كتاب عربي 21

تركيا.. أزمة جامعة شهير سياسية أم قانونية؟

إسماعيل ياشا
1300x600
1300x600

أضافت أزمة جامعة شهير الأهلية بإسطنبول؛ حلقة أخرى إلى سلسلة الخلافات التي تشهدها العلاقات المتوترة بين رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان ورئيس الوزراء التركي الأسبق أحمد داود أوغلو، في ظل نقاش حول طبيعة الأزمة، وادعاء الثاني بأنها سياسية، فيما يقول الأول إنها قانونية. وقبل التعليق على الأزمة، والحديث عن أبعادها، دعونا نلخص أولا كيف بدأت وأين وصلت الآن.

الأراضي التي تأسست عليها جامعة شهير الأهلية في إسطنبول، قام أردوغان بتخصيصها للجامعة في مقابل إيجار سنوي، بصفته رئيس الوزراء. ولما أصبح أردوغان رئيس الجمهورية، وتولى أحمد داود أوغلو رئاسة الوزراء، قام الأخير بنقل ملكية تلك الأراضي إلى الجامعة دون مقابل. وبعبارة أخرى، انتقلت الأراضي التي تقدر قيمتها بـ2.5 مليار ليرة تركية، من ملكية الدولة إلى ملكية الجامعة الأهلية دون أن تدفع هذه الأخيرة إلى الدولة قرشا واحدا. وليس هذا فحسب، بل وحصلت الجامعة بعد ذلك على 417 مليون ليرة تركية قرضا من "بنك خلق" الحكومي بضمان تلك الأراضي التي انتقلت ملكيتها إلى الجامعة. إلا أن القضاء التركي ألغى قرار نقل ملكية الأراضي إلى الجامعة، بناء على دعوى قضائية رفعها الاتحاد التركي لغرف المهندسين والمعماريين، المقرب من حزب الشعب الجمهوري. ولما أصبح القرض بلا ضمان، وفشلت الجامعة في تسديد الأقساط رغم كل التسهيلات، قام البنك باستصدار قرار من القضاء للحجز على كافة ممتلكات الجامعة وأموالها في البنوك التركية.

داود أوغلو يدَّعي بأن خطوة "بنك خلق" الحكومي سياسية بامتياز، وتهدف إلى الانتقام منه، إلا أنه لا يجيب على أسئلة عديدة ينتظر الرأي العام التركي أجوبة لها، مثل: "كيف تهدف قضية قانونية متعلقة بديون جامعة شهير، إلى الانتقام منه لأسباب سياسية وهو ذاته يقول إنه لا علاقة له بالجامعة المذكورة؟"، و"هل يعتبر نقل ملكية أراضي الدولة إلى جامعة أهلية تجارية دون مقابل فسادا في نظره أم لا؟"، و"هل يريد داود أوغلو أن لا يطلب البنك الحكومي من الجامعة تسديد أقساط القرض؟".

 

كيف تهدف قضية قانونية متعلقة بديون جامعة شهير، إلى الانتقام منه لأسباب سياسية وهو ذاته يقول إنه لا علاقة له بالجامعة المذكورة؟

رجل الأعمال التركي، مراد أولكر، نشر بيانا تطرق فيه إلى النقاش الدائر حول جامعة شهير. وكان أولكر من أبرز الداعمين للجامعة، وذكر في البيان أنه شارك في تأسيس الجامعة، وقام بالإيفاء بكافة تعهداته المالية قبل الانسحاب من مجلس أمنائها. كما أكد أنه في الاجتماع الأخير مع أعضاء مجلس الأمناء حذرهم من التساهل في الاقتراض، نظرا لحساسية وضع الجامعة المالي، في إشارة إلى سوء الإدارة الذي أغرق الجامعة في ديون.

أردوغان في هذه الصورة يظهر فقط في تخصيص الأراضي لجامعة شهير الأهلية في مقابل إيجار سنوي، وهو إجراء قانوني معمول به في البلاد لدعم الأنشطة التعليمية. وأما بقية القصة فلا علاقة لها برئيس الجمهورية، وهي بين الجامعة والأطراف الأخرى. وبالتالي، تجاهل كافة تلك الأطراف وأدوارها من أجل تحميل المسؤولية برمتها على أردوغان يبدو مناورة سياسية بامتياز.

 

إن كان داود أوغلو ينوي استغلال هذه القضية للتصعيد ضد أردوغان ونقل المعركة إلى ساحة رئيس الجمهورية ليلعب بورقة "المظلومية"، فلن يكون ذاك التكتيك لصالح الحزب الجديد الذي يستعد لإعلان تأسيسه

داود أوغلو يتجاهل إشارة أولكر إلى سوء الإدارة، ولا يرد عليه، بل ويتجاهل أيضا حقيقة أن الاتحاد التركي لغرف المهندسين والمعماريين المقرب من حزب الشعب الجمهوري؛ هو الذي رفع الدعوى القضائية بطلب إلغاء قرار نقل ملكية أراضي الجامعة، ولا ينتقده ولو بكلمة. وهذا يثير علامات استفهام حول أهداف داود أوغلو وفريقه.

قد يسأل سائل: لماذا تحرك البنك الآن؟ والجواب أن القضاء ألغى قرار نقل ملكية الأراضي إلى الجامعة في كانون لأول/ ديسمبر 2018، ولما أصبح القرض بلا ضمان، وعجزت الجامعة عن السداد على الرغم من تأجيل مواعد الأقساط، وجب على البنك أن يطلب الحجز على ممتلكات الجامعة وأصولها. ومن المتوقع الآن أن تعين جامعة مرمرة الحكومية مجلس أمناء جديد لجامعة شهير لتستمر فيها الدراسة كي لا يتضرر طلابها.

إن كان داود أوغلو ينوي استغلال هذه القضية للتصعيد ضد أردوغان ونقل المعركة إلى ساحة رئيس الجمهورية ليلعب بورقة "المظلومية"، فلن يكون ذاك التكتيك لصالح الحزب الجديد الذي يستعد لإعلان تأسيسه؛ لأن الرأي العام التركي يطلب منه الإجابة على الأسلئة المتعلقة بنقل ملكية أراضي الدولة إلى جامعة أهلية بلا مقابل، ولن تنفعه محاولة الهروب إلى الأمام من خلال الدعوة إلى التحقيق مع رئيس الجمهورية وكافة المسؤولين. ولعل هذا سبب سكوت علي باباجان وعدم تعليقه حتى الآن على الانتقادات الموجهة إلى قرار نقل ملكية الأراضي الذي وقع هو الآخر عليه؛ لأن القرار لا يمكن تبريره قانونيا ولا أخلاقيا، ولا يقبله الشعب بأي حال.

التعليقات (0)