كتب

قراءة تاريخية وعلمية في أسس النظام الليبرالي الحديث

كتاب يدرس تاريخ العولمة وأسسها الفكرية والسياسية  (عربي21)
كتاب يدرس تاريخ العولمة وأسسها الفكرية والسياسية (عربي21)

الكتاب: 2020 ومابعد! وما بعد إشكاليات حضارية في عولمة بلاهوية
الكاتب: د. حاتم علامي
الناشر: الدار العربية للعلوم ناشرون ،الطبعة الأولى صيف 2019، بيروت لبنان، 
(359 صفحة من الحجم الوسط).

أسئلة تطرحها العولمة.. بين يدي الكتاب 

يعيش العالم منذ نهاية الحرب الباردة، وسقوط المنظومة الاشتراكية عام 1991، في ظل العولمة الليبرالية المتوحشة. ويطلق النقاد على هذه العولمة بالليبرالية الجديدة، أو الليبرالية العولمية، أو الليبرالية المتوحشة "ديكتاتورية الأسواق" و"ديكتاتورية تقنيات الإعلام الجماهيري"، لأنها عولمة بلا هوية، تجسد "توتاليتارية "جديدة متناقضة كليًا مع الليبرالية الكلاسيكية الغربية في مرحلة صعودها في أوروبا خلال عصر فلاسفة الأنوار.

لقد دأبت الأيديولوجية السائدة في الغرب على نقد ووصف النظام الشيوعي الذي كان سائدًا في روسيا السوفييتية ودول أوروبا الشرقية بالنظام التوتاليتاري. وقد كان لمفهوم التوتاليتارية، الذي يعرف بالشمولية، دور كبير في إسقاط التجربة التاريخية للشيوعية. ومن أهم خصائص هذه التوتاليتارية، تميزها بعدد من الثوابت والعلامات الفارقة: الحزب الشمولي الواحد، الدور المركزي للأيديولوجيا، إلغاء الحدود الفاصلة بين الدولة والمجتمع، تقديم دولة السلطة على سلطة الدولة، تضخم أجهزة القمع والإرهاب وافتراسها المجتمع، نفي مشروعية الصراعات الداخلية وتقديس مبدأ الانصهارية .

غير أنه مع انتصار إيديولوجيا النيوليبرالية، أو الليبرالية الجديدة في زمن العولمة، التي تزعزع أسس الحياة الاجتماعية في مختلف أنحاء المعمورة شمالاً وجنوبًا، والتي تقوم على المرتكزات التالية: الدعوة المتطرفة إلى الحرية الاقتصادية، وإنكار دورالدولة في ضبط آليات وحركة النظام الرأسمالي والتخفيف من شروره الإجتماعية (تحديدا في مجال التوزيع والعدالة الإجتماعية)، هيمنتها على المنظمات المالية الدولية (صندوق النقد الدولي والبنك الدولي)، وتعاملها مع البلدان النامية من منطلق التكيف وضرورته مع السوق الرأسمالي العالمي، وإبعاد الدولة وإضعافها، وترك آليات السوق لكي تعمل طليقة، برزت  في العالم الغربي إيديولوجيا نقدية هي الأكثر شيوعا اليوم، إيديولوجيا مضادة للعولمة الرأسمالية المتوحشة، تصف الليبرالية الجديدة أو الليبرالية المتوحشة، بإيديولوجيا كاملة لإدارة الأزمة في النظام الرأسمالي العالمي .

ويترافق مع ازدهار الليبرالية الجديدة هذا، وحتى في البلدان الرأسمالية الأكثر تقدما، انحسار مهم لدور السلطات العامة بدءا بالبرلمان، وتخريب بيئي وتصاعد انعدام المساواة، وتسارع الفقروالبطالة، أي كل ما يمثل نقيض الدولة الحديثة و المواطنية. ونشهد أيضا فصلا جذريا بين تطور تقنيات الإعلام الجديدة من جهة، ومفهوم تقدم المجتمع من جهة أخرى .

