كتاب عربي 21

الإسلاميون والحراكات الشعبية: مخاوف وأسئلة وتحديات مستقبلية

قاسم قصير
1300x600
1300x600

لا تزال الحراكات الشعبية في العالم العربي (وخصوصا ما يجري في لبنان والعراق) محور نقاش وحوار في الأوساط الفكرية والدينية والسياسية في البلدين وخارجهما، ولا سيما لدى القوى والحركات الإسلامية، في ظل المخاوف المتزايدة من أن يكون أحد الأهداف الأساسية من وراء هذه الحركات استهداف تجربة الإسلام السياسي، والتأكيد على فشل تجربة الإسلاميين في الحكم، وعدم قدرتهم على تقديم الإجابات الكافية لحاجات الناس وهمومهم الاجتماعية، واتهام بعض الأوساط الشعبية للإسلاميين بمشاركتهم في عملية الفساد السياسي والاقتصادي، أو تغطيتهم للفاسدين أو تحالفهم مع القوى الفاسدة لتحقيق أهداف أخرى.

ورغم نجاح بعض الحركات الإسلامية في مقاومة الاحتلال أو مواجهة التحديات الخارجية، فإن تجربتهم في بناء الدولة وإقامة الحكم العادل والناجح لم تكن في مستوى طموح الناس وآمالهم.

رغم نجاح بعض الحركات الإسلامية في مقاومة الاحتلال أو مواجهة التحديات الخارجية، فإن تجربتهم في بناء الدولة وإقامة الحكم العادل والناجح لم تكن في مستوى طموح الناس

وعلى ضوء ذلك شهدت العاصمة اللبنانية، بيروت، العديد من الحوارات والنقاشات العلنية وغير المعلنة (ولا سيما في الأوساط الإسلامية) حول أبعاد الحركات الشعبية وأهدافها، والآفاق التي ستؤدي إليها. وتزامن ذلك مع حالة من الإرباك أصابت بعض هذه الأوساط (ومنها حزب الله والقوى القريبة منه) في كيفية التعاطي مع هذه الحركات.

وتعددت الآراء والمواقف بين اعتبار هذه الحركات حالة شعبية وعفوية وضرورية لمواجهة الفساد والظلم، سواء في لبنان أو العراق، وبين توجيه الاتهامات لمن يقف وراء الحراكات الشعبية من قوى خارجية أو قوى داخلية لاستغلالها بهدف تحقيق بعض الأجندات الخارجية. وقد أدت بعض المظاهر السلبية التي شهدتها التحركات الشعبية في البلدين إلى زيادة المخاوف منها، والانزلاق إلى فتنة كبيرة لا يمكن السيطرة عليها.

لكن بعض الأوساط الإسلامية (ومنها الجماعة الإسلامية وتيار المرجع الراحل السيد محمد حسين فضل الله وشخصيات دينية متفرقة) تعاطت مع الحراك بإيجابية، ودعت للاستجابة لمطالب الناس ومعالجة همومهم بسرعة لأنها السبب الرئيسي وراء ما يحصل، حتى لو حصلت أخطاء جانبية من وراء التحركات الشعبية. وتبنت بعض هذه الأوساط (ومنها المجمع الجعفري للبحوث والدراسات الإسلامية الذي يرأسه العلامة الشيخ محمد حسين الحاج) فكرة الدعوة لقيام الدولة المدنية كحل جذري للأزمات القائمة، والحاجة لبلورة هذا المشروع مستقبلا.

 

تعددت الآراء والمواقف بين اعتبار هذه الحركات حالة شعبية وعفوية وضرورية لمواجهة الفساد والظلم، سواء في لبنان أو العراق، وبين توجيه الاتهامات لمن يقف وراء الحراكات الشعبية من قوى خارجية أو قوى داخلية لاستغلالها بهدف تحقيق بعض الأجندات الخارجية

وخلال لقاء حواري خاص مع الأمين العام للجماعة الإسلامية الأستاذ عزّام الأيوبي، في مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي، كانت له مقاربة إيجابية وموضوعية من هذه الحركات الشعبية، حيث أكد أن الجماعة الإسلامية في لبنان لا يمكنها إلا أن تكون في مواجهة الفساد، ولكنها ترفض أي استغلال داخلي أو خارجي لتحرك المواطنين كما ترفض الانزلاق نحو الفتنة.

