كتاب عربي 21

الديكتاتوريون ومسامير جحا

جعفر عباس
1300x600
1300x600

يرحل الطواغيت عن كراسي الحكم قسرا أو بأمر ملك الموت، ولكن الجراثيم التي غرسوها خلال سنوات حكمهم في أجسام بلدانهم، تظل سارية المفعول لآماد طويلة، فأدولف هتلر صعد إلى كرسي المستشارية في ألمانيا في عام 1933، وبعد ذلك بست سنوات كان قد ملّ حكم بلد واحد، وشرع في تحقيق طموحه بإخضاع أوروبا وأجزاء من آسيا وإفريقيا لحكمه، فأشعل الحرب العالمية الثانية التي انتهت بهزيمة بلاده وانقسامها إلى دولتين: شرقية تحت سيطرة الاتحاد السوفييتي، وغربية تتحكم فيها الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون.

 

ستالين وبري وصدام حسين

كثيرون يلقون تبعة تفكيك الاتحاد السوفييتي ـ مدحا أو قدحا ـ على آخر رؤسائها ميخائيل غورباتشوف، في حين أن من كتب نعي الدولة السوفييتية هو جوزيف ستالين، الذي حكمها لثلاثين سنة متصلة، أذاق فيها الشعب شتى صنوف الهوان والترويع والتجويع، وبعد أن حل نيكيتا خروتشوف على كرسي الرئاسة في موسكو شرع ومن خلال المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفييتي (1956)، في تفكيك إرث ستالين، والتبرؤ من أساليبه في الحكم، ولكن الستالينية بقيت سوسا ينخر في جسم الاتحاد السوفييتي، وهياكل وممارسات العديد من الأحزاب الشيوعية في مختلف القارات، حتى كانت "القاضية" بتفكك منظومة الدول الاشتراكية تماما في عام 1990.

 

صارت حلايب التي ظل السودان يدير شؤونها طوال نصف قرن باعتبار أنها جزء من أرضه، صارت مصرية بالكامل، منذ فشل محاولة اغتيال جماعة البشير لحسني مبارك في عام 1997، وكان سكوت البشير عن تمصير حلايب ثمنا لسكوت مصر عن تلك الجريمة.


ديكتاتور الصومال سياد بري حكم بلاده بالحديد والنار لاثنتين وعشرين سنة (1969 ـ 1990)، ورغم رحيله عن كرسي الحكم، قبل نحو ثلاثة عقود، ما زال الصومال أبعد ما يكون عن التعافي، بل تتنازع على الاسم (الصومال) كيانات ثلاثة، لأن الجينات السياد برية تجري في عروق المتحاربين على خلافته. 

وقد سعى صدام حسين لتحقيق حلمه الإمبراطوري وأشعل الحرب مع إيران، ولما انتهت بالتعادل السلبي، حسب الكويت غنيمة باردة سهلة، فقام بغزوها في آب (أغسطس) من عام 1990، وانتهى به الأمر وقد فقد السيطرة على كردستان العراقية، وكان الغزو الأمريكي للعراق في عام 2003، والذي أُعدم صدام في سياقه، من الآثار الجانبية لغزو صدام للكويت، وها هي الأصوات ترتفع في عراق اليوم مطالبة بالفيدرالية التي تراعي التقسيم الطائفي والعشائري، وفي ظل البطش الذي يمارسه خلفاء صدام بحق الشعب، فليس من المستبعد أن تتحول المطالبة بالفيدرالية إلى مطالبة بتقرير المصير للسنة والشيعة، وتقرير المصير هو مقدم الصداق للانفصال.

 

البشير على خطى ستالين


عمر البشير حكم السودان نفس عدد السنوات (30) التي حكم فيها ستالين الدولة السوفييتية، وكما أن ستالين استخدم الماركسية لتبرير أعماله الوحشية، فقد استغل البشير الإسلام لإشباع ميوله النرجسية، وارتكب كل فعل يخالف الإسلام لتعزيز حكمه، فتسبب في مقتلة دامت خمس عشرة سنة في جنوب السودان، ثم قبل بفصله عن السودان ورقص لذلك طربا، وبموازاة ذلك شن حربا وحشية على أهل دارفور، وها بعضهم اليوم وبعد رحيله يطالبون بتقرير المصير لخوفهم من ورثة عرش البشير.