ما هو جوهر الأيديولوجيا الليبرالية؟

ظهرت الأفكار الليبرالية في عصر التنوير وحتى الثورة الصناعية (1750 ـ 1850)، وهي تشكل منارة مضيئة وعظيمة في تاريخ تطور البشرية. فالليبرالية متناقضة جذريا مع الأيديولوجيا الإقطاعية، أي أنها ضد فكرة الماوراء حين أكدت على موضوعية الطبيعة والمادة. وهي ضد الوحي والميتافيزياء حين أكدت على العقلانية والعلم. وهي ضد الاستبداد حين أكدت على الحرّية وهي ضد سحق الفرد وامتصاصه في المجموع، حين أكدت على أولوية الفرد. فقد جاءت الليبرالية كانتصار باهر على النظام الاقطاعي الذي ساد في العصور الوسطى، وهو النظام الذي كان يستند على الاستبداد والعبودية وقهر حرية الفرد وحقوقه وشكل حينذاك بمؤسساته وقيمه وعلاقاته عائقا أمام  تطور الرأسمالية في ظهورها .

 

ظهرت الأفكار الليبرالية في عصر التنوير وحتى الثورة الصناعية (1750 ـ 1850)، وهي تشكل منارة مضيئة وعظيمة في تاريخ تطور البشرية


وهكذا، فإنَّ الأفكار الليبرالية هذه شكلت منظومة لإيديولوجيا متكاملة لليبرالية، التي عبرت عن مرحلة تاريخية محددة، هي مرحلة الرأسمالية الوليدة والصاعدة، وعن اتساق متطلبات تقدم البشرية مع متطلبات صعود الطبقة البرجوازية. ولم يكن من الممكن انتشار الأفكار الليبرالية في مختلف دول القارة الأوروبية، و في الولايات المتحدة الأمريكية لو لم تكن متفقة إلى أبعد الحدود مع حرية الفرد التي قادتها إلى محاربة الاستبداد على الصعيد السياسي، وإلى العقلانية على الصعيد المعرفي، وإلى العلمانية، وتحرير المرأة، والديمقراطية التي تشكل التخطي الديالكتيكي لهذه الليبرالية .

أما الليبرالية الجديدة، فقد جاءت بمنهاج جديد لإدارة الرأسمالية في زمن العولمة. وقد كشفت عن عدد من الحقائق أهمها :

 1 ـ تتسم  العولمة الرأسمالية المتوحشة الحالية باستقطاب الرساميل والتدفقات الاستثمارية، وبالتالي بتركيز الثروة و الرأسمال في البلدان الرأسمالية الصناعية المتقدمة ، خاصة في الولايات المتحدة .

2 ـ يزداد إفقار العالم الثالث وتهميشه وتتخذ عمليات نهبه السافرة والمقنعة طابعا همجيا .

3 ـ تلعب الولايات المتحدة الأمريكية دورا رئيسا في صياغة هياكل القوة الاقتصادية من خلال قوتها  السياسية والعسكرية. ومنذ فرضت الولايات المتحدة الأمريكية هيمنتها المطلقة على النظام الدولي الجديد في ظل القطبية الأحادية، حاولت أن تصيغ العالم على شاكلتها ومثالها، ونشر سلطتها في العالم الفوضوي الذي وصفه هوبس. والولايات المتحدة لاتثق بالقانون الدولي ولا بالمواثيق الدولية، و هي تنظر الى تحقيق الأمن, كما الدفاع عن الليبرالية الجديدة، عبر حيازة القوة العسكرية واستخدامها.

في كتابه الجديد، الذي يحمل العنوان التالي: "2020 ومابعد! إشكالية حضارية في عولمة بلا هوية"، للكاتب الباحث الدكتور حاتم علامي، والذي يتكون من خمسة فصول كبيرة، يتناول فيه مسائل شائكة كالحضارة، والعولمة والهوية، إِذْ يشهد العالم سباقاً محموماً بين عدة اتجاهات إيديولوجية بشأن التحديات الحضارية الماثلة على الخارطة الدولية. 

 

منذ فرضت الولايات المتحدة الأمريكية هيمنتها المطلقة على النظام الدولي الجديد في ظل القطبية الأحادية، حاولت أن تصيغ العالم على شاكلتها ومثالها،


وفيما يرى الكاتب أنَّ الخيار الوحيد للعرب يتماهى مع تطلعات تتمحور حول تعزيز فرص التواصل والانفتاح والحوارمع العالم الخارجي، يشهد العالم بالمقابل في ظل العولمة الليبرالية الأمريكية المتوحشة سباقًا محمومًا للتسلح، وتفاقمًا للنزعات العدوانية وللتسلط والاستئثار من جانبي القوى الدولية الكبرى، علمًا أنَّ  العقود الأخيرة شهدت أحداثا أساسية كانت وراء الأسئلة الراهنة، في ظل اكتشافات علمية مهيبة لصالح الحضارة وتغليب منطق العقل والتطور.
 
يقول الباحث حاتم علامي: "ماذا يحمل معه الـ 2020 اصطلاحاً لرمزية العشرين في عشرينية التكوين، وعشرينية الأقاليم والجزر والأرض، وفيزيولوجية التكوين البشري، في ظل التفسير الذي يعطى للصفر كرموز للخلود والقداسة، والإثنين كرمز للثنائيات مصدر الأمل".

ويضيف: "ماذا تخبئ العقود التالية من القرن، وهل التنبؤ هو اختزال لعجز الإنسان عن مواكبة التطور بالعلم والاكتشاف الذي شهدت البشرية نماذج مرغوبة خلال تطورات التحديث والمدنية، وعلام تنطوي تداخلات الإيمان و الثقافة و إبستمولوجيا العقل والانتظام المعرفي والمنظومة الدينية إزاء ثلاثية الحداثة و الحضارة و العولمة، وماهومصير الهوية في مد وجزر بحر هائج بالتحولات"(ص 10 من الكتاب).

لقد توسع الباحث في هذه الدراسة، وتطرق إلى عدة محاور وعناوين، بعد أن أخذ موضوع البحث إلى امتداداته في كنف الفضاء الحالي الذي يجري في ظله تطور قضايا وجودية بالتلازم مع صياغة مفاهيم تعكس المستوى الخاص الذي بلغه تقدم العلم مؤسساً لنظرية فلسفية جديدة. لذلك جاء تداخل هذه العلوم ليؤمن فرصة جديدة لمقاربات شاملة، تجمع إلى مواجهة تحديات الحاضر، رؤية لخلق مسارات إيجابية في كنف التطور المستدام للتعاطي مع ضرورات ذات علاقة بالإيجابيات التي تحققت وملت معها في الوقت نفسه تحديات حقيقية جديدة. 

وينصب البحث على تجاوز الأطر الضيقة في المكان والزمان، حيث إَنَّ أحد وجوه الأزمة التي طغت على حركة الفكر العربي تتمثل في انحسار مدى الأبحاث التي حالت دون إيجاد مخارج لأزمة الواقع العربي، حيث تركزت على أعمال وأفكار بدلاً من الاهتمام بتجاوز الأطر والأبحاث القديمة، وربما كان الأمر ناجماً عن الاهتمام بالبحث عن مكان في الصف الأول على مقاعد الوقت الضائع، ولذلك جاءت أعمال الترجمة في المقدمة، بحثاً عن تظهير لأزمتنا في الفكر العالمي الموسوم بالتقدم العلمي والفكري الذي جاء مدعماً منذ عقود بنتائج العولمة والتكنولوجيا.
 
يقول الباحث حاتم علامي في هذا الصدد: "لقد ذهب الفكر العربي بعيداً في البحث عن ذاته داخل أسوار الحضارة العالمية بمقاربة تستند إلى توليفة تاريخية شمولية الطابع، دينية المضمون، ليبرز السؤال هنا عما إذا كان هذا البحث في استخدامه للأدوات المعرفية التقليدية للفكر المترنح بعد قرون يفيد في كسر العزلة المستمرة، أو أنه يؤدي إلى التقهقر والضياع ويخلص إلى تسليم مفاتيحه المعرفية إلى الحداثة المتغربة صرحها الثقافي الغربي المتعايش مع حضارات العالم بدرجات متفاوتة، في ظل سيطرة طابع المواجهة مع الحضارة العربية الإسلامية المتشاكسة مع ذاتها ومع الحاضر المستقبل بألف سؤال وسؤال"(ص 15 من الكتاب)..

التعليقات (0)