واعتبر الأيوبي أن الحركة الإسلامية في المنطقة العربية كانت دائما إلى جانب تطلعات الشعوب بالحرية والعيش بكرامة، لأنها أساسا تقوم على قيم تؤمن بذلك. وضرب مثلا على ذلك؛ وقوف الحركة الإسلامية إلى جانب تطلعات الشعوب العربية منذ اللحظة الأولى لما اصطلح على تسميته الربيع العربي، إلا أنّه أشار إلى أنّ الجماعة رفضت في الوقت عينه أية محاولة استغلال لتحركات المواطنين، سواء من الداخل أو من الخارج، ونبّهت إلى مخاطر ذلك وعواقبه. كما أكّد على أنها أيّدت خيارات التعبير السلمي الحضاري، وفق القانون وبعيدا عن كل ما من شأنه أن يلحق الضرر بالمواطنين المتأذّين أساسا من حالة الفساد، أو يفتح الباب أمام الاستغلال الخارجي أو الداخلي، أو حتى أمام الفتنة التي يمكن أن تعصف بالبلد وتنزلق به نحو المجهول.

من جهته، المستشار الثقافي الإيراني في بيروت، الدكتور عباس خامه يار؛ طرح عددا من التساؤلات والملاحظات حول الحراكات والتطورات المتسارعة في المنطقة، مؤكدا أهمية توضيح الرؤية الإسلامية واتخاذ مواقف واضحة وشفافة تجاهها، في ظل ما تعيشه شعوبنا من تحديات كبيرة واستهداف للقضية الفلسطينية والمسجد الأقصى والمقاومة، والتحضير لوعد بلفور جديد وبمسميات جديدة كصفقة القرن.

كما قُدمت خلال اللقاء إشكالات عديدة حول الموقف الإسلامي من الحركات الشعبية وحاجة الإسلاميين لتفهم ما يجري، وخصوصا في ظل بروز أجيال جديدة لم تعد تجد آمالها وأمانيها في ما تطرحه الحركات الإسلامية من أداء أو رؤى فكرية واجتماعية.

وفي محاولة لمواكبة الناشطين الدينيين لما يجري من حراكات شعبية، نظّم منتدى المسؤوليّة الاجتماعيّة الدينيّة في مؤسّسة أديان لقاء حواريا بعنوان "دور الناشطين في الشأن الدينيّ في ظل التطورات المحليّة الراهنة".

 

كل ذلك يطرح على الإسلاميين الحاجة المّاسة لضرورة مقاربة هذه الحراكات برؤية جديدة والاستفادة منها لإعادة تقييم تجربتهم السياسية والفكرية ومواكبة التحديات المستقبلية

واعتبر رئيس مؤسسة أديان الأب فادي ضو؛ أن مسؤوليّة المؤمنين والناشطين في الشأن الدينيّ مزدوجة. إذ يسعون مع سائر المواطنين في النضال بوجه الفساد والاستبداد من جهة، ويعملون من جهة أخرى على عدم انزلاق النضال نحو خطابات الكراهيّة والفتنة. وقد توصل المشاركون في اللقاء إلى مجموعة أسس يمكن أن تعتمد لمقاربات الحركات الشعبية وكيفية التعاطي معها، ومنها: الاحترام المطلق للكرامة الإنسانيّة، احترام التنوّع والاختلاف وقبول التعدّدية الوطنيّة، ومواجهة كل أشكال العنف والحفاظ على السلميّة، ورفض تغطية الفساد بالدين والطائفة، وتركيز الخطاب الدينيّ في هذه المرحلة على القيم المشتركة التي تعزّز المواطنة الحاضنة للتنوّع، وتجنب تسييس المرجعيّات الدينيّة والخروج من الخطاب الطائفيّ إلى الخطاب الوطنيّ، والحفاظ على الحراك الوطنيّ والسلميّ للوصول إلى وطن نعيش فيه كلّنا بكرامة.

هذه بعض المحاولات والمقاربات الإيجابية للتعاطي مع الحراكات الشعبية، لكن الخوف الأكبر أن تنزلق الأمور نحو مسارات سلبية (كما شهدنا مؤخرا في العراق ولبنان، وكما حصل سابقا في بعض الدول العربي)، وكل ذلك يطرح على الإسلاميين الحاجة المّاسة لضرورة مقاربة هذه الحراكات برؤية جديدة والاستفادة منها لإعادة تقييم تجربتهم السياسية والفكرية ومواكبة التحديات المستقبلية، وإلا فإن المتغيرات ستعصف بهم ولن يكونوا قادرين على مواكبة ما يجري مستقبلا.

التعليقات (0)