صحافة دولية

FP: كيف أثبت اغتيال سليماني خطورة سياسة ترامب تجاه إيران؟

فورين بوليسي: سياسة ترامب تجاه إيران مجنونة- جيتي
فورين بوليسي: سياسة ترامب تجاه إيران مجنونة- جيتي

نشرت مجلة "فورين بوليسي" مقالا لأستاذ العلاقات الدولية في جامعة هارفارد، ستيفن والت، يقول فيه إنه لم يمض أقل من أسبوع على عام 2020 واستطاع الرئيس دونالد ترامب ان يورط نفسه في أزمة أخرى، خطيرة ولا طائل منها، مع إيران

 

ويقول والت في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إن "هذه النتيجة شبه الحتمية لنهج ترامب تجاه الشرق الأوسط بشكل عام (ولإيران على وجه التحديد)، الذي يفتقر إلى الرؤية السليمة، بالإضافة إلى أنها تعد إثباتا آخر على العجز عن صياغة سياسة متماسكة وفعالة تجاه أي قضية عالمية مهمة".

 

ويتساءل الكاتب قائلا: "متى وصلت هذه البلد إلى هذا المستوى من السوء في تخطيطها الاستراتيجي؟ وللعدل، فإن المشكلة تسبق ترامب، مع أن عدم كفاءته واندفاعه وعدم اكتراثه بالنصح، ومقدرته الغريبة على اختيار مستشارين من الدرجة الثالثة، كلها جعلت المشكلة تبدو أسوأ، وقد تكون النتيجة النهائية خسارة المزيد من الأرواح -بعضها لأمريكيين- والمزيد من تآكل المكانة التي تحتلها أمريكا عالميا، وذلك على افتراض أن أمر ترامب باغتيال قائد قوات القدس في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، لم يؤد إلى حرب شاملة".

 

ويبين والت أنه "بالنسبة لإيران، فإن الاغتيال خطأ استراتيجي هو بالكامل من صنع ترامب، فمن خلال تحفيز من السعودية وإسرائيل والمؤسسات الصقورية، مثل مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، وبعض مموليه الأثرياء، انسحب الرئيس من الاتفاقية النووية متعددة الأطراف التي نجحت في وضع حد لبرنامج ايران النووي، وشكلت انفراجا دبلوماسيا كان يمكن لإدارة أكثر حكمة أن تستخدمه للتعامل مع أنشطة إيران الإقليمية، ثم بدأ بعدها حملة ما يسمى بالضغط الأقصى، الذي هو عبارة عن برنامج حرب اقتصادية متكاملة ضد إيران، للقضاء على إمكانيات البلد في تخصيب اليورانيوم، ولإجبار إيران على تغيير سياستها الخارجية بما يلائم أمريكا، وربما لإسقاط النظام".

 

ويشير الكاتب إلى أن "الإيرانيين العاديين يعانون بشكل كبير نتيجة للعقوبات الأمريكية، لكن النظام الإيراني لم يخضع لمطالب ترامب ولم ينهار، وبدلا من ذلك تحرك بشكل تدريجي نحو العودة إلى برنامجه النووي، وأقام علاقات جيدة مع كل من روسيا والصين، وانتقم من حلفاء أمريكا في المنطقة".

 

ويرى والت أن "منطق رد طهران مباشر ومتوقع: إن كانت أمريكا تريد جعل الحياة صعبة لإيران فإن قيادات إيران سيثبتون أن بإمكانهم جعل الحياة صعبة بالنسبة لأمريكا أيضا، ولا يحتاج الأمر إلى أكثر من تفكير استراتيجي بسيط لتوقع رد فعل إيران وإدراك أن الضغط من جانب واحد لن يؤتي أكله".

 

ويجد الكاتب أنه "من خلال تجنب الدبلوماسية والاعتماد فقط على التهديد والإكراه، لم يترك ترامب مجالا لنفسه، فإما أن يتراجع أو يقوم بالتصعيد عندما أصبح من الواضح أن استراتيجية الضغط الأقصى أتت بمردود عكسي، فعندما قامت مليشيا موالية لإيران بشن هجوم في بداية كانون الأول/ ديسمبر 2019، قتل فيه متعاقد أمريكي، رد ترامب بضرب معسكرات المليشيا، ما أدى إلى مقتل أكثر من 20 عراقيا، وقام المتظاهرون العراقيون المؤيدون لإيران بمحاصرة السفارة الأمريكية في بغداد، ودون أن تكون هناك خسائر في الأرواح، وقام المتظاهرون في المحصلة بالتفرق وبدا أن الأمر بدأ بالبرود، لكن ترامب قام بالمصادقة على اغتيال سليماني، وهو مسؤول إيراني رفيع المستوى ويحظى باحترام كبير، في بغداد في الساعات الأولى من صباح الجمعة".

 

ويقول والت: "لفهم كيف تنظر إيران إلى مسلسل الأحداث، فكر في كيفية رد أمريكا لو قام عدو أجنبي بقتل عضو في هيئة الأركان المشتركة أو رئيس وكالة الاستخبارات المركزية، أو ربما نائب الرئيس، ما كانت واشنطن لتتجاهل حدثا كهذا، وقول هذا ليس دفاعا عن سليماني، الذي كان في المقاييس كلها عدوا لدودا لأمريكا، لكن لطرح السؤال الاستراتيجي الصحيح: هل يخدم اغتيال مسؤول كبير في حكومة أجنبية المصالح القومية؟ وهل سيجعل هذا الفعل الأمريكيين أكثر أمنا وثراء، أو يزيد من نفوذهم حول العالم؟ والجواب على السؤالين هو لا". 

