر الأشياء السيئة التي حصلت كلها".

 

وتقول الصحيفة إنه على بعد عدة ساعات للجنوب في مدينة اللاذقية، تقوم لقاء الشيخ وخطيبها بأخذ الصور داخل قاعة أعراس، حيث التقيا وأخيرا سيتزوجان، وكانا يجلسان على أريكة بيضاء مضاءة بأضواء النيون الزهرية ومتوجة بالزهور الصناعية، وقالت: "لقد انتظرت طويلا لأجلس على هذه الأريكة".

 

ويشير التقرير إلى أن لقاء وصديقاتها كن يتوقعن الكثير من الأزواج، فعادة ما يكون المهر ذا قيمة كبيرة: مثل سيارة وبيت ونقود في اللاذقية، أو كيلوغرام من الذهب على شكل حلي في حلب، لكن عندما وقع القتال، فإن غالبية السكان في اللاذقية من الطائفة العلوية التي ينتمي إليها الرئيس بشار الأسد، أرسلوا بآلاف الشباب إلى المعركة في أنحاء سوريا كلها وانهار الاقتصاد، فقررت الشيخ، البالغة من العمر 34 عاما، أنها لا تستطيع ان تتماشى مع مقاييس ما قبل الحرب.

 

وتورد الكاتبتان نقلا عن الشيخ، قولها: "لم يعد في سوريا سوى القليل من الرجال، هذه هي المشكلة الآن.. بعض صديقاتي ينتظرن أن يعطيهن الرجال كل شيء لكن الأوضاع صعبة. فنحن في حالة حرب"، وسارعت لتضيف أنها لم تتنازل في اختيارها لخطيبها، فهو جندي وصفته بأنه "لطيف ووسيم ومسؤول".

 

وتذكر الصحيفة أن الشيخ نصحت صديقاتها العازبات بأن يقمن بشيء من التنازل؛ لأن الحالة طارئة، لكن الكثيرات بقين خائبات الأمل، وقد لجأت بعضهن لإضافة أشخاص غرباء على "فيسبوك"، وهي حيلة لم تستخدم قبل الحرب، ونجحت مع بعضهن، مشيرة إلى أن من النادر ألا تجد امرأة عزباء لم تبحث في هذا المجال بشيء من اليأس.

 

وينقل التقرير عن عفراء داغر (36 عاما) من اللاذقية، التي لديها صديقات في الحالة ذاتها، قولها: "ليس هناك رجال في سوريا، في جيلي كلهم إما شهداء أو جنود"، وردت على سؤال، قائلة: "كيف تقابل الرجال الآن؟"، قائلة: "لا أدري.. أتركها لله".

وتلفت الكاتبتان إلى أن مشغل الملابس "ملابس بارو" في حلب، تملكه بارو مانوكيان (44 عاما)، وهي مسيحية أرمنية، وهي امرأة في صناعة غالبية العاملين فيها من الرجال.

 

وتنوه الصحيفة إلى أن مانوكيان قامت بفتح مشغلها بعد طلاقها عام 2011، مشيرة إلى أن نصف العاملات معها فقدن أزواجا أو أخوة أو أبناء في الحرب، وعدة عشرات يعملن من البيت، في إضافة الكسرات والكشكش للملابس، فيما تعمل ثلاث عاملات أخريات خلف المشغل، تغطيهن ستارة بلاستيكية من عيون الرجال.

 

ويورد التقرير نقلا عن مانوكيان، قولها: "أنا من طلب الطلاق، لكني متأكدة لو تزوجت الآن فإن زوجي سيطلب الطلاق لأنني أعمل طيلة اليوم".

 

وتقول الكاتبتان إن النساء الثلاث العاملات في الغرفة الخلفية يتحدثن عن مشكلاتهن -المال والرجال والأطفال- في الوقت الذي يقمن فيه بالعمل، ويحاولن تجنب الحديث عن الأشخاص الذين فقدوا.