سودان ما بعد البشير سيظل يدفع ثمن شطحه ونطحه لسنوات طويلة مقبلة، وسافر رئيس وزراء السودان الجديد إلى الولايات المتحدة مرتين خلال شهرين على أمل إقناع الحكومة الأمريكية برفع اسم بلاده من قائمة الدول الراعية للإرهاب، من منطلق أن البلد لم يعد تحت قبضة رعاة الإرهاب الذين فتحوا البلاد لتنظيم القاعدة، واحتضنوا الجهاديين المصريين ورتبوا معهم لاغتيال الرئيس المصري حسني مبارك في عام 1997، ثم أتوا بكارلوس (ابن آوى) ليعلمهم الرماية، ولما انكشف أمر استضافتهم له باعوه لفرنسا ببضعة ملايين من الدولارات، ومن منطلق أن الشعب الذي كان ضحية الإرهاب الممنهج من قبل عصبة البشير، هب من غفوته وينشد العودة إلى المجتمع الدولي كعضو معافى من الشبهات.

 

سودان ما بعد البشير سيظل يدفع ثمن شطحه ونطحه لسنوات طويلة مقبلة،


وغني عن القول أن أمر انهيار أو نهوض السودان لا يعني كثير شيء للأمريكان، ومن ثم قالوا لحكومته الجديدة: "من حلَّ ديْنه نامت عينه"، والدين المقصود هو أن تدفع هذه الحكومة أحد عشرة مليار دولار، دية ضحايا الهجوم على المدمرة الأمريكية كول (عام 2000)، وسفارتي الولايات المتحدة في نيروبي ودار السلام (1998) من قبل تنظيم القاعدة الذي استضافه سودان عمر البشير سنين عددا .

والمبلغ المطلوب سداده من قبل السودان هو ما قضت به محكمة أمريكية قبل سنوات من سقوط حكم البشير، وكانت حكومة البشير قد كلفت محاميا للدفاع عنها أمام تلك المحكمة ولكن المحامي فص ملح وداب، وهكذا غاب السودان عن جلسات المحكمة الختامية، فصدر الحكم بالتعويض الملياري، فما كان من البشير إلا أن لجأ إلى التهريج المعتاد "أمريكا تحت جزمتي، فهي تستهدف الإسلام، ونحن خرجنا لله وليس للسلطة أو الجاه".

عقب عودته من واشنطن الأسبوع قبل الماضي، قال رئيس الوزراء السوداني إنه فاوض الجانب الأمريكي، ونجح في تخفيض مبلغ التعويضات من مليارات إلى ملايين، وهكذا، والسودان في حال عسر اقتصادي خانق، يجد نفسه مطالبا بالسداد. ومن جهة أخرى صارت حلايب التي ظل السودان يدير شؤونها طوال نصف قرن باعتبار أنها جزء من أرضه، صارت مصرية بالكامل، منذ فشل محاولة اغتيال جماعة البشير لحسني مبارك في عام 1997، وكان سكوت البشير عن تمصير حلايب ثمنا لسكوت مصر عن تلك الجريمة.

وهكذا قد يرحل الطغاة عن الكراسي وعن الدنيا، ولكنهم يتركون على هامات بلدانهم مسامير جحا قد لا يتسنى لهم العودة لتفقدها، ولكنها تظل تذكارا غائرا يُدمي ويوجع، إلى أن يتم اقتلاعها بعد دهور طويلة.

التعليقات (1)
البشير و أخوانه المسامير
السبت، 14-12-2019 08:06 م
الكل يعلم أن الإرهاب مسرحية الغرب ينفذها المجرمون من أجل المال و المخدرات بإسم السلفية التلفية ،أما مال الشعب السوداني الذي يقدمه مسامير جحا فقط لإرضاء صهاينة أمريكا مثلهم مثل البشير لا يعقلون لا يفكرون و لا يستحون...