 

ويلفت الكاتب إلى أنه "ابتداء، فإن إيران سترد بكل تأكيد، كما كانت أمريكا ستفعل لو كان الوضع معكوسا، وسيقوم النظام الإيراني بفعل ذلك في الوقت والوسيلة اللذين يختارهما، وبطريقة تضاعف الألم والأثر السياسي، وثانيا، فإن الاغتيال سيشعل القومية الإيرانية، ويقوي القوى المتشددة في إيران، ما يقلل من احتمال تغير النظام، وثالثا فإن اغتيال سليماني على الأراضي العراقية انتهاك للسيادة العراقية جعل حكومته في وضع أسوأ مما هي عليه، وقد شجب رئيس الوزراء المؤقت، عادل عبد المهدي، الفعل الأمريكي، ورابعا فإن ترامب أعطى إيران حافزا أكبر للحصول على الأسلحة النووية، وهي خطوة قد تضطر واشنطن للذهاب إلى حرب شاملة، أو تتراجع وتقبل بقنبلة ذرية إيرانية، وهذا كله مع بلد لديها نزاعات خطيرة مع شركاء أمريكا الإقليميين، لكنها لا تهدد أمن ولا رفاه أمريكا ذاتها بأي شكل من الأشكال". 

 

ويقول والت: "أخيرا، هذه سابقة تضعها أمريكا، وكان العالم السياسي، وارد ثوماس، كتب في مقال أكاديمي عام 2000 إن هناك تقليدا دوليا قويا ضد قيام الدول بعمليات اغتيال، ويعزى ذلك إلى حد كبير إلى أن زعماء الدول القوية يفهمون أنه من مصالحهم المتبادلة هي ألا يقتلوا بعضهم، ولم يمنع هذا التابو تماما استخدام هذا التكتيك، وقال ثوماس إن هذا التقليد بدأ بالتآكل في العقود الأخيرة، لكن هل نريد فعلا أن نعيش في عالم يعد فيه الاغتيال طريقة عادية في التعامل بين الدول ويصبح الاغتيال شائعا؟".

 

ويؤكد الكاتب أن "صقور السياسية الأمريكية لا يريدون أن ينتهي الأمر بهم إلى أن يكونوا على قائمة اغتيال أحد اللاعبين الدوليين، وبالتأكيد لو قرر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن يأمر بقتل الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلنسكي، أو إن قرر زعيم كوريا الشمالية، كيم جونغ أون أن يكرر جهود جده في قتل السياسيين في كوريا الجنوبية، سيكون من الأصعب لأمريكا أن تعارض".

 

ويجد والت أنه "مع أن اغتيال الأشخاص السيئين قد يكون جذابا لرغبة الانتقام الشديدة، إلا أنه قليلا ما يحل المشكلات السياسية الكامنة، وقد غادر كثير من الزعماء السيئين هذه الحياة في العقود الأخيرة لكن التحديات السياسية التي جسدوها لا تزال تتسبب لنا بالإشكاليات، زعيم تنظيم القاعدة السابق، أسامة بن لادن والرئيس الليبي السابق، معمر القذافي، وزعيم كوريا الشمالية السابق، كيم جونغ إيل، والرئيس العراقي السابق، صدام حسين، وزعيم حركة طالبان السابق، الملا محمد عمر، وزعيم تنظيم الدولة السابق، أبو بكر البغدادي وكثير من أعداء أمريكا الذين ذهبوا، لكن وفاتهم لم تحل بشكل سحري مشكلات السياسة الخارجية المرتبطة بهم، لكن في الحقيقة فإن عملية (قطع الرأس)، (التي تعني اغتيال كبار القادة) تتجه إلى تمكين المتطرفين وميلهم إلى عنف أكبر".

 

ويقول الكاتب: "باختصار، فإن سياسة إدارة ترامب بخصوص إيران -بما في ذلك هذه الحادثة الأخيرة- تبدو وكأنها خالية من أي منطق أو هدف استراتيجي، وفي الواقع فإن ترامب ووزير خارجيته مايك بومبيو ووزير الدفاع مارك إسبر وبقية فريق السياسة الخارجية هم مثل لاعبي الشطرنج الذين فشلوا في التفكير في أكثر من حركة في كل مرة، ولذلك غابت عنهم حقيقة واضحة في السياسة الدولية، وهي أن اللاعب المقابل يأخذ دوره في تحريك قطعه أيضا، فإن شجبهم ودعم الوجود العسكري والعقوبات والهجمات بالطائرات المسيرة هو سياسة خارجية على طريقة فن الاستعراض، بدلا من السياسة الواقعية القائمة على التفكير والدراسة كما يليق بقوة عظمى".

 

ويختم والت مقاله بالقول: "الآن للأخبار السيئة جدا: إن غياب التفكير الاستراتيجي -وتشكيل هدف واضح وتطوير خطة متناسقة للوصول إليها وتوقع كيف يمكن للآخرين أن يردوا- ليس محدودا في تعامل أمريكا مع إيران، بالإضافة إلى أن ذلك يتجاوز إدارة ترامب، ويمكنني في الواقع أن أقول إن إمكانية البلد على صياغة سياسات واضحة وفعالة أصبحت في حالة تآكل لبعض الوقت، وسأتناول هذا الموضوع بالدراسة في مقالات مستقبلية".

 

لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)

التعليقات (0)