 

وتشير الصحيفة إلى أن زوج حياة كشكش منعها من العمل، لكن عندما تراجع راتبه الحكومي العام الماضي، بحيث أصبح لا يكفي بسبب الغلاء، قامت كشكش (53 عاما) بإيجاد العمل دون طلب إذن زوجها، وقالت له: "لقد وجدت عملا وسوف أذهب إليه"، فقال لها: "لا بأس، اذهبي".

 

ويستدرك التقرير بأن ذلك كان أحيانا عبئا بمقدار ما هو انتصار، فتقول كشكش: "عليك الآن أن تطبخي وتغسلي وتنظفي وتقومين برعاية الأطفال بالإضافة للعمل.. قبل مغادرة البيت عليك أن تنظفيه وبعد العمل تعودين إلى البيت لتقومي بالطبخ"، مشيرة إلى أنه لكون اثنين من أبنائها مجندين في الجيش فإنها تحاول أن تبقي نفسها مشغولة، وتقول: "آتي (إلى العمل) لأهرب".

 

وتلفت الكاتبتان إلى أن فاطمة كيلزي، التي كانت تقوم بلصق بعض الزينة على القمصان، مستخدمة الصمغ الحار، قالت في الوقت الذي كانت فيه سيجارة تتدلى من طرف فمها: "أنا هنا لأهرب من أطفالي"، فضحك الجميع، فهي التي تقول النكت وتحاول تلطيف الجو لزميلاتها في العمل، مشيرتين إلى أنها تزوجت في سن 11 عاما، ولم تتخيل لنفسها عملا غير ربة بيت، لكنها الآن وفي سن 44 عاما أصبحت أرملة عاملة لديها ست بنات تنفق عليهن، وقالت جادة هذه المرة: "أعمل لأجل أطفالي.. لأنني أصبحت الأم والأب".

 

وتقول الصحيفة إن الشوارع حول مشغل بارو كلها إعلانات لتشغيل الخياطات، مشيرة إلى أن محمد داغر (38 عاما) فوجئ بعدد النساء الأرامل اللواتي اتصلن يبحثن عن عمل عندما أعاد فتح مصنعه قبل ثلاثة أعوام، وتقوم الآن عدد من النساء بالعمل في أجزاء مغطاة بالستائر. 

 

ويستدرك التقرير بأنه يدفع لهن أقل من الرجال، لأنه يرى أنهن لا يملكن الخبرة في الخياطة، فيقول: "إنهن بطيئات وضعيفات.. إن هذا العمل جديد بالنسبة لهن"، وعندما لمس الامتعاض صحح نفسه، قائلا: "أصبحت النساء متساويات مع الرجال.. ويعملن بالجهد ذاته".

 

وتنوه الكاتبتان إلى أن سامية حنوف (39 عاما) لم ترب على العمل، وكانت قد تركت المدرسة في سن 15 عاما، وتزوجت في سن 19، واستقرت في اللاذقية، وأصبح عندها ثلاثة أطفال قبل أن يقتل زوجها الذي كان جنديا مع الحكومة عام 2013.

 

وتفيد الصحيفة بأنها لا تزال تتحدث إلى صورته طيلة الوقت، حيث تقول له كل شيء: كيف الوضع مع غياب الخيارات لرعاية الأطفال، عندما بدأت تعمل في معمل ألبان، وكانت تجهز طعام الإفطار لأطفالها تم تغلق الباب عليهم وتأمل أن تسير الأمور على ما يرام، وكيف اشترت خضارا تالفا أول مرة ذهبت فيها لشراء حاجات للبيت.

 

وتختم "نيويورك تايمز" تقريرها بالإشارة إلى أن حنوف تريد أن تعمل بناتها عندما يكملن دراستهن في المدارس، وقالت: "لا أريدهن أن يكن مثلي.. غير قادرات على الاعتناء بأنفسهن".

 

لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)

التعليقات (0)