قضايا وآراء

ما بعد مقتل سليماني.. نذر مواجهة لن تقع!!

نزار السهلي
1300x600
1300x600

يتجه قدرٌ كبير من تحليلات مرحلة ما بعد مقتل الجنرال قاسم سليماني بطائرات أمريكية في بغداد، لتأكيد، أن مجمل العوامل الإقليمية والدولية، تلتقي على قرب المواجهة العسكرية المباشرة، والتحذير منها والدعوة لضبط النفس، تحليلات تشبه إلى حد بعيد أجواء إلغاء واشنطن الاتفاق النووي من جانب واحد مع إيران، واستهداف طائرة الرصد الأمريكية من دون طيار فوق مياه الخليج في حزيران (يونيو) من العام الماضي، وصولاً لحادثة محاولة اقتحام السفارة الأمريكية في بغداد، التي سرعت الرد الأمريكي المدروس باستهداف سليماني، والبعض الآخر يتشاطر الرأي على إجراء تسوية تفاوضية لنزع فتيل مواجهة تُستخدم لابتزاز الخزائن المالية والعسكرية لدول المنطقة، ابتزاز يتقاسمه الطرفان الأمريكي والإيراني، بعدما أصبحا ينظران للحل العسكري على أنه أمر متعذر التحقيق، إن لم يكن مستحيل في المدى المنظور، وإن اطالة أمد شعارات المواجهة اللفظية تخدم الأطراف المعنية في كل من طهران وتل أبيب وواشنطن.

 

إشاعة نذر المواجهة


الأطراف الثلاثة، تستفيد من إشاعة نذر المواجهة "القريب والمؤجل" لحين إنجاز كثير من الملفات في المنطقة، وسوء الفهم من قبل طرف أو أكثر من أطراف السياسة الإقليمية، وتحديدا تلك المنضوية تحت سطوة شعارات طهران، تجهل كثيرا من القضايا، إذا أضيف لها مسرح العمليات العسكرية في سوريا إضافة للمشهدين اللبناني والعراقي، التي يشكل مجالهما نقطة ارتكاز وفهم لما يجري على هذا الصعيد، بالاستناد للمنجزات التي حققتها طهران في كل من العراق و سوريا، إن كان على صعيد التدمير والانتشار، أو ارتكاب المذابح والسيطرة، والتي تعني بمجملها تدمير المراكز السكانية والمدنية للسوريين، تحت سمع وبصر واشنطن التي تزمجر كما طهران عن فقدان الصبر وقرب ساعة الحسم بعد كل ضربة اسرائيلية وأمريكية لميليشياتها في العراق وسوريا، في حين تقوم أذرع إيران وميليشياتها حسب "تصنيف" واشنطن بتنفيذ أعمال الإرهاب كل لحظة في سوريا وبعض عواصم المنطقة من الرياض إلى بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء.

مع أنه وفي أوقات كثيرة لسنوات مضت، كانت مثقلة بدماء وحطام سوريين وعراقيين ولبنانيين ويمنيين، لم تستدع استنفارا حقيقيا للمواجهة يجمع عليه المجتمع الدولي، تأتي تبريرات دونالد ترامب باستهداف قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني، بأنها لمنع وقوع مواجهة مع إيران، أو تلك التي أفصحت عنها المصادر الإسرائيلية بتوجيه ترامب تطمينات لإيران بعيد إسقاط الطائرة، وتفيد أن لا ضربة تلوح بالأفق، لتعزز فرضية المواجهة اللفظية. واستخدام شعارات المواجهة يخدم بنهاية المطاف الطرف الإيراني المستفيد بشكل أو بآخر من خلال تحقيق بعض استراتيجيات أمريكا واسرائيل في المنطقة.

 

حاجة استعمارية


ومن خلال استخدام سلاح الشعارات والتراشق اللفظي الذي قال عنه ترامب إن "الإيرانيين توقفوا عن الهتاف الموت لأمريكا" واعتبره إنجازا لسياسته، بالإضافة إلى ذلك يعتقد كل مراقب لمسرح تطورات المواجهة بين واشنطن وطهران، أنها تصب في جعبة الاستعلاء والغطرسة المتبادلة بينهما، فإيران حاجة استعمارية كما هي حاجة بقية أنظمة الطغيان والاحتلال في المنطقة، ولم تشكل يوما تهديدا وبديلا يمكنه رسم ملامح تغيير في المنطقة يقوض مصالح أمريكا والاحتلال.

تزايد نفوذ النظام الايراني، ومنحه مزيدا من مكاسب الاتجار بالشعارات، ضمن تبدلات ساهمت في خلق مناخ أكثر مؤاتاة لحفلات تبادل "الصراع اللفظي" بالرغم من أي ظواهر معينة تدل على العكس، مثل حالة العداء المستمر بين طهران والولايات المتحدة، وحوادث احتجاز جنود أمريكيين واعتراض قواربهم، كما حصل "في 12 كانون ثاني (يناير) 2016، احتجزت القوات البحرية التابعة للحرس الثوري الإيراني زورقين حربيين للقوات الأمريكية وعلى متنهما عشرة بحارة مسلحين، أو من خلال الهتاف المستمر بالرد المزلزل على "الكيان الصهيوني" أو تلك التي ترتكبها ميليشيات إيرانية من خلال استهداف حلفاء واشنطن بطائرات مسيرة..

 

سقوط ملايين الضحايا في سوريا واليمن والعراق، بفعل تقاسم المصالح الأمريكية ـ الإيرانية، لم يؤد لمواجهة مباشرة، فلما القلق؟


مناطق التزام التنسيق والتعاون بين طهران وواشنطن، سواء على الساحة العراقية منذ العام 2003 أو الأفغانية وحتى السورية، التي تشكل قاعدتها قراءة الموقف، تشير بمعظمها أن نذر التصعيد تصب في خدمة الأهداف المتفق عليها، والتي ساهمت بشكل هائل في العراق وأفغانستان، ومن ثم في سوريا في الدعم الحثيث لاستراتيجية قوى الاحتلال الأمريكي والإسرائيلي الذي التزم النظام الإيراني بصيغ من تطور التعاون في ساحة العراق على مدار عقدين. 

 

تحولات مهمة

تبقى رغبة محللي نذر التصعيد الأخير "في محور الممانعة" تميل لتسجيل تحول أساسي في المواجهة، من خلال تكريس قواعد اشتباك جديدة، لكنها محدودة التأثير، وتعيد تلميع صورة إيران في المنطقة على أنها رأس حربة المواجهة، وبما يخدم محور الثورات المضادة، وأنظمة القمع، لكن تبقى التحولات المهمة في المنطقة، وبشكل حاسم هي التي تقر أن حاجة طهران وتل أبيب لواشنطن والعكس صحيح، فيهما كثير من خيوط التلاقي عكس العُقد التي يتم تخويف وابتزاز المنطقة بها، وبغض النظر عن مزاعم المغالاة في المواجهة المزعومة أمريكياً وإيرانياً وإسرائيلياً بعد مقتل سليماني، تبقى عوامل التقاء المصالح حاضرة بقوة على صعيد الإنجاز المحقق إيرانياً وإسرائيليا وأمريكياً في المنطقة، فالقوة الإيرانية جاهزة لمؤازرة القمع وأحداث الحطام العربي في أكثر من ميدان، وهو مجال لا يشكل تهديدا لمصالح " الأعداء" بقدر ما يحقق جزءا كبير منها.

سقوط ملايين الضحايا في سوريا واليمن والعراق، بفعل تقاسم المصالح الأمريكية ـ الإيرانية، لم يؤد لمواجهة مباشرة، فلما القلق؟ وإدارة الظهر لمواجهة تقع منذ عشرة أعوام خلفت ملايين الضحايا في سوريا، وهي التي يفترض أن تشكل عنوان القلق والاهتمام للمجتمع الدولي. القلق يجب أن يصوب على الجرائم والمجازر المستمرة حتى اللحظة من أذرع إيران وموسكو، والقلق على الثورات في بغداد وبيروت ودمشق، فالتوافق على بقاء الأسد بمعرفة ورضا واشنطن، وبدور قاسم سليماني في الساحات العربية أو المؤسسة الإيرانية بنشر الإرهاب والقتل، هو توافق على إيران كحاجة مثل بقية أذرع الطغيان والاحتلال وتلك حقائق سورية وعربية لا يمكن طمسها !!!

التعليقات (0)