قضايا وآراء

عندما يتحرك المخلصون في مصر!

1300x600
1300x600
في الوقت الذي تتجه أنظار المصريين لتلك المعركة التي فتحها النظام المصري مع تركيا، بشأن مذكرة التفاهم التي أبرمتها الأخيرة مع ليبيا لترسيم الحدود في البحر المتوسط، والتي تعد إنجازا تسترد به مصر آلاف الكيلومترات التي تنازل عنها النظام في اتفاق ترسيم الحدود مع كل من اليونان وقبرص، والتي تنازل معها أيضا عن حصة مصر في غاز شرق المتوسط.. في ظل هذه المعركة الإعلامية، هناك مساحة أكبر وأخطر يدور عليها التفاوض، لا على مسطحات بحرية ولا حدود اقتصادية، وإنما على مصير شعب بأكمله ومستقبل أبنائه بل وحياتهم.

في الثاني والثالث من الشهر الجاري عقد الاجتماع الوزاري الثاني لوزراء المياه في كل من إثيوبيا والسودان ومصر، والذي عقد في القاهرة بحضور مراقبين من الولايات المتحدة والبنك الدولي، كما أراد الطرف المصري وجامل الطرف الأمريكي، لكن هذا الاجتماع لم يخرج بنتائج تذكر، وبقيت نقاط الخلاف حول آلية ملء وتشغيل سد النهضة دون حل. ولحفظ ماء وجه النظام المصري المضيف، اتفق الحاضرون على عقد اجتماع في واشنطن يوم 6 كانون الأول/ ديسمبر لتقييم إنجازات المفاوضات، ولما لم تقدم الجولتان السابقتان أي تقدم، فإن اجتماع السادس من كانون الأول/ ديسمبر انفض على لا شيء.

لكن اللا شيء هو كل شيء بالنسبة لإثيوبيا، فعامل الوقت الذي يلعب عليه النظام المصري، هو نفس العامل الذي تراهن عليه إثيوبيا.

النظام المصري في اجتماع القاهرة منذ أيام قدم مقترحات، إن حسبتها بحسابات الصراع التوافقي فهي مقترحات جيدة يمكن البناء عليها للتقدم في المفاوضات، لكن ولأن الأمر لم يعد مفاوضات، فإن رهان النظام المصري خاسر، ذلك لأن المفاوضات تحتاج إرادة من الطرفين لتقديم تنازلات، وهو ما لا يتوفر بالنسبة للطرف الإثيوبي الذي وجد في هوان الدولة المصرية مخرجا لتنفيذ مشروعه الطموح، بعد توقف عشرات السنين.

وللإنصاف، علينا أن نستعرض المقترحات الأربع التي قدمها النظام المصري في اجتماع القاهرة منذ أيام. فبعد أن تيقن النظام المصري من أن التحرر أصبح غير ممكن، فاوض على تحسين شروط العبودية. فقد انصبت المقترحات بالكلية على طرق ووقت ملء السد، فوضع النظام في مصر سيناريوهات لملء وتشغيل سد النهضة بناء على مبادئ أساسية مثل: التكيف مع الظروف الهيدرولوجية، والتدفق السنوي، ومعدل ومستوى المياه الحرج في خزان السد العالي في مصر. وهي الخطة التي بموجبها يمكن الحفاظ على معدلات آمنة لتخزين المياه الاستراتيجية في بحيرة السد العالي.

وبحسب ما سُرب من الاجتماعات، فإن الخبراء المصريين تمسكوا بأن يكون ملء سد النهضة على مراحل بدلاً من عدة سنوات، وهو المقترح الذي كان يتمسك به السيسي ووزير خارجيته، والذي استدرج فيه الوفد الإثيوبي النظام المصري لكسب الوقت وإنهاء المهمة، ووضع الطرف المصري أمام الأمر الواقع، وهو رأي روج له السيسي ومنظومته السياسية دون الرجوع لأهل الخبرة.

بعد الاجتماع الأخير بدأ أهل الخبرة يتحركون على استحياء وفي مساحات ضيقة، بعد أن فشلت الأوامر العسكرية التي تدار بها الدولة على مدى ست سنوات، والتي ورطت مصر في العديد من المشاكل التي يصعب الخروج منها، لما رتّبته من مراكز قانونية لأطراف خارجية، كما حدث بتوقيع السيسي الاتفاق الإطاري بشأن حصة مصر في مياه نهر النيل والتي أسقطت حقوق مصر التاريخية في حصتها.

لقد طالب المختصون أن يتم تحديد مراحل ملء سد النهضة وفقا للشروط التي تراعي الفيضان السنوي للنهر، ومستوى هطول الأمطار ومواسم الجفاف، وقدم المختصون في ذلك بيانات وأرقاما مفصلة حول كل مرحلة من ملء السد، سواء من خلال مستويات تدفق المياه أو أثناء فترات الجفاف، وهو ما يمكّن مصر من تأمين كميات آمنة من تدفق المياه التي تصل إلى بحيرة السد العالي، وذلك عملا بقاعدة "اربح ودعني أربح". وليس بالإمكان أفضل مما كان من ممثلي الطرف المصري في هذا الاجتماع، لكن الوفد الإثيوبي (الذي تفاجأ بهذا الجهد المخلص من الوفد المصري الذي يشعر بحجم الكارثة ويريد أن يبرئ نفسه أمام التاريخ) تذرع بحجج ليفشل الاجتماع ويخرجه بغير فائدة مرجوة، كسبا للوقت.

أصبحت الكارثة المنتظرة بملء سد النهضة وتبعاتها، من جفاف ملايين الأفدنة المصرية وما يترتب عليها من مجاعة حتمية، مسألة وقت، وأصبح الكل يدرك حجم هذه الكارثة، وأصبح المخلصون يحفرون بأظافرهم لإنقاذ هذا البلد الطيب وهذا الشعب الطيب الذي يستحق التضحية في سبيله. ولا يمكن أخذ شعب مئة مليون بذنب بضعة آلاف سيطروا على الإعلام فغسلوا أدمغة الناس، وملكوا السلاح فهددوا أرواح الشعب. لقد أصبح الخطر داهم وعلى الكل أن يتحرك، وبداية الحراك ركم الخبث والتخلص منه.
التعليقات (0)