قضايا وآراء

الإسلام والرجم (21).. هل تنسخ السنة القرآن؟!

عصام تليمة
1300x600
1300x600

والنقاش حول الرجم، بحكم أن من يثبته يستدل بالسنة النبوية، على الرغم من عدم وروده في القرآن، وهذا معناه أن هناك نسخاً تقوم به السنة على تشريعات القرآن، وينبغي النقاش حول: نسخ القرآن بالسنة، وهل يقع أم لا؟ 

لقد اختلف علماء الأصول في: هل تنسخ السنة القرآن الكريم؟ وقد كان أول من تكلم في هذا الموضوع كتابةً هو الإمام الشافعي، فقال رحمه الله: (وفي قوله: {ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي} يونس: 15، بيان ما وصفت، من أنه لا ينسخ كتاب الله إلا كتابه، كما كان المبتدئ لفرضه، فهو المزيل المثبت لما شاء منه، جل ثناؤه، ولا يكون ذلك لأحد من خلقه.

وكذلك قال: {يمحو الله ما يشاء ويثبت، وعنده أم الكتاب} الرعد: 39.

 

حاصل القول في المسألة أن النسخ لا يقع إلا بأمر الله تعالى، ولا ناسخ إلّا الله. والأمر ـ كيف فرضت جهات تبليغه ـ لله تعالى


وقد قال بعض أهل العلم: في هذه الآية ـ والله أعلم ـ دلالة على أن الله جعل لرسوله أن يقول من تلقاء نفسه بتوفيقه فيما لم ينزل فيه كتاباً، والله أعلم.

وقيل في قوله: {يمحو الله ما يشاء} الرعد: 39: يمحو فرض ما يشاء، ويثبت فرض ما يشاء، وهذا يشبه ما قيل، والله أعلم.

وفي كتاب الله دلالة عليه، قال الله: {ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير} البقرة: 106.

فأخبر الله أن نسخ القرآن، وتأخير إنزاله، لا يكون إلا بقرآن مثله.

وقال: {وإذا بدلنا آية مكان آية، والله أعلم بما ينزل، قالوا: إنما أنت مفتر} النحل: 101)(1) .

ولم يسلم عدد من العلماء بوقوع نسخ القرآن بالسنة، ومن هؤلاء: أبو جعفر النحاس(2)، ونسبه الإمام الغزالي إلى الإمام مالك(3) .

وإن دافع إمام الحرمين الجويني عن وجهة نظر المتكلمين القائلة بإمكانية وقوع نسخ الكتاب بالسنة، إذ قال: (والذي اختاره المتكلمون ـ وهو الحق المبين ـ أن نسخ الكتاب بالسنة غير ممتنع. 

والمسألة دائرة على حرف واحد، وهو أن الرسول لا يقول من تلقاء نفسه أمراً، وإنما يبلغ ما يؤمر به كيف فرض الأمر. ولا امتناع بأن يخبر الرسول الأمة مبلِّغاً بأن حكم آية يذكرها قد رفع عنكم. 

ويرجع حاصل القول في المسألة أن النسخ لا يقع إلا بأمر الله تعالى، ولا ناسخ إلّا الله. والأمر ـ كيف فرضت جهات تبليغه ـ لله تعالى)(4) .

يقول أستاذنا الدكتور عبد العظيم الديب معلقاً على قول الإمام الجويني: (مع إعجابنا ببراعة إمام الحرمين، ومهارته في رده على الشافعي، رضي الله عنهما، إلا أن الواقع قد أثبت صحة رأي الشافعي، فقد انتهى عصر التشريع ونزول الوحي، وكملت الشريعة، ولم نجد آية نسختها سنة)(5) .

هل ينسخ الآحاد القرآن؟

هذا من حيث نقاش الأصوليين لنسخ القرآن بالسنة المتواترة، فما بالنا بالسنة التي تنزل عن درجة التواتر، سواء المشهورة، أو الآحاد، والذي ثبت أن أحاديث الرجم هي آحاد؟! وهو أيضاً مبحث ناقشه الأصوليون نقاشاً طويلاً، ورفضه عدد من الفقهاء والأصوليين، إذ ليست سنة الآحاد من درجة القرآن، ولا من درجة السنة المتواترة، فكيف بها تنسخها. 

وهذا أشبه في حياتنا العامة بالدستور والقانون، فالدستور يهيمن على القانون، وليس العكس، والدستور هنا هو القرآن، أو السنة المتواترة، والقانون هنا سنة الآحاد، وهي معظم السنة، ولذا كان موقف عدد من الأصوليين قديما وحديثا رفض أن تنسخ السنة الآحاد القرآن، في نقاش طويل يرجع إليه في مظانه ومراجعه.

الهوامش:

1 ـ انظر: الرسالة للإمام الشافعي، ص: 233.
2 ـ انظر: الناسخ والمنسوخ في كتاب الله عز وجل واختلاف العلماء في ذلك لأبي جعفر النحاس (1/434-439).
3 ـ انظر: المنخول من تعليقات الأصول لأبي حامد الغزالي، ص 292.
4 ـ انظر: البرهان في أصول الفقه للإمام الجويني (1307) الفقرة (1440)، بتحقيق أستاذنا الدكتور عبد العظيم الديب.
5 ـ انظر: المصدر السابق نفس الصفحة هامش رقم (2).

التعليقات